أحمد السماحي: وعد البحري مطربة شابة ولدت في سوريا,عاشت طفولتها وصباها المبكروشبابها علي أرض الإمارات, كانت مصر بالنسبة لها أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وأسمهان وعبدالحليم حافظ وفايزة أحمد ووردة ونجاة وشادية وفريد الأطرش فضلا عن عشرات الأصوات والأسماء اللامعة. حين وطأت قدماها أرض القاهرة لأول مرة كانت أشواقها تسبق خطواتها وحلمها يسبق تفكيرها في أن تلتقي هؤلاء من خلال إبداعهم الجميل, ولكنها لم تجد أحدا من هؤلاء بل كان في استقبالها' سعد الصغير وشعبان عبدالرحيم وبعرور' وعشرات من الأسماء الأخري الأقرب إلي' المنولوجستات' سألت عن الذين أحبتهم وتعلمت منهم وحلمت باللقاء بهم فجاءها الرد:' هذا هو الغناء اليوم وهذا هو طريق النجاح', لحظتها بكت فليس أقسي علي قلب الفنان من أن تتحول الآمال والطموحات إلي سراب مصحوبا بالأوهام والفوضي والعشوائية'. حملت حقائبها وعادت هي ووالداتها مرة ثانية إلي الإمارات, واختفت بعد مسلسل اسمهان إلي أن التقت بالموسيقار الكبير محمد ضياء الدين الذي آمن بموهبتها ومنحها زادا موسيقيا خالصا من خبرته العريضة في دنيا الألحان, وعلي مدي عامين تركت المطربة نفسها للأستاذ الكبير الذي كون معها ورشة عمل لاختيار أغنيات ألبومها الأول' أغير حياتي' والذي تحمل مسئوليته التلحينية كاملة, وكتب كلماته الشعراء' ناصر الجيل ومحمد جمعه وإبراهيم الحلوجي', وتولي مهمة التوزيع يحيي الموجي وياسرماجد,ومحمد ضياء نفسه. والحقيقة أن محمد ضياء بهذا الألبوم استطاع أن يكسب الرهان علي موهبته التي لاتنضب بل أكسبتها السنين العجاف- في زمن الترهل الموسيقي- بريقا أخاذا, وأكد أنه قادر علي أن يمنح سوق الكاسيت قبلة الحياة بألحانه الرائعة,ورسم بجمله الموسيقية المتنوعة التي تشبه قوس قزح بألوانه البراقة التي تشق سماء النغم في ثقة شخصية جديدة لصوت وعد البحري الذي يمكن أن نصفه بالصوت المطواع الذي يتقمص أي شخصية بنجاح,لهذا جاءت أغنيات الألبوم ال10 ثرية ومليئة بالتنوع الشديد من حيث الموسيقي والتوزيع والكلمات,فكل أغنية تصلح' هد',وكل غنوة تحمل موضوعا وموسيقي يختلف في شكله ومضمونه عن غيره. من يستمع إلي ألبوم' وعد' لابد أن يتوقف عند كل أغنية,لسبب بسيط أن كل واحدة تحمل فكرة وتناقش موضوعا مهما,وليس مجرد كلام جميل يبدو في تراص غير منتظم حينما يوضع بجوار بعضه البعض دون هدف أو قيمة, ومن أهم هذه الموضوعات,موضوع' البرودالعاطفي' تلك الآفة التي تصيب معظم العلاقات العاطفية بعد فترة, وقد جسدته الأغنية الرائعة والجريئة' ماتلمسنيش' التي كتبها ناصر الجيل بوعي شديد, أما أغنية' تجربة' فجاءت كحالة موسيقية كاملة مليئة بالعاطفة والحب والقوة في نسيخ فني بديع, حين غنت المطربة الشابة لحنا علي غير المألوف, ورغم صعوبة اللحن تؤديه وعد بحرفية تحسد عليها في حالات الحنو والتحدي معا ولم ينس ضياء الرومانسية التي يختزن منها رصيدا كبيرا لاينفد من الأنغام فقدم للمطربة أكثر من لحن رومانسي رائع مثل' قرب مني- منتهي الإحساس- مش حنساك',ألحان عذبة تدخل القلب بدون استئذان, خاصة الأخير الذي يعتبر من أرق وأجمل الألحان' السلو' الرومانسية التي استمعنا إليها في الفترة الأخيرة,وجاء أداء وعد المتمكن علي نفس المستوي من الرونق الجمالي. أما أغنية' بعتذر' فلابد أن تتوقف كثيرا أمام هذه الأغنية الساحرة منذ نغمتها الأولي التي يبدو فيها خليط جميل من الإحساس والطرب, كتب كلماتها الشاعر الجميل محمد جمعه ووزعها يحيي الموجي الذي وضع فيها إحساسا يضفي مزيدا من البهجة علي إحساس الملحن والمطربة, وجاءت أغنية' بلا دلع' مليئة بالشقاوة التي تتناسب مع سن المطربة والتي تقدمها هي وأغنية' أغير حياتي' لجيلها من الفتيات اللاتي مررن بتجارب حب تتسم بقدر من الأنانية من جانب الطرف الآخر طبعا يقصد الرجل الذي يأخذ ولا يعطي. وتبقي مفاجأة الألبوم في أغنية إيقاعية جميلة تحمل عنوان' معاملة خاصة',وما يدعني وصفها بالمفاجأة أنه عادة ما تخلو الأغاني الإيقاعية من المضمون الجيد للكلمات, لكننا هنا نجد الأغنية تحمل موضوعا لطيفا وجديدا علي مستوي الكلمة في تواز جميل مع اللحن والأداء. كلمة أخيرة ألبوم' أغير حياتي' بداية قوية للمطربة وعد البحري,وعودة متميزة للموسيقار الكبير محمد ضياء الدين, وتألق لشاعر شاب يضع بصماته علي خريطة الأغنية في مصر اسمه ناصر الجيل.