لقد كان عام 1869 عاما مختلفا عن الأعوام التى سبقته، هذا ما قدمته مجلة نيتشر العالمية على صدر صفحاتها بمناسبة مرور 150 عاما على إصدار العدد الأول من المجلة فى نوفمبر 1869 والذى صادف أحداثا جساما جرى نشرها فى هذا العدد، أهمها فتح قناة السويس فى مصر نوفمبر عام 1869، وإقرار ولاية وايومنغ الأمريكية لأول قانون فى العالم يكرس حق المرأة فى التصويت، ونشر ليو تولستوى روايته الملحمية «الحرب والسلام»، ومولد الزعيم الهندى المهاتما غاندى، ويستمر بيان المجلة بالقول ان تلك الذكرى فرصة للتفكير لما حدث، حينما كشف العالم «فريدريش مايشر» فى العام نفسه ما يسمى اليوم ب «الأحماض النووية» من نوى خلايا الدم البيضاء، ووصف «بول لانجرهانز» لأول مرة الجزر البنكرياسية، وقدم ديمترى مندليف لأول مرة الجدول الدورى للعناصر، ونُشر «ألفريد روسل والاس» «أرخبيل الملايو»، الذى وصف فيه تقسيم الحيوانات والنباتات على طول ما يعرف الآن ب «خط والاس». واليوم أتحدث باختصار عن الذكرى 150 لافتتاح قناة السويس، والتى افتتحها رسميًا الخديوى اسماعيل خديوى مصر والسودان فى 17 نوفمبر 1869، وكانت أول سفينة تعبرها هى اليخت الفرنسى للإمبراطورة أوجينى تليها السفينة «دلتا»، أما من ناحية الجنوب إلى الشمال، فقد كانت السفينة S.S. Dido هى أولى السفن العابرة، وعلى الرغم من أن حركة المرور كانت أقل من المتوقع خلال أول عامين من تشغيل القناة، فقد كان لها تأثيرها العميق على التجارة العالمية، وفى فتح باب الاستعمار الأوروبى لإفريقيا. واليوم، إذ يفصلنا 150 عاما منذ حفر قناة السويس، شهدت مصر خلالها الكثير من الأحداث السعيدة والحزينة، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخ مصر الحديث، سطره المصريون بالدم والعرق والجهد، وهنا نأتى إلى البداية حينما أمر الخديوى اسماعيل بتجميل وتزيين مدينة بورسعيد، وإعدادها لتكون فى أجمل مظهر حضارى وتوفير السلع والخدمات، فامتلأت بالمشاركين فى الحفل، وانتشر أعداد من المصريين بملابسهم التقليدية على خط القناة، وقد بلغ عدد المدعوين من ذوى الحيثيات الرفيعة ستة آلاف مدعو، وتم استدعاء خمسمائة طباخ من مرسيليا وجنوه وتريستا ليقدموا شتى أنواع الأطعمة والمشروبات، وأقيمت 3 منصات خضراء مكسوة بالحرير، وخصصت الكبرى للملوك والأمراء، والثانية والثالثة لرجال الدين، وجلس الخديو إسماعيل، ومسيو ديلسبس، وأوجينى إمبراطورة فرنسا، وفرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا، والأمير هنرى شقيق ملك هولندا، وسفيرا إنجلترا وروسيا بالآستانة، والأمير محمد توفيق ولى العهد، وطوسون نجل محمد سعيد باشا، وشريف باشا، ونوبار باشا، والأمير عبد القادر الجزائرى، بالمنصة الكبرى. واصطفت المراكب الحربية على شكل نصف قوس داخل ميناء بورسعيد فى منظر بديع وخلاب، وتلألأت سماء بورسعيد بالأنوار والأضواء وسادت شوارعها أنغام الموسيقى. وبعد أن تناول الجميع الغداء على نفقة الخديوى، استمرت احتفالات افتتاح القناة 40 يومًا، وقد بلغت نفقات الحفل مليونا ونصف المليون جنيه (ما يعادل179 مليون جنيه بسعر اليوم). وفى ذكرى مرور 150 عاما على إنشاء قناة السويس، أرى أنها تستحق أن نحتفى بها، وأن نبين إلى أى مدى صارت قناة السويس «حاكية» لتاريخ فترة عصيبة ومهمة من تاريخ مصر.