الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    مواجهة الاحتكار    برلمانية: مصر الداعم الأول والرئيسي للشعب الفلسطيني    حقيقة استقالة انضباط اتحاد الكرة وموقف فيفا من قضية الشيبي والشحات    دون راحة.. الأهلي يؤدي تدريباته استعدادًا لنهائي دوري أبطال إفريقيا    لقوا مصرعهم.. الأمن العام يداهم بؤرة أدارها 3 مجرمين ويضبط قنابل وربع طن مخدرات    برقين.. وجارتها كفر غنام    ملمس الضوء    كاميرون: حظر صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل من شأنه تقوية حماس    «ثقافة الشيوخ» تناقش اقتراح لإنشاء متحف شمع لعظيمات مصر.. والحكومة: تكلفته باهظة    مصر تعتزم دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    يوفنتوس بالقوة الضاربة في مواجهة يوفنتوس بالدوري الإيطالي    غدًا.. وزير العمل: طرح مشروع قانون العمل على "الحوار الاجتماعي"    "جنايات قنا" تقضي بالمؤبد على سائق بتهمة قتل زوجته    8 مصابين في انقلاب سيارة بترعة في بني سويف    "إعلام النواب" توافق على موازنة "الوطنية للصحافة"    عادل محمود: إعلان مصر التدخل في دعوى جنوب إفريقيا يعري الاحتلال الإسرائيلي    تفاصيل اعلان وزارة الداخلية قبول دفعة جديدة بمعاهد معاوني الأمن.. فيديو    "أثر الأشباح" للمخرج جوناثان ميليت يفتتح أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي    بعد تصدرها التريند..تعرف على عدد زيجات لقاء سويدان    أمينة الفتوى: سيطرة الأم على ابنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال تنفيذ مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    اسكواش.. نتائج منافسات السيدات في الدور الثاني من بطولة العالم    فرحة في الكامب نو.. برشلونة يقترب من تجديد عقد نجمه    قائد الجيش الأوكراني: الوضع في خاركيف تدهور بشكل كبير    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    الدورى الإسبانى.. قاديش يعزز من فرص تواجده فى الليجا بالفوز على خيتافى    "العيد فرحة وأجمل فرحة".. موعد عيد الاضحى المبارك حسب معهد البحوث الفلكية 2024    هل يقضي عصام صاصا 5 سنوات سجن بسبب دهس مواطن؟    حصاد الوزارات..وزير الأوقاف: نشكر الرئيس لما يوليه من عناية لعمارة بيوت الله    الصحفيين تعلن فتح باب الحجز لعدد 75 وحدة سكنية فى مدينة السادس من أكتوبر    مستشهدًا بالعراق وأفغانستان.. سيناتور أمريكي لإسرائيل: قتل المدنيين يزيد دعم وقوة خصومنا    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    لحماية صحتك.. احذر تناول البطاطس الخضراء وذات البراعم    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    جامعة الأقصر تخطط لإنشاء مستشفى وكليتي هندسة وطب أسنان    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بأفغانستان إلى 315 شخصًا    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    مظاهرات الجامعات توقظ ضمير العالم    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    البورصة تخسر 25 مليار جنيه في ختام تعاملات أول الأسبوع    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    تعرف على أماكن اختبارات الطلاب المتقدمين لمعهد معاوني الأمن لعام 2024    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    مجلس الجامعات الخاصة يكشف قرب الانتهاء من إنشاء 7 مستشفيات    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    البريميرليج يقترب من النهاية.. من يحسم اللقب؟    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    «الداخلية»: ضبط 4 عاطلين بتهمة سرقة أحد المواقع في أسوان    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    الإفتاء: توضح حكم سرقة التيار الكهربائي    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى فقه الأرقام

للأرقام فى كتاباتنا أهميتها وجدلها وأيضاً خطورتها، ولها تأثير يفوق أحياناً أى حجة نظرية أخرى. ومن هنا المقولة الشائعة إن الأرقام لا تكذب. وبرغم ذلك تبقى الأرقام حمّالة أوجه، لأنه يمكن تطويعها لإثبات دلالة معينة بحسب المنظور الذى نرى الرقم من خلاله. لهذا أكتب اليوم عن الأرقام ليس باعتبارها معطيً حسابياً أو إحصائياً فقط لكن بوصفها إحدى أدوات البحث العلمى بل الفكرى عموماً. وهو أمر صحى ومطلوب أعتقد أنه يثرى النقاش العام حول واحدة من قضايانا المجتمعية بل المصيرية المهمة، أفعل ذلك لأغلق سلسلة مقالاتى الأخيرة عن التعليم الجامعى. معروفٌ أن هناك ضوابط ومعايير لاستخلاص الأرقام والإحصاءات لدى المتخصصين، لكن يكفى لمن يستند إليها أن يدعمها بالمصدر الذى أعدها، والأهم أن يكون لهذا المصدر موثوقية مهنية أو بحثية سواء كان مؤسسة أو فرداً، وأن يحدد النطاق الزمنى أو الجغرافى الذى يغطيه الرقم. لكن علينا فى كل الأحوال أن نتوقع اختلاف دلالة الأرقام بحسب ما يرتبط بها من سياقات موضوعية وبحسب طرائق استخدامها وتفسيرها. هنا تتحوّل الأرقام من مجرد ظاهرة كمية صماء إلى ظاهرة نوعية ناطقة. فحين نذكر مثلاً حجم الانفاق على التعليم فى مصر فإن دلالته ستختلف بحسب نسبة هذا الانفاق من الناتج الإجمالى المحلى أو من الموازنة السنوية للدولة. كما يظل مؤشر حجم الإنفاق على التعليم غير كاف فى دلالته عند المقارنة مع الدول الأخرى ما لم نأخذ فى الاعتبار الوزن السكانى. فلا تسوغ مثلاً المقارنة الحسابية الصماء بين نصيب الطالب المصرى من الانفاق السنوى على التعليم مع نظيره فى دول مثل الإمارات أوالكويت أوالدانمارك أو فنلندا والتى لا يجاوز عدد سكانها 5% تقريباً من عدد سكان مصر، بل إن المبلغ المخصص للإنفاق على تطوير التعليم لا يبدو بذاته معياراً كافياً للاهتمام بالتطوير، لأننا قد نكتشف مثلاً أن 90% من هذا المبلغ مخصّص لمرتبات أعضاء هيئة التدريس والأجهزة الفنية والإدارية والنفقات الثابتة الأخرى فلا يتبقى إلا أقل القليل للإنفاق على جوانب عملية التطوير ذاتها. ما أقصده هنا باختصار أن الأرقام الإجمالية وحدها تبقى قاصرة ما لم يتم تحليلها وتفسيرها على ضوء العديد من العناصر النوعية الأخرى.
تزداد إشكالية الرقم تعقيداً حين يتعلق بظواهر يتم قياسها بناء على مجرد مدركات أو استبيانات أو تغطيات إعلامية كما فى مؤشر الشفافية أو مكافحة الفساد الذى يردده الناس كما لو كان معطيً حسابياً محدّداً مع أنه أقرب إلى الانطباع أو التصوّر الإدراكى. كذلك الأمر فيما يتعلق بأحد أشهر المؤشرات وهو مؤشر الأمية أو القرائية. فهناك الكثير من التقديرات المتفاوتة لنسبة الأمية فى مصر نجدها فى تقارير البنك الدولى واليونسكو وتقرير التنمية البشرية، وكنت أذكر فى مقالاتى خلال السنوات الأخيرة أن نسبة الأمية تدور حول 29% والآن فإن الرقم المثبت وفقاً لأحدث تقرير إحصائى لعام 2018 أصدره الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء هو 26%0 لكن هذا الرقم لا يعطى صورة واضحة بغير معرفة نسب الأمية وفقاً للشرائح العمرية أو لدى الرجال والنساء.
ربما تبدو الأرقام والإحصاءات الخاصة بمخرجات التعليم فى مصر هى الأكثر دقة، لأنها تعتمد على مؤسسة احترافية شديدة التميز هى الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ولولاه لعشنا فى ظلام معرفى دامس. فالجهاز يتلقى البيانات من المؤسسات التعليمية، وهامش الخطأ فيها يبدو طفيفاً ويكون فى الغالب خطأ مادياً، فهناك مثلاً مساحات فراغ فى بعض السنوات أو بعض التخصصات وهذا أمر وارد. وفيما يتعلق تحديداً بمسألة أعداد الحاصلين على درجات علمية فوق جامعية التى وُردت فى مقالاتى الأخيرة فقد اعتنيت بذكر مصدر الأرقام وحدّدت النطاق الزمنى الذى تغطيه، لكن هذه العناية تتطلب عناية موازية فى قراءتها. ففى مقالة ويسألونك عن البيّنة المنشورة يوم السبت قبل الماضى خلط البعض عن حسن نية بين أمرين مختلفين، أولهما دعوتى للاطلاع على محضر الاجتماع الشهرى لمجلس إحدى الكليات فى اى سنة تعجبنا من عام 2012 لنعرف العدد الهائل لرسالات الدكتوراة والماجستير المعروضة شهرياً للتسجيل أو المناقشة، أما الأمر الآخر فهو أعداد الحاصلين فى جامعة الإسكندرية على درجة علمية فوق جامعية فى السنوات الخمس الأخيرة وبينها 2018/2019 التى لم تنقض بعد. فاعتبر الدكتور محمد رياض أطال الله فى عمره وعطائه فى مقالته الأحد الماضى، وهو أستاذ كبير محل تقدير، أن المقصود هو الفترة من 2012 إلى 2016 بينما ما قصدته فى مقالتى هو السنوات الخمس الأخيرة حتى الآن.
ما يهمنى تسجيله كختام لهذه المقالات أن مناقشتى قضايا التعليم الجامعى ليست مُشخصنة أو لغرض لكنها حقى بل واجبى كأستاذ وصاحب قلم، وأفعل ذلك منذ سنوات طويلة بدليل أننى وبتاريخ 10/9/2016 ذكرت هنا أعداد الدرجات العلمية فوق الجامعية التى منحتها كل الجامعات المصرية (وليس فقط جامعة الإسكندرية) خلال الفترة الزمنية 2000-2013 وحيث لم يكن يوجد أحد من القيادات الجامعية الحالية، وكانت المفاجأة المذهلة هى منح ستمائة وخمس وخمسين ألفاً وخمسمائة وإثنين (655502) درجة دكتوراة وماجستير ودبلوم عال خلال هذه الفترة، أى نحو ثلثى مليون درجة علمية فوق جامعية(!) والرقم معروض لمراجعة من يريد. الأرقام بالطبع مهمة لكن الأكثر أهمية هو دلالاتها واستخلاص ما وراءها. فهذا التساهل المخل فى منح درجات علمية عليا أو توزيع درجات الرأفة على عموم الطلاب وليس الراسبون فقط بما يؤدى إلى حصول طلاب على 23 أو 24 من 20 هى أننا لا نقدم فقط للمجتمع والمستقبل جيلاً نصف متعلم لكننا أيضاً نربى جيلاً يفتقد الجدية والمثابرة ونغرس فيه بدلاً من ذلك القيم الرديئة للفهلوة والتواكلية والكسل والتسوّل العلمى. إننا نؤذى طلابنا ونشوّه قيمهم وشخصياتهم بمثل هذه اللوائح والقرارات التى نصدرها ثم نتنصل منها بليل ونختبأ من المسئولية عنها خلف أحكام القضاء وهو بريء من لوائحنا وقراراتنا لأنه لم يفعل أكثر من تطبيقها. هذه مسئوليتنا نحن ومن الشجاعة أن نتحملها.
لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.