مظاهرات تجتاح العالم ، تقارير دولية وعلمية مروعة ، صعود قوى لأحزاب الخضر المناصرة للبيئة فى برلمانات العالم .. كلها دلائل على بروز قضية تغير المناخ كقضية حياة أو موت على كوكبنا بعد أن بدأت ملامح التغير المناخى تتضح جليا فيما يشهده العالم من تقلبات حادة وعنيفة بالطقس فضلا عن الكوارث الطبيعية التى باتت أشد وطأة وأكثر دموية على البشرية. الصحوة الأخيرة لمواجهة تغير المناخ لم تأت من فراغ ، فتقارير العلماء وكافة المنظمات الدولية المعنية تؤكد أن التغيرات المناخية بدأت بالفعل فى إحداث خسائر اقتصادية كبيرة على مستوى العالم ، فضلا عن تسببها فى اندلاع حروب أهلية وصراعات، وسط تحذيرات من أن القادم أسوأ أو بالأحرى ربما لا يكون هناك "قادم" من الأساس بعد أن حذرت دراسة أسترالية متشائمة من انهيار الحضارة الإنسانية وانقراض البشرية بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخى الكارثي. فى البداية، تغير المناخ هو اضطراب فى أنماط الطقس الموسمية على المدى الطويل، وهو ناجم عن ظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن تراكم الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة فى الغلاف الجوى مما تسبب فى ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض نحو درجة مئوية منذ عام 1880 .ويشمل تغير المناخ أو ما قد يطلق عليه " اضطراب المناخ" كلا من العواصف الثلجية الحادة والمتكررة والموجات الحارة والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات والأعاصير وغيرها. اقتصاديا، كلفت التقلبات المناخية العالم 1٫6 تريليون دولار منذ عام 1980 ، فيما أعربت أكثر من 200 شركة من كبرى الشركات العالمية عن توقعاتها بتحمل خسائر قيمتها تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة جراء التغير المناخى ، وفقا لتقرير أعدته منظمة «سي.دي.بي» المهتمة بتغير المناخ. ومن أكثر الصناعات المتضررة والمعرضة لمخاطر أكبر فى المستقبل هى الزراعة والصيد والصناعات القائمة على الغابات. كما أن تغير المناخ يتسبب فى موجة هجرة حول العالم، حيث يفر السكان من مناطقهم التى ضربها الجفاف أوالفيضانات أوغيرها من الكوارث. ومنذ عام 2008 ، تسببت موجات الطقس المتقلب فى تشريد 22٫5 مليون شخص وفقا لمفوضية الاممالمتحدة لشئون اللاجئين.وبحلول عام 2050 يتوقع أن يجبر تغير المناخ وما يصحبه من كوارث طبيعية فى هجرة داخلية ل700 مليون شخص. وعلى صعيد آخر، ربطت العديد من الدراسات بين تغير المناخ واندلاع الحروب، محذرة من أن تغيرات المناخ تسببت فى اضطرابات بيئية أسفرت عن زعزعة الاستقرار فى مناطق بالعالم وتنذر بمزيد من الصراعات والحروب فى المستقبل. البعض يساورهم القلق من أن يكون ذوبان القطب الشمالى شرارة لاندلاع حرب عالمية جديدة. فمع ذوبان الجليد واتساع مساحة الماء، زادت كل من روسيا وحلف شمال الأطلنطي"الناتو" من تواجدهما العسكرى بالمنطقة، كما تبنى الصين كاسحة للجليد بالطاقة النووية لإفساح الطريق أمام انتشار أوسع لقواتها. الخطر الأكبر للحروب التى يقودها المناخ يكمن فى جنوب الكرة الأرضية حيث المناطق الحارة والأكثر جفافا بالدول الفقيرة .فالاحتباس الحرارى يزيد من وتيرة وحدة الجفاف والفيضانات ببعض المناطق مما يدفع سكانها إلى الفرار منها والاعتداء على مناطق أخرى تتوفر بها الزراعة والغذاء ومن هنا تندلع الصراعات والحروب الأهلية. وقد نشبت بالفعل صراعات من هذا النوع فى منطقة الساحل الإفريقي، إذ لعبت الاضطرابات البيئية دورا أساسيا فى نزاعات دموية فى كل من بروكينا فاسو وتشاد والكاميرون ومالى والنيجر وشمال نيجيرياوجنوب السودان بالإضافة إلى مناطق أخرى بعيدة عن الساحل الإفريقى مثل اليمن. ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض والتقلبات العنيفة بالطقس ، فإنه من المتوقع أن تصبح "حروب المناخ" أكثر شيوعا فى العالم وهو ما يهدد بالدخول فى حلقة دموية مفرغة إذ أن الحروب تجعل الدول أكثر فقرا ، والفقر يدفع إلى مزيد من الحروب.