يبدو المنزل أنيقا ومريحا من الخارج، فهو مبنى قديم مكون من طابقين فى أحد شوارع المعادي، لكنه من الداخل يضم زوجين على مشارف الثمانين ورغم ذلك لا يطيقان النظر فى وجه بعضهما البعض لدرجة اقتسام الشقة وبناء جدار كامل ومدخل خاص لكل منهما حتى لا يريا وجه بعضهما البعض وهما مثل كثيرين انتظرا طويلا كى يكبر الابناء ويتزوجوا لتكون مهمتهما كزوجين إنتهت ويتخلصا من العبء الثقيل وهو إحتمال بعضهما البعض والتظاهر بإنهما زوجان بل سعيدان مع ذهاب الابن الأصغر وبعد 30 سنة زواجا، لم يعد هناك ما يدعو إلى ذلك، فقد وقع الطلاق العاطفي. وتم اقتسام المنزل وبناء الجدار العازل وعلى الابناء زيارة كل منهما على حدة. وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الطلاق فى مصر عموما، لكن لايمكن تحديد نسبة معينة ما لم يتم إعلانها رسميا وهو ما لم يحدث وتبقى أغلب الارقام مجرد تكنهات وتحليلات. ووسط التركيز على قضية «الطلاق الفعلي» يتجاهل الجميع قضية اكثر خطرا وهى «الطلاق العاطفي» او الانفصال تحت سقف واحد ويعرفه د.محمد المهدى أستاذ الطبى النفسى بجامعة الازهر بأنه حالة من الانفصال على المستوى الجسدى والنفسى والعقلى والروحى بين الزوجين على الرغم من كونهما يعيشان فى بيت واحد ويمارسان واجباتهما الزوجية بشكل أو بآخر. وهو نوع من الطلاق ينقصه فقط الإعلان والتوثيق فى الأوراق الرسمية, ونوع من الزواج منتهى الصلاحية، أو هو علاقة زوجية ماتت وتنتظر استخراج شهادة الوفاة. ويمكن وصف تلك الحالة بأنها علاقة «زوجين فى مهمة رسمية» أو مأمورية أو كما وصفته «نادية» وهى سيدة فى السابعة والستين وأم لاربع بنات تزوجن جميعا قائلة: لم يكن زواجا بل «مأمورية تربية» عيال فقد تحملت زواجى أكثر من أربعين سنة من رجل لم ارغب فى العيش معه ولو يوما واحدا من اجل بناتي، فى البدء كنت انتظر حتى تتزوج البنات ثم اصبحت اتحمل كى لا اعرضهن للحرج امام أزواجهن وعائلات ازواجهن وعندما بلغت الستين ايقنت الأوان قد فات وأن هذا قدرى لكنى لم اعتبر ان حياتى كانت سعيدة فى هذا الزواج أو أنه كان زواجا بالفعل بل «مأمورية» قمت فيها بواجبى على أكمل وجه ولكنى اليوم نادمة لانى لم اتمسك بالطلاق عندما كنت أصغر وأقوي.. وتضيف حاولت كثيرا أن أصلح زوجى وأن أتقبله لكن ذلك كان فى السنوات الخمس الاولى بعدها كان كل شيء خانقا وفقدت رغبتى فى الحديث معه عن اى شئ غير مصاريف البنات والتظاهر قدر الامكان بأن كل شيء على ما يرام. كيف يصل زوجان إلى هذه المرحلة وإذا كانا قد اتفقا على الاستمرار فلماذا لا يتفقان على السعادة أيضا أو المحاولة على الأقل؟ وهنا يتدخل د. محمد المهدى ليشرح مراحل «الطلاق العاطفي». مرحلة الخلافات تسود فيها خناقات متكررة أو مستمرة بين الطرفين حول تفاصيل حياتهما أو علاقاتهما أو طريقة تربية الأبناء أو أى شيء آخر المرحلة الثانية هى الألم ويصبح أى تواصل أو احتكاك مؤلما والكلمات جارحة أو ناقدة أو مستهزئة، وتكون هناك محاولات للإيذاء المتبادل بشكل مباشر أو غير مباشر. مرحلة المرارة وهى تراكم للألم والجراح للخبرات السلبية والذكريات السيئة التى تكاد تخنق أحد الشريكين أو كليهما. مرحلة الرغبة فى الانتقام، فتساور الطرف المقهور أو المظلوم رغبة عارمة فى الانتقام، ومشاعر غضب وعدوانية تنتظر الفرصة للتحقق ، وأمنيات أو تخيلات أن يصيب الطرف الآخر أذى أو يمرض أو حتى يموت أو يختفى بأى شكل . مرحلة اليأس، حيث لا يبدو فى الأفق أى بادرة أمل لإصلاح الأحوال لدى الطرفين أو على الأقل لدى الطرف المظلوم أو المقهور. مرحلة الإجهاد وفيها يشعر الطرف الأكثرا تضررا المتضرر أنه لم يعد قادرا حتى على الشكوى أو التذمر، وأنه فقد القدرة على فعل أى شيء وأنه فقط يحتاج لأن يرتاح فى مكان هادئ بعيدا عن كل البشر، يريد حالة من السكون أو الصمت . وأخيرا مرحلة الاحتراق وفيها تحترق كل المشاعر الإيجابية بينهما، وبالتالى يفقد كل طرف إحساسه بالآخر تماما وكأنه لم يعد موجودا معه أو حوله، وأنه مجرد خيال يراه من وقت لآخر. لتبدأ حالة من الصمت الأبدى المطبق فى التواصل سبقتها حالة موات فى المشاعر . ويقول أستاذ الطب النفسى إن محاولة إصلاح الزواج وعودة المشاعر للزواج تنجح فى المراحل الأربع الأولى وقد لا تفى المراحل الأخيرة مهما تصدق النيات حين يصل الزوجان لحالة اللاعودة ومرحلة اليأس . والأمر يستدعى رصد تطور العلاقة بين الطرفين، وحين تتضح بوادر «الطلاق العاطفي» تكون هناك علامات للإنذار المبكر ويبادر أحد الزوجين أو كلاهما باتخاذ خطوات وتدابير تمنع تراكم هذه المراحل من خلال المصارحة أو العتاب أو إعادة النظر أو الاعتذار أو إزالة التراكمات السلبية أو فتح مسارات جديدة لارتباطات شرطية إيجابية أو طلب المساعدة من أحد الأقارب أو الأصدقاء أو المتخصصين فى الإرشاد أو العلاج الزواجى . والمشكلة أن استمرار حالة« الطلاق العاطفي» لفترة طويلة يجعل جو البيت مسمما ومشحونا بالعداء والكراهية والنبذ والتجاهل، ويعطى صورة سلبية للحياة وللعلاقات مما يؤثر بشدة على الأبناء وربما تضرهم أكثر مما يضرهم الطلاق الفعلى للأبوين، وهنا تسقط ذريعة الاستمرار من أجل الأبناء.