في دعوتها للمشاركين بالدورة الخامسة لمهرجان «بي بي سي للأفلام» التي اختتمت منذ أيام تقول «إذا كنت معد أفلام أو وثائقيات أو منتجاً أو صحفياً أو مواطناً عادياً ولديك عمل فني (فيلم روائي أو وثائقي أو عمل صحفي) يتناول قضايا أساسية تتعلق بالسلطة في العالم العربي منذ بدء الانتفاضات فيه، فإن بي بي سي ترغب بأن تسمع صوتك». هل هذا كلام له منطق سينمائي؟ .. أما علاقة ذلك الفن الجمالي الذي اخترع لتقويم الإنسان وإمتاعه.. بمحاربة السلطة في العالم العربي؟ وكيف تتم أدلجة الخيال السينمائي بهذا الشكل؟ وهل للخيال السينمائي ولأفلام ينبغي أن تحمل إبداعا وأفقا واسعا كما يتطلبه الفن السابع هنا مكان؟ ثم بعد ذلك ما علاقة مذيعي نشرات الأخبار بالسينما؟. حتي تتفادي «بي بي سي» هكذا أسئلة منطقية من متابعيها..طرحها مذيعها رضا الماو علي رئيس المهرجان ورئيس «بي بي سي عربي» سمير فرح الذي قال: «إنه ليس مهرجانا للسينما بالمعني المتعارف عليه..ولكنه مهرجان للصحافة الوثائقية المصورة» ..يالك من تعيس بائس في إجابتك..إن لم يكن ما تفعلونه قتلا للفن السينمائي..فماذا يكون؟! ألف باء السينما.. أنها فن جماهيري، مشاهدوها ينتمون إلي كل الفئات، جمهورها لا يمكن انتخابه، لغتها قادرة علي التعبير عن الطيِّب والسيئ.. فهناك أفلام نافعة، وأخري مؤذية.. مفسدة..محزنة، تحث علي العنف والكراهية، وعلي كل رذيلة ..المؤكد أن مهرجانكم من النوع الثاني. حتي إذا اعتبرناه ينتمي للفن السينمائي الوثائقي.. من قال إن العمل الوثائقي ينبغي أن يكون موجها ضد السلطة..وفقط في العالم العربي. الوثائقي اخترع بحثا عن الحقيقة ملامسا الفن في آن..لا أن يتم إقحامه في صراعات دولية وأهداف مخابراتية تطمع إلي تحطيم الدول، وإزالة الأمم، وتحقير الشعوب، وتجريدها من إنسانيتها. لنقف عند نوعية الأفلام المصرية الفائزة خلال ثلاثة أعوام مضت ..2017 فاز فيلم «صابر علي الغلب» بتمويل من «أريج» بدعوي انه يعرض إهمال السلطة المصرية في حق المواطن في شرب الماء، ثم في عام 2018 فاز فيلم «بلد مين» لمحمد صيام بوثائقي يحكي قصصا عن الفساد داخل أجهزة الأمن المصرية، قال عنه سمير فرح اللبناني المنزوع ربما من قلبه فكرة الوطن «توقيته وتصويره لتلك اللحظة لا تشوبهما شائبة» ثم نفس الشاب يفوز هذا العام بجائزة أفضل فيلم وثائقي «أمل» عن فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تدخل طور النضج عقب ثورة يناير.. أفلام كما تهواها «بي بي سي» تؤرخ لوقائع فاسدة وأوضاع سياسية من صنع دولتها ..! ما ذنب هؤلاء الشباب في تلويث أدمغتهم وأفكارهم..إذا لم يكن السؤال كيف يتم صناعة الخائن..فما السؤال الواجب؟؟ في كتابه المهم «مذنبون: حكم هوليوود علي العرب بعد 11 سبتمبر» الصادر عام 2008 يقول جاك شاهين الأمريكي من أصل لبناني «وصم مخرجو هوليوود كل العرب بأنهم متوحشون لا قلوب لهم، همجيون، متعصبون دينياً، مهووسون بالأموال، مغتصبون حقراء، مستغلون للنساء» وعلي الدرب ذاته تسير «بي بي سي» كما يبدو. من الآخر.. هذه قناة لن تصمت عنا إلا بطريقة من ثلاث أولاها ما فعلته معها الهيئة الروسية المنظمة لوسائل الإعلام «روسكومنادزور» التي فرضت إجراءات عقابية علي أنشطة «بي بي سي» ومواقع تابعة لها إثر نشرها أفكارا عقائدية لتنظيمات إرهابية في يناير الماضي. وتوعدتها روسيا بكلمات أرعبتها فرضخت «بي بي سي» ومعها دولتها، ولم تقترب بغمز أو بلمز من مناطق النفوذ الروسي. والثانية ما فعلته الصين في السبعينيات حينما شكلت لها مجلسا تنسيقيا يتابع انحرافاتها ويلزمها حدودها. والثالثة الطريقة الإماراتية التي خصصت لها نظيرتها «سكاي نيوز عربية» لتتولي التعريض بهيئة الإذاعة البريطانية عربيا وعالميا إذا ما مست الإمارات بكلمة.. ولأننا لا نملك أيا من الطرق الثلاثة وأقصي ما تفعله الهيئة العامة للاستعلامات هو إصدار بيانات دون أن تلجأ إلي سحب ترخيص مراسليها وغلق مكتبها فليس أمامنا إلا أن نترك الحكم للشارع المصري، فهو وحده كفيل بطردها كما طرد الاحتلال البريطاني من قبل.. في الأسبوع الماضي أطلق مصريون هاشتاج يشير إلي السباب الشهير الذي سبهم به عبدالناصر.. وفي تغريدة بسيطة ودالة طالب مواطن بأن نعلق علي بيوت العاملين في القناة البريطانية لافتة «هنا يسكن الخائن».. وقديما قال «مصطفي كامل» في خطبة عام 1879 بالإسكندرية «اسألوا التاريخ أيها السادة عن واجب أمة دخل الانجليز ديارها.. سيجيبكم: عاقبوا الخائنين».