قنصوة الغورى هو اشهر سلاطين المماليك بمصر والشام وسيرته هي انعكاس جلي لطبيعة المشاهد الدرامية العبثية التي سادت نهاية الحكم المملوكي لمصر . ولان الحاكم المملوكي في بداياته لابد وان يدعي الزهد حتي يكسب العامة فقد بدا قنصوة الغوري زاهدا في الحكم ونزولا علي ارادة مريديه فقد قبل الحكم علي مضض!!! وسرعان ما تحول من صورة قنصوة الزاهد الي صورة الحاكم المملوكي الجشع الذي لا يتورع عن الاستيلاء علي اموال اليتامي وضمها الي ماله كما تفنن في سلب اموال التركات مع ذلك كان قنصوة الغورى متحريا لرأى الشرع فى كل خطوة يخطوها وفى كل قضية!! فكان يجمع العلماء الى مجلسه ليشاورهم وحينما يعرف رأى الشرع يضرب به عرض الحائط و لا ينفذ الا رأيه.. ففى احدى المرات قفزت الى ذهن قنصوة ان يكون اول من يطبق حد الزنا بعد النبى صلى الله عليه وسلم!و فجاءة ودون سابق انذار ولسوء طالع السلطان تراجع طرفى القضية عن الاعتراف بالزنا على الرغم من اعترافهما به فى البداية وبالتالى سقط حد الرجم بحقهما وهو الحكم الذى لم يعجب السلطان فعزل قضاته الذين لا يفقهون بالدين!!!وتولى تنفيذ الامر بنفسه وبدلا من الرجم امر بربطهما فى حبل واحد ووجه المرأه فى وجه الرجل ثم شنقهما!!!!. وفى قضية اخرى كان طرفها احد خطباء المساجد حيث تكلم فى حق سيدنا ابراهيم عليه السلام بفاحش القول فتمت استابته وحكم القاضى بحقن دمه الا ان الحكم لم يعجب قنصوة فأراد ضرب عنق خطيب المسجد وفى النهاية انتهى الامر بسجن الخطيب!!!وكان للشرع موعدا اخر ولكن هذه المرة مع ادخال سلاح المدفعية الحديثة الى مصر حيث دارت مباحثات طويله بين الغورى وعلمائه حول مشروعية القتل بالنار انتهت بالاستعانه بهذا السلاح لتطوير الجيش المملوكى. كانت عقيدة السلاطين المماليك هى غسيل اموالهم الحرام من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والاسبلة طمعا فى الجنة!!!!. ولكن السلطان الغورى كان مبدعا فى هذا الميدان حيث تفنن فى بناء مسجده بالمال الحرام ايضا فلم يكن بالرجل الذى يدفع مليما من ماله فى بناء مسجد!! مما دعا الناس لتسمية مسجده بالمسجد الحرام!! فأنتزع ملكية مدرسة المختص كبير السقاة واستولى عليها وعلى ابنيتها وقرر استكمال بناءها لتكون مسجده وجلب المواد اللازمة لاستكمال البناء بالاستيلاء على الرخام والاخشاب والفسيفساء من العمائر الاخرى كما سخر البنائين والحرفين للعمل فى بناءه دون اجر كما بنى مدفنا له. وكان افتتاح الغورى لمسجده يوما مشهودا والذى بناه بالطبع طمعا فى الجنه!!! كانت فترة حكم الغورى خمسة عشر عاما فرضت على المصريين فيها الضرائب الباهظة وذلك لان اكتشاف طريق الرجاء الصالح حرم البلاد من رسوم التوابل والبهارات والتى كانت تمر بمصر فى طريقها لاوروبا فلجأ الغورى لتعويض ذلك الفارق من جيوب المصريين كما اقترض من التجار وبالطبع لا تتوقع من سلطاننا العظيم ان يرد ما اقترضه يوما!! ومع تقدم عمر السلطان وصل العبث فى الدولة الى مستوى غير مسبوق حيث صار السلطان يتكاسل عن التوقيع فى المنشورات بالعلامة السلطانية فتوقفت مصالح الناس فقام الامراء ورجال الدولة بقص توقيع السلطان على اوراق قديمة ثم اعادة لصقها على الاوراق الجديدة نظير مقابل مادى!!!. كانت نهاية قنصوة الغورى حينما هددت قوات السلطان العثمانى سليم الاول حدود المملكة المصرية بالشام فخرج السلطان قنصوة الغورى على رأس جيشه لملاقاة سليم الاول عند مرج دابق عام 1516 فأنهزم قنصوة الغورى بسبب خيانة جان بردى الغزالى وخاير بيك عامليه على حلب وحماه واتفاقهما مع سليم الاول الذى يعتبر اول من اعتمد مبدأى الغاية تبرر الوسية وفرق تسد طول الحكم العثمانى.. استبسل قنصوة الغورى وحاول استجماع جيشه الذى دبت الفوضى فى صفوفه دون جدوى حيث فر الالاف من جنده فحاول قنصوة الفرار فسقط من على جواده لاقيا مصرعه ولم يعثر على جثمانه وبقى مدفنه الذى اقامه بالمال الحرام خاويا على عروشه ليكون عظة وحكمة ولكن من يتعلم ويتعظ من التاريخ!!!!.