«نيتانياهو.. بلغة مختلفة».. لوحات إعلانية ضخمة فى شوارع تل أبيب والقدس، تظهر بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى خلال مصافحته الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وكأن هذه «العلاقة الأخوية»، كما يصفها الإعلام الأمريكي، أبرز إنجازات زعيم حزب الليكود اليمينى المتطرف التى يقدمها للإسرائيليين قبيل انتخابات الكنيست المقررة 9 إبريل الحالي. نيتانياهو يتحدث فى حملاته الانتخابية عن علاقته بترامب، وما حققه له من أحلام تتجاوز خياله، فى وقت أكد فيه الرئيس الأمريكى أن هناك ثمنا، لم يحدده حتى اللحظة. ترامب أكثر رؤساء أمريكا شعبية فى إسرائيل، بل أكثر من شعبيته داخل الولاياتالمتحدة نفسها، وهو ما دفعه للقول إنه لو ترشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية فسيفوز بنسبة 98%، فى حيلة انتخابية لمهاجمة منافسيه الديمقراطيين الذين وصفهم بأنهم يكرهون إسرائيل ويعادون اليهود والسامية. هذه الشعبية لم تأت من فراغ. فخلال 2018، اتخذ ترامب سلسلة من القرارات، تمثل انتصارا لإسرائيل لسنوات قادمة، سواء على صعيد صراعها مع الفلسطينيين، أو عدائها مع إيران، أو حتى فى ظل تواجدها فى أكثر منطقة مضطربة فى العالم. وعلى الرغم من كراهية الإسرائيليين العمياء لإيران، إلا أن إسرائيل تشعر بالامتنان إلى الملك كورش، أعظم ملوك الفرس، وأحد الأسماء المذكورة فى التوراة بأنه أعاد اليهود بعد الشتات من أجل بناء الهيكل «المزعوم». نيتانياهو يشبه ترامب بأنه الملك كورش، بينما يرى حاخامات إسرائيل أن الرئيس الأمريكى جاء ليحقق نبوءة من يصفونه ب «محرر اليهود»، والذى ينسب إليه الفضل فى توسيع الإمبراطورية الفارسية منذ 2500 عام. ترامب منح لنيتانياهو امتيازات وهدايا كثيرة، فمن لا يملك يعطى لمن لا يستحق، بداية من الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى مع إيران، وخنق طهران اقتصاديا عبر إعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية، ومحاولات الدفع باتجاه تغيير نظام المرشد على خامنئى فى مايو الماضي. الانسحاب كان وعدا انتخابيا لترامب، وهدفا عمل عليه نيتانياهو طويلا وانتصارا سياسيا كبيرا. وعلى الرغم من الحديث الذى لا يتوقف عن صفقة القرن المزعومة، التى تعكف الإدارة الأمريكية على وضعها، إلا أن ترامب وجه الكثير من الضربات القاتلة باتجاه تصفية القضية الفلسطينية، وفى مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإعلان نقل السفارة الأمريكية إليها، وقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وقطع كامل للمساعدات عن السلطة الفلسطينية، وذلك بعد توقيع ترامب لقانون «الإيضاح لمكافحة الإرهاب»، بعد إيعاز من إسرائيل بأن هناك تحريضا من قبل رام الله على العنف ضدها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن عقابا لها على مواصلة العمل مع المحكمة الجنائية الدولية بلاهاى ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، وطرد السفير الفلسطينى وعائلته فى سابقة خطيرة، بل إن أمريكا وإسرائيل انسحبتا من منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» بسبب ما اعتبرتاه تمييزا ممنهجا ضد إسرائيل وانتصارات المنظمة لفلسطين حيث اعتبرتها كاملة العضوية. أما المكافآت على الجبهة السورية، فقد جاءت على مرحلتين، الأولى بإعلان زلزل تل أبيب، تمثل فى الانسحاب العسكرى الأمريكى من سوريا، فهذا الانسحاب يهدد بتأسيس ما سماه نيتانياهو «الجسر البري» عبر العراقوسوريا ولبنان حتى البحر المتوسط. وأشار مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى إلى أن خطة السلام الأمريكية المنتظرة ستتخلى عما وصفه ب«المعايير» القديمة التى تتعلق بقضايا مثل القدس والاستيطان، فالمقاربة القديمة فشلت، على حد تعبيره، فالخطة قائمة على تحقيق أحلام الإسرائيليين فقط وهدم ثوابت الفلسطينيين. أما المفاجأة الكبرى والانتصار الأكبر، فتمثل فى اعتراف ترامب رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتل، فالانتخابات الإسرائيلية والصراع السياسى بين نيتانياهو وخصمه بينى جانتس زعيم تحالف «أزرق أبيض» يدار من فوق الهضبة السورية، فكلاهما زارا المنطقة والمستوطنات المقامة عليها تأكيدا لأهميتها بلغة الواقع وبنغمة الانتخابات. ترامب ونيتانياهو زعما أن الجولان «منصة دفاعية» لإسرائيل ضد التهديدات الإيرانية فى سوريا ولبنان. إذن، لم يخطىء بومبيو عندما قال إن «ترامب قد يكون هدية من الرب لإنقاذ اليهود من إيران». اللعبة بين ترامب ونيتانياهو من البداية وحتى الآن انتخابية بالأساس، فرئيس الوزراء الإسرائيلى يواجه الانتخابات الآن، والرئيس الأمريكى يستعد للعام المقبل، مرتديا ملابس «سانتا كلوز» الذى يحقق وعود بيبى ونبوءات الحاخامات أيا كانت، وبغض النظر عن الضحايا أو انتهاكات السيادة والقوانين والأعراف الدولية.