فى الخناقة الاصلية بين فيفى وسوسو فى رائعة الفنان الكبير محمد فوزى «ذهب الليل» وبعد أن لطخت «فيفى»ملابسها وملابس «سوسو» بالحبر..شافهم بابا وضربها وضربوا. فقد كان الضرب وقتها من وسائل التربية المعترف بها ووسيلة عقاب عادية ومتبعة اليوم بعد أن تغيرت ملامح الزمان والبشر وأصبحت الموضة السائدة هى التربية الايجابية والحديثة كان لابد أن تتغير طريقة «أبو سوسو» فى العقاب.
وفى كليب غنائى كارتونى شهير على إحدى قنوات الاطفال تغيرت كلمات الأغنية لتصبح «شافهم بابا وعاقبها وعاقبه» فلا مجال للحديث عن الضرب كوسيلة للتأديب فقواعد التربية الايجابية والحديثة تمنع الضرب تماما وتعتبره من المحظورات الدولية وتكاد تتخفف من أساليب العقاب تماما وتقترب من إلغائه هو تعتبره نوعا من أنواع العنف وتتبنى أسلوب الاقناع مع المرونة وتعدد الاختيارات صفحات السوشيال ميديا وشبكات التواصل تعج بالبوستات والنصائح والاعلانات عن احدث وسائل التربية الايجابية حتى أصبحت بيزنس كبيرا يدعو الامهات لكورسات تبدأ من 500 جنيه للتدريب على طرق التربية الايجابية والحديثة والتربية بالحب ودون عقاب وكيف تفهمين طفلك وتتبارى الكثير من الصفحات ومراكز التدريب المجهولة لجذب الامهات وأقناعهن بالدفع وحضور الكورسات ومنح الشهادات التى تؤهلهن للعمل فى المجال نفسه أحد المراكز أعلن عن نفسه بهذه الصيغة: «لكل أم نفسها تتعمق داخل مخ ابنها وبنتها وتفهمهم اكتر.. لكل أم نفسها تصاحب ولادها وتعيش معاهم بالحب .. لو عايزة تستمتعى بانك أم وبتبنى انسان».. كل ده سهل جدا ولكن بعد حضور كورسات التربية الايجابية.
أما المدربون والمدربات فحدث ولا حرج إحدى المدربات عرفت نفسها بانها مدرس تربية إيجابية معتمد وخريجة تربية ولايف كوتش واخصائى نفسى واستشارات تربوية وأسرية «وحاجات تانية كتير».. هكذا كتبت فى الحقيقة لا أحد يعرف من هم ولا تحت اى بند تندرج الخدمة التجارية التى يقدمونها ولا منأين يعتمدون شهاداتهم أو ما هى مؤهلاتهم ومدى كفاءتهم وجدارتهم لكننا فى زمان التربية الايجابية التى تحولت من مجرد أسلوب تربوى يحفز الطفل واتباع نهج إيجابى للتعامل والتفاوض مع الطفل واقناعه بطريقه مختلفة ومحفزة من شأنها أن تزيد ثقته بنفسه وترسخ اعتداده بنفسه مع البعد عن الطرق السلبية من عنف وتوبيخ وانتقاد..إلى سبوبة لكل من هب ودب وامتلأت الصفحات بمعلومات مغلوطة ولا علاقة لها بالتربية حتى ضجرت الامهات وزهقت مريم أم لتواءم فى الثالثة من العمر قررت من اليوم الاول ان تتبع معهما منهج التربية الايجابية فلا ضرب ولا توبيخ ولا عصبية ولا زعيق وكله بالاقناع متأثرة بما تقرأه على صفحات الفيسبوك وباعتبارها متعلمة وجامعية وترغب فى تربية اطفالها بطريقة سليمة.. تقول بعد المعاناة والصبر والمحايلة ومحاولات الاقناع الفاشلة لم يعد أمامى الا العودة لنظرية «الشبشب» التى تربينا عليها فما ان يرونه حتى يستجيبون وينفذون ما أطلبه والا سأقضى اليوم كله أحاول إقناع الطفل بارتداء ملابسه او تناول طعامه او التوقف عن الزن. أما «آية» فهى أم لطفلين فى الخامسة والثانية ولأنها تعيش فى مدينة دهب وصديقاتها وزملاء أطفالها فى المدرسة من الاجانب فقد قررت ان تتصرف كأم متحضرة لكن سرعان ما انهارت مقاومتها وعادت للطرق التقليدية. تقول: لاحظت ان أولادى مختلفون فالطفل الاجنبى يتوقف عن الزن بمجرد كلمة من أمه وتقريبا لا يعرفون «الزن» وكلمة «لا» تعنى «لا» وتقريبا لم اسمع واحدة منهن تنهر طفلا او بتزعق لكن مع اولادى فشلت فى اتباع نفس الطريقة «أكيد ولادنا مش زى ولادهم» من غير زعيق وضرب بسيط وعقاب مفيش فايدة.. «مفيش حاجة اسمها ولادنا غير ولادهم « هكذا ترى د.رانيا حسين امين اخصائية نفسية وتربوية ولها عدة مؤلفات عن التربية الايجابية وتعاونت مع حملة اليونيسيف للترويج للتربية الايجابية وهى ترى ان المشكلة ليست فى التربية الايجابية ولكن فى صبر الامهات فهن يستعجلن النتائج ويفضلن الاستسهال والعقاب السريع والمباشر وهو ما سينعكس سلبيا على الطفل. وكثرة المعلومات المغلوطة المتداولة وضعت الامهات فى حيرة, لكن التربية الايجابية باختصار مزيج من الحب والحزم دون عنف او ايذاء نفسى او معنوى من اى نوع ودون ممارسة أى سلطة عليا على الطفل تتخذ لها القرارات او تختار نيابة عنه. وهى التربية بالاقناع والامتناع عن إصدار الأوامر المباشرة نهائيا واستبدالها بطريقة منح الطفل اختيارات متعددة بما يساعد على بناء شخصيته وثقته فى نفسه. فلو كان الطفل يرفض تناول الخضراوات فى طعامه فعلى الام ان تتحلى بالصبر الكافى لإقناعه بأهمية تناول الخضراوات وتقوم بتناولها معه وان لم تنجح الطريقة يمكنها أن تجرب تقطيع الخضراوات لحجم أصغر أو إدخالها فى أطعمة اخرى وأن تعطيه خيارات لكن لا يمكن أبدا أن تجبره بعنف على تناولها او تهدده بالقوة بالنسبة لها الاقناع والمرونة وسيلتان أساسيتان فى تربية سليمة والتربية الايجابية ليس بها عقاب ولكن بها توضيح للعواقب فانت لا تعاقب ولكن تشرح للطفل خطأه وتنبهه لعدم تكرار الخطأوللعواقب التى عليه تحملها فى حال تكرار الخطأ لكن ماذا بعد؟ والى متى سيستمر الاقناع وماذا يحدث ان لم يقتنع الطفل؟ د.محمد الرخاوى استشارى الطب النفسى من الرافضين بالطبع للعقاب البدنى او أى من اساليب العقاب العنيفة وهوليس من معارضى أساليب التربية الايجابية والاقتراب من الطفل واحترام شخصيته وطباعه وميوله الا انه رافض تماما مبدأ «يا تقنعنى يا أقنعك» فى التربية. ويقول: بالنسبة لى هناك أمر شديد الوضوح فى طريقة تربية الاجيال الحالية من الاباء والامهات - دون تعميم بالطبع - وهى أنهم يخافون من إعطاء الأوامر لأولادهم وهو يرى أنها طريقة خاطئة فى التربية ويستغرب لهذا الأمر ويرجعه إلى عدم ثقة الاباء والامهات فى أنفسهم او أنهم «خائفون من الخطأ» لكن كل انسان بحاجة الى قليل من الأوامر دون قهر أو تسلط وكلنا محتاجون إلى شخص يعرفنا السكة» وأولادنا محتاجون لتحديات فيها أوامر وتعب كى يجتازوا هذه التحديات. والطفل يحتاج الى سلطة حازمة ومرجعية يلجأ إليها ولكن مع اعطائه المرونة وتعويده على المشاركة فى المسئوليات البسيطة.. د.الرخاوى له وجهة نظر خطيرة فى هذا الموضوع ففى إعتقاده ان أقبال الاطفال والمراهقين على لعبة مثل الحوت الازرق هو نوع من البحث عن تحديات او عمن يعطيهم أوامر ينفذونها فلا تكسر دائرة الحزم والإحترام بينك وبين ابنك باتباع نظرية «يا تقنعنى يا اقنعك» ويضيف «اللى قبلينا قالوا اللى ملوش كبير بيشتريله كبير واهوه حصل»...