تواجه الكثير من دول إفريقيا صراعات عرقية وقبلية ودينية تهدد كيانها لأسباب عديدة من بينها التقسيمات الحدودية الاستعمارية الجائرة وغياب العدالة وانحياز بعض الحكام لعرقياتهم أو لقبائلهم على حساب أخرى مما أثار الكثير من الصراعات ليس فقط بين دول وإنما أيضا داخل الدولة الواحدة لأنها مزقت بعض القبائل والعرقيات. ولمواجهة الخطر استخدمت السلطات الحاكمة فى الغالب القوة المفرطة ضد المعارضين والمحتجين والساعين للانفصال الذين يتهمونها بتهميشهم سياسيا واقتصاديا وبعدم احترام ثقافاتهم الموروثة فسقط آلاف الضحايا قتلى وجرحى وتشرد مئات الآلاف ليواجهوا الموت البطيء جوعًا ومرضًا أو القتل على أيدى سكان المناطق التى نزحوا إليها باعتبارهم غرباء جاءوا ليقاسموهم مواردهم الشحيحة أصلًا غصبًا عن إرادتهم. ومنذ عام 2006والأمم المتحدة تصف الأوضاع فى دول مثل الكونغو كينشاسا وافريقيا الوسطى بأنها أخطر أزمة انسانية فى العالم بسبب كثرة حالات التمرد وما يترتب عليها من نزوح مئات الآلاف من البشر وتشردهم فى الغابات وتعرضهم للموت والاغتصاب. ففى الكاميرون صعَّد الانفصاليون فى الإقليمين الغربيين الناطقين بالإنجليزية فى 2008 حملتهم للانفصال وإقامة ما سموها دولة أمبازونيا بدعوى تهميشهم اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا من جانب الحكومات المتعاقبة وتفضيل الناطقين بالفرنسية عليهم فى التعليم والتوظيف. ولجأوا مؤخرا إلى أسلوب اختطاف تلاميذ المدارس ،وأحدثها اختطاف فريق كرة قدم مدرسى مؤخرا، للضغط على الحكومة لتلبية مطالبهم ولعلمهم أن هذا التكتيك نجحت به حركة بوكو حرام الإرهابية بنيجيريا المجاورة فى إحراج الحكومة وإجبارها على الإفراج عن بعض أعضاء الحركة مقابل إطلاق سرح بعض المخطوفين. تفاقم التمرد فى 2017 عقب حملة أمنية لقمع الاحتجاجات الجماهيرية التى قادها المحامون والمدرسون لما وصفوه بعدم اعتراف الحكومة بشكل كاف بالأنظمة القانونية والتعليمية الإنجليزية فى المنطقتين اللتين كانتا تحت الإدارة البريطانية منذ اقتسامها أراضى الكاميرون مع فرنسا عقب هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولي، وبعد الاستقلال وفى عام 1961 اتحدتا مع المناطق التى كانت تحتلها فرنسا وكونت الكاميرون الحالية. كما اتهموا الحكومة بالاعتماد بشكل أساسى على الذين تدربوا فى مؤسسات تعليمية فرنسية للعمل فى مناصب مهمة وتهميش الأقلية الناطقة بالإنجليزية الذين يشكلون 20% من الشعب فضلًا عن إلغاء النظام الفيدرالى الذى كان يقوم على أن الكاميرون تتكون من دولتين إحداهما ناطقة بالفرنسية والأخرى بالإنجليزية واستبدالها بدولة واحدة عام 1972. والنتيجة حتى الآن أكثر من 400 قتيل و300 ألف مشرد فى المنطقتين. وفى نيجيريا، تواجه الحكومة ليس فقط تمرد جماعة بوكوحرام الوحشى الذى راح ضحيته نحو 20 ألف إنسان وأدى إلى تشريد 26 مليون منذ 2009 وإنما أيضًا عودة التصعيد من جانب متمردى إقليم بيافرا بهدف الانفصال به بعد نحو 50 عاما على إحباط محاولة انفصاله عام 1970 إثر حرب أهلية استمرت ثلاث سنوات راح ضحيتها نحو مليون إنسان، بالإضافة إلى الاشتباكات الدموية المتكررة بين الفلاحين ورعاة الماشية من أبناء القبائل التى تستنزف موارد الدولة وقدرات أجهزة الأمن وتعوق التنمية وتحسين مستوى المعيشة. فقد توعد نامدى كانو قائد حركة شعوب بيافرا الأصلية الانفصالية الحكومة بما وصفه بالجحيم بعد أن يعود من إسرائيل التى قال إنه يدين لها بنجاته وهروبه بعد اعتقاله وبدء محاكمته بتهمة الخيانة عام 2015، وقال إن حركته التى تطالب بدولة مستقلة فى الجنوب الشرقى الذى تقطنه أغلبية من عرقية إيغبو ستحرر بيافرا وتقاطع الانتخابات حتى يتم إجراء استفتاء حول استقلاله. ورغم مرور كل تلك السنوات مازالت الجماعات الانفصالية تجذب المزيد من الشباب وتزعم أن الحكومة تعامل أبناء الإقليم كعبيد. أما عن الصراع بين المزارعين والرعاة وبين المسيحيين والمسلمين فهو متكرر ويندلع من وقت لآخر على الأراضى والمياه والمراعى وأحيانًا لأتفه الأسباب على خلفية التوتر العرقى والدينى بين القبائل فى ولايات مثل كادونا وبلاتوه فيما يسمى بالحزام الأوسط الفاصل بين الشمال ذى الأغلبية المسلمة والجنوب ذى الأغلبية المسيحية. ومن أبرز أحداثه مصرع 3000 شخص خلال عام 2002 بسبب خلاف حول تنظيم مسابقة ملكة جمال العالم و 55 فى أكتوبر الماضى فى سوق بين حمَّالين مسلمين من قبائل الهوسا وبين شبان مسيحيين من قبائل أدارا. ولا يقل عنه تهديد الشيعة لوحدة الدولة بعد استفحال قواهم وتحديهم للجيش وقوات الأمن ومحاولة فرض نفوذهم مما أدى إلى اشتباكات عنيفة قُتل فيها العشرات وتم اعتقال وسجن زعيمهم إبراهيم زقزاقى الذى أسس الحركة الإسلامية النيجيرية وأخذ ينشر المذهب الشيعى بعد ثورة الخمينى بإيران عام 1979 حيث رأى وقتها أن هناك فرصة لإقامة جمهورية إسلامية على غرار الجمهورية الإيرانية. وفى إثيوبيا المكونة من نحو 80 مجموعة عرقية أعاقت الاشتباكات الدموية بين عرقيتى الأورومو والصوماليين فى جنوب شرق البلاد حول ملكية الأراضى تنفيذ الخطط الإصلاحية لرئيس الوزراء آبى أحمد وراح ضحيتها عشرات القتلي. وألقى أبا جادا كورا جارسو زعيم الأورومو التقليدى باللوم على الحكومات فى أديس أبابا قائلًا إنها هى التى باعت أراضى الأورومو وعليها أن تحل المشكلة فى الوقت الذى أكدت فيه العرقية الصومالية أن الأرض ملك لها. أما فى منطقة (بنى شنقول جوموز) فقد اندلعت فى نوفمبر الماضى اشتباكات بين طلاب فى جامعة (أسوسا) سرعان ما تحولت إلى صراع عرقى بعد أن استغلها معارضو الإصلاحات وراح ضحيتها 34 شخصا. وسبقتها فى أكتوبر اشتباكات بين مجموعتين عرقيتين فى الغرب قُتل فيها 40 شخصا وشردت نحو 70 ألفا، هذا بالإضافة إلى الصراع الذى لا يهدأ على السلطة بين عرقيات رئيسية مثل الأمهرا والأورومو من جانب والتيجراى من جانب آخر. وليست الأوضاع أحسن حالًا فى دول مثل إفريقيا الوسطى والكونغو - كينشاسا والسودان وجنوب السودان والسنغال.