توهمت أن تبتسم لها الحياة بعد عذاب السنين وفقدانها الحبيب والونيس والزوج الشاب، انتظرت أن يعوضها الزمان عن زوجها أمين الشرطة الذي توفاه الله قبل خمس سنوات برجل آخر يحمي طفليها الصغيرين من غدر الأيام ويوفر لهم جميعا الحد الأدني من الاستقرار. تمنت أن تجد القلب الحاني والظهر الذي تستند اليه وتشعر معه بالراحة والأمان وتستظل به من حرقة الحاجة ولهيب الوحدة. وعندما طال انتظارها كثيرا، لم تجد أمامها سوي قبول عرض شقيق زوجها الذي يكبرها بحوالي 15 عاما ويعيش وحيدا بعد وفاة زوجته، ترددت أميرة «37 سنة» من قرية كتامة مركز طلخا كثيرا في القبول برجل خمسيني زوجا نظرا لضعف حالته المادية وقلة نشاطه وسعيه، حيث يعمل حدادا باليومية في صناعة أدوات الزراعة وفي أغلب الأيام قد لا يجد عملا ويفضل البقاء والراحة في المنزل ولا يشغل باله بالتحرك وبذل الجهد. علي مضض تزوجت أميرة بعقد عرفي من شقيق زوجها المتوفي لعلها تجد أبا حانيا لأبنائها الذين حرموا من عطف الأب وحضنه الدافئ ، تزوجته عرفيا حتي لا يتم تسجيل الزواج ويتوقف معاشها الذي تحصل عليه من وراء زوجها السابق ، ومن الأسبوع الاول للزواج اكتشفت أن الزوج الجديد مثل فقاعة طافية في الهواء أو كابوس فظيع لم تفق منه بعد، فهو لا ينفق علي البيت ولا يعطيها مصروفا ويميل إلي الخمول والكسل، فبدأت المشكلات والخلافات بين الزوجين تظهر للعلن وتعالت الصرخات والمشاحنات حتي كرهت الزوجة المسكينة حياتها وضاقت بها الأرض بما رحبت ولم ينفعها ندمها علي قرار الزواج مرة أخري وهددت زوجها بأنها ستتخلص من حياتها إذا لم يجد مخرجا مناسبا يحافظ به علي استقرار المنزل، لكنه لم يكترث بهذا الإنذار وكان يظن أنها تطلق مجرد صفارات إنذار فارغة لإجباره علي الامتثال لأوامرها والسير طوع رغبتها واعتقد أنها ساعة غضب ستعود المياه بعدها إلي مجاريها، خاصة أن زواجهما لم يمض عليه سوي بضعة أسابيع، وفي اليوم المشؤوم وبعد وصلة من النزاع والخلاف الشديد والاتهامات المتبادلة دخلت الزوجة علي ولديها الصغيرين وقبلتهما ثم دخلت غرفة نومها وفي لحظة يأس واحباط وضعف وجدت يدها تمتد بهدوء نحو علبة بها حبوب سامة لحفظ الغلال وتتناول واحدة منها، وعندما وجد زوجها الصمت يلف المكان وتوقف حديثها الغاضب دخل غرفتها فوجدها مثل شجرة تتمايل قبل اقتلاعها تصارع الموت بعد أن مزقت السموم أحشاءها، لم يتأخر قرار الزوج كثيرا ولم يتردد هو الآخر فأسرع الي نفس علبة الحبوب وتناول واحدة منها ليتمدد جسده بجوارها وسط ذهول طفليها اللذين اكتشفا المشهد المرعب بعد حوالي ساعة من الوفاة وأبلغا الأقارب والجيران. عقب اكتشاف المأساة بدقائق كان رجال الأمن في القرية بعد وصول بلاغ إلي اللواء محمد حجي مدير أمن الدقهلية واللواء محمد شرباش مدير المباحث ليتحرك فريق بإشراف العميد أحمد شوقي رئيس مباحث المديرية والرائد أحمد السادات رئيس مباحث طلخا وضم النقيبين أحمد العزب وإسلام سعد وتوصلت التحريات إلي انتحار الزوجين في وقت متقارب جدا نتيجة خلافاتهما الدائمة علي تدبير مصروف المنزل، حيث أكد تقرير الطب الشرعي وفاتهما بالحبوب السامة وليس كما أشيع في القرية بأن الزوج قتل زوجته ثم انتحر بعدها. وبسؤال كل من شقيق الزوج «السيد.ع.م» وشقيق الزوجة «محمد.ف.ز» أقرا بوجود خلافات بين الزوجين منذ فترة تدخلا إثرها أكثر من مرة للصلح بينهما. وأسدل الستار عن نهاية مفجعة وغريبة لحياة زوجين تركا طفلين في مهب المجهول.