لا شك أن جميع المخلوقات الموجودة في هذا الكون الفسيح هي مظهر من مظاهر صفات الله تعالي, وعندما يشهد الإنسان في هذه المخلوقات عظيم صفات الله تعالي يعلم أنه لا معبود بحق سوي الله تعالي. والصفات غير الأسماء; لأن الأسماء هي كل ما دل علي ذات الله تعالي مع صفات الكمال القائمة به, مثل: الحي, العليم, السميع, البصير, فهي تدل علي ذات الله, وما قام به من الحياة, والعلم, والسمع, والبصر. والصفات: هي نعوت الكمال القائمة بذات الله تعالي, كالحياة والعلم والسمع والبصر. ومما يجب علي المسلم أن يؤمن به أن صفات الله تعالي ليس لها شبيه ولا نظير فيما يتصف به الخلق من صفات سوي الأسماء والأحكام فقط, فما يقال في الأسماء من تنزيه يقال في الصفات من تنزيه, فالله سبحانه متصف بكل الكمالات, منزه عن كل النقائص, قال تعالي:, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير], الشوري:11]. والنقائص المنزه عنها الله تعالي في صفاته هي كل ما يدل علي الحدوث أو يسم صاحبه بالنقص; فهو سبحانه لا يتصف بشيء من الأعراض المحسوسة كالطعم واللون والرائحة والألم, وكذلك اللذة الحسية. كما أنه لا يجوز أن ينسب إلي الله عز وجل حقيقة الحركة والسكون والذهاب والمجيء والكون في المكان والاجتماع والافتراق والقرب والبعد من طريق المسافة والاتصال والانفصال والحجم والجرم والصورة والحيز والمقدار والنواحي والأقطار والجوانب والجهات. والطريق في إثبات صفات الله تعالي هو توقيف الشارع, ومعناه: ورود هذه الصفة في كتاب الله تعالي أو سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم, أو نعلمه حكما كالصفة الثابتة بالإجماع كالوجود, وكل اسم لله تعالي يصح أن نثبت ما يشتق منه من صفات له سبحانه. فعندما نقرأ قوله تعالي:, إن الله علي كل شيء قدير] نثبت له صفة القدرة, وقوله تعالي:ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوي ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم], المجادلة:7] نثبت له صفة العلم والإحاطة, وقوله تعالي: هو الأول والآخر], الحديد:3] نثبت له صفة القدم, وصفة البقاء. وعندما نسمع ما رواه البخاري عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه, قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم, فكنا إذا أشرفنا علي واد, هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا, فقال النبي صلي الله عليه وسلم: يا أيها الناس اربعوا علي أنفسكم, فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا, إنه معكم إنه سميع قريب, تبارك اسمه وتعالي جده نثبت له صفة السمع, وصفة البصر, وهو المقرر في قوله تعالي:, والله هو السميع العليم], المائدة:76]. وفيما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالي عنهما, أنه حدثه: أنه ركب خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما, فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا غلام, إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, وإذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا علي أن ينفعوك, لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, ولو اجتمعوا علي أن يضروك, لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام, وجفت الصحف, نجد أن الله وحده هو المتفرد بالخلق والرزق والعطاء, والمنع ودفع الضر وجلب النفع, وهو وحده الذي يجب أن يفرد بالعبادة التي هي غاية الخضوع والذل مع الفقر والحاجة لذي العزة والجبروت. وفي قوله تعالي:, قل هو الله أحد] يعتقد المسلم نفي الكثرة والعدد, وقوله:, الله الصمد] يجد فيه أنه الذي لا يحتاج إلي شيء, ويحتاج إليه كل شيء, وقوله: لم يلد, ولم يولد] فيه نفي القلة والنقص وقوله: ولم يكن له كفوا أحد يجد فيه نفي الشبيه والنظير. وقد اتفق المسلمون كلهم علي تنزيه الله تعالي, وعلي التمسك بمحكم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية, وفهم بعض المتشابهات التي يوهم ظاهرها إثبات ما ينافي كمال الله وألوهيته في ضوء ما قطعت به النصوص المحكمة من التنزيه. ومن أغراض الوقوف علي صفات الله تعالي كذلك التعلق بها لإظهار العبودية والافتقار, والتخلق بما يصلح أن يتحلي به الإنسان, والتحقق بمعناها في التعامل مع الكون بما يظهر شيئا من رحمة الله الرحمن الرحيم. المزيد من مقالات د. علي جمعة