دعونا نتفق على أننا فى مصر؛ حيث الحضارة المصرية التى تقوم على تطويع البشر للصخر والحجر والطبيعة، وقد لوحظ أنه وبعد حادث "القطار الطائش" الأخير تولد جدل على كل المستويات بحثا عن حل لأزمة السكك الحديدية. وقد برزت عدة تيارات تهدف جميعها إلى توفير سكك حديدية تقدم خدمة متطورة ومتميزة وآمنة للمصريين. كان هناك تيار يتحدث عن التمويل وضخ المليارات من الاستثمارات فى قطاع السكك الحديدية لتحسينه وتطويره وتأمينه وهذا الفريق انقسم إلى مجموعة تطالب بزيادة الإيرادات بينما ذهب الفريق الآخر إلى فتح المزيد من الأبواب أمام الاستثمارات الخاصة، وهناك تيار آخر ذهب إلى تطوير الإدارة وتغليظ العقوبات والتضييق على أى تهاون، وهناك تيار ذهب إلى تبنى التحديث وصولا إلى التحكم فى سير القطارات عن بُعد. وسبق أن أعلنت وزارة النقل فى الصيف الماضى عن خطتها العاجلة لتطوير جميع مرافق منظومة السكك الحديدية بتكلفة 56 مليار جنيه حتى عام 2022، وسبقتها تصريحات من الوزارة تشير إلى انتهائها بالفعل من إعداد خطة متكاملة لتطوير السكك الحديدية حتى عام 2030، وأن التمويل يتطلب توفير مبلغ قدر ب200 مليار جنيه يجب أن يتوفر منها 60 مليار خلال أعوام 2019 2021، واستمر الجميع فى الحديث رافعين شعار "الوضع ما ينفعش يستمر كده!" وفى ذلك يمكن القول إنه بالفعل "الوضع ما ينفعش يستمر"، ولكن المنطق والعقل يقولان إنه قبل ضخ المال والاستثمارات والشراء والاستيراد فإن علينا نحن المصريين أن نقوم بإعداد من سيتسلم ذلك المال، وتلك الاستثمارات، وتلك الجرارات والقطارات الجديدة، ليحسنوا التعامل معها؛ فيحفظوها ويصونوها ويحفظوا أمن من سيستخدمها من أبناء الشعب، وأعنى هنا أنه يجب، وقبل الشروع فى كل ما يتعلق بالمال والتكنولوجيا والعقود والصفقات، أن تكون هناك وقفة جادة وحاسمة وصارمة مع "البشر" فى قطاع السكك الحديدية من خلال إعدادهم صحيا وبدنيا وفنيا، بل وعقليا ونفسيا تجنبا لتلك الأخطاء البشرية الفادحة التى تطيح بالأرواح. وفى النهاية، يجب التذكير مرة أخرى أننا أبناء حضارة قامت على تطويع البشر للحجر والصخر وليس العكس، وأننا المصريين عبرنا قناة السويس وأذبنا "خط بارليف" فى أكتوبر 1973 بسلاح دفاعى قديم، وقاتلنا بطائرات قديمة محدودة الإمكانيات، وبالبشر حققنا النصر على أحدث تكنولوجيا السلاح فى ذلك الوقت. واليوم، جاء الوقت الذى أصبح لا بديل فيه عن "عبور البشر" خط السكة الحديد والانتصار على أزماتها المتكررة. لمزيد من مقالات طارق الشيخ