الزواج المدنى يعنى الزواج بعيدا عن الدين أو الطائفة أو المذهب حتى فى الدين الواحد، وفى لبنان المكون من 18طائفة موزعة مابين المسلمين بطوائفهم السنة والشيعة والدروز، والمسيحيين بطوائفهم، والأرمن وحتى الغجر لا يوجد حتى اليوم قانون موحّد للأحوال الشخصية، فلكل طائفة قوانينها الخاصة ومحاكمها الروحية والشرعية والمذهبية، وقد أثيرموضوع القانون المدنى أكثر من مرة فى لبنان منذ خمسينيات القرن الماضي، ولكن حتى الآن لم يتم إقراره نظرا للمعارضة القوية التى يلقاها. وفى عهد الرئيس البنانى السابق العماد ميشال سليمان، تم أول زواج مدنى داخل لبنان بين الشابين نضال درويش وخلود سكرية 2013، حيث إن القانون اللبنانى لايجيز عقد زواج مدنى فى لبنان، إلا أنه يعترف بالزواج المدنى المعقود خارج الأراضى اللبنانية وبناء عليه، فإن الزواج المدنى لا يعتبر مخالفاً للنظام العام، ولايزال اللبنانيون يلجأون إلى دول أخرى كقبرص أو اليونان، لعقد الزواج المدنى هناك، ثم يعودون إلى لبنان ليعترف القانون بفعل يرفضه فى الداخل، ويقره إذا تم فى الخارج. وكانت وزيرة الداخلية ريا الحسن، قد صارحت اللبنانيين الأسبوع الماضى بنيتها فتح باب حوار جدى فى ملف الزواج المدنى مع كل المرجعيات، حتى يتم الاعتراف بهذا الزواج، مما أثار موجة حادة من الإنتقادات من المعارضين للزواج المدني، وموجة من الترحيب والفرحة من المؤيدين والمطالبين بتطبيق الزواج المدنى خاصة الشباب، ولكن رئيس الوزراء سعد الحريرى طالبها بعد المعارضة التى لاقاها تصريحها، بغض النظر عن مناقشة الزواج المدنى حاليا. ويعود طرح الزواج المدنى فى لبنان لأول مرة عام 1951 فى مجلس النواب، حيث تم رفضه، وفى العام 1999 ناقش مجلس الوزراء مشروع قانون الزواج المدني، وتمت الموافقة عليه بالأغلبية، إلا ان الملف لم يقدم إلى البرلمان للتصديق عليه. دار الفتوى ترفض دار الفتوى فى لبنان وهى المرجعية الدينية للمسلمين السنة ترفض مشروع الزواج المدني، حيث أكد المفتى السابق الشيخ محمد رشيد قبانى رفضه الزواج المدني، كونه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والدستور اللبناني. أما مفتى لبنان الحالى الشيخ عبد اللطيف دريان فقال فى بيان له عقب تصريح وزيرة الداخلية : إن موقف مفتى البلاد، وموقف دار الفتوى والمجلس الشرعى ومجلس المفتين، معروف منذ سنوات فى الرفض المطلق لمشروع الزواج المدنى فى لبنان ومعارضته،لأن الزواج المدنى يخالف أحكام الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا. هيئة التبليغ الدينى فى المجلس الإسلامى الشيعى الأعلى أكدت بدورها أن الزواج المدنى مرفوض فى نظر المؤسسة الدينية الشيعية بخلفيتها الشرعية والوطنية، لاعتبارات أخلاقية وفقهية وحقوقية ووطنية، منها أن عقد الزواج الشرعى يخضع لشروط صحةٍ تتعلق بصيغة العقد وبالمتعاقدين، وأى إخلال بهذه الشروط يجعل العقد باطلا من الوجهة الشرعية. كما أن الزواج المدنى يخضع لنظام حقوقى مدنى يخالف النظام الحقوقى الذى يرعى الزواج الشرعي. الكنيسة توافق بشروط رأس الكنيسة المارونية البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، علق على موضوع الزواج المدني، قائلا:إذا كان الزواج المدنى الذى يتم فى محكمة مدنية، وكان المراد منه هو توثيق النكاح وتسجيله فهو جائز، حفظا للحقوق ومنعا للتلاعب، وإن كان لا تتوافر فيه شروط النكاح ، أو يترتب عليه أمور باطلة فيما يتعلق بالطلاق وغيره، فلا يجوز الإقدام عليه. وأكّد الراعى أننا لسنا ضد الزواج المدنى بالمطلق. زعيم الدروز فى لبنان رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى وليد جنبلاط دعا من جانبه إلى إصدار قانون أحوال شخصية مدني، والتوقف عن استخدام الدين للتفرقة بين اللبنانيين،مؤيدا بذلك الزواج المدني. ولكن كيف يعامل القانون اللبنانى الأولاد الناتجين عن زواج مختلط بما يتعلق بمسألة الإرث؟ وما هى المشاكل المتعلقة بالأطفال الناتجين عن الزواج المدني؟. بالنسبة إلى مسألة الإرث فى القانون اللبنانى فإن الأولاد الناتجين عن زواج مختلط يُطبق عليهم قانون الأحوال الشخصية اللبنانى ،أى القانون الذى يخضع له الزوج أو الأب. وحاليا لا يواجه الزواج المدنى أى مشاكل طالما تم خارج لبنان ،حيث يتم تسجيل الزواج المدنى فى الدوائر ، إنما تبرز المشاكل التى تواجه الأطفال الناتجين عن زواج مدنى من خلال ما يواجهونه من تعقيدات أمام المراجع الدينية، إذ إن الطوائف المعترف بها فى لبنان، لا تعترف بالزواج المدني، وبالتالى فإنها تنظر إلى الأولاد الناتجين عن الزواج المدنى بأنهم أولاد غير شرعيين. ويعتبر الأولاد شرعيين ناتجين عن زواج شرعى لكون الزواج المدنى معقوداً خارج لبنان ويُسجل أصلاً فى دوائر الأحوال الشخصية اللبنانية طبقا للإجراءات المتبعة. وفى حال الطلاق تكون المحاكم اللبنانية ملزمة بتطبيق القانون الأجنبى أى قانون المكان الذى انعقد الزواج فى ظله. وإذا كان الساسة يؤيدون الزواج المدنى فإن رجال الدين فى كل الطوائف يرفضون الاعتراف بهذا الزواج مالم يتم حسب الأصول الدينية لديهم،سواء كانوا مسيحيين او مسلمين، وإذا كان لبنان منذ عام 1951 يحاول ان يقر قانونا مدنيا، فإن سطوة الطوائف والمذاهب أقوى من البرلمان والقانون، بالرغم من ان مؤيدى الزواج المدنى يرون أنه ضرورة للقضاء على الطائفية والمذهبية فى لبنان، فإن المعارضين يقفون بالمرصاد لإقرار مثل هذا القانون، ليظل الزواج المدنى حالات منفردة، تهرب خارج البلاد لتتزوج حسب القوانين الأجنبية، وتعود لتواجه مشاكل الأبناء والإرث والطائفة داخل لبنان.