كنا عندما نسمعها تثير فينا روح المغامرة والخيال وذكريات طفولتنا الجميلة عندما نخلد للنوم مبكرا.. إنها «الحدوتة» التي ترويها الأم غالبا أو أحد الأجداد لتزرع فينا المبادئ والقيم بأسلوب سهل وجذاب، إذ كنا نتعرف من خلالها الخير والشر، ونزداد يقينا بأن الخير لابد أن ينتصر. لكن أين الحدوتة في حياتنا الآن؟ وهل الأجهزة والشاشات الإلكترونية وراء إهمالنا رواية الحدوتة؟ تجيب عن هذا السؤال أمل عزت المختصة النفسية والاستشارية التربوية قائلة: غزت التكنولوجيا حياتنا وحياة أطفالنا، وأصبح الوالدان مشغولين في العمل، واندثرت الأسرة الممتدة التي يعيش أفرادها معا، وأصبح الأطفال يقضون معظم الوقت بمفردهم أمام شاشات التليفزيون، والكمبيوتر، والتابلت، أو الهاتف المحمول، مما أدي إلي نقص التفاعل والتواصل بين أفراد الأسرة، لذلك يعتبر وقت حدوتة قبل النوم هو الوقت الوحيد الذي نستطيع من خلاله زرع المبادئ والقيم والأخلاق في أطفالنا ومع ذلك لا تستطيع الأم تقديم هذا الوقت لأطفالها نظرا لضيق الوقت والأعباء الملقاة علي عاتقها. وتستدرك أن هناك فوائد عدة لحواديت الأطفال لابد أن تدركها الأم فهي تشكل جانبا أساسيا من جوانب شخصيتهم وتطور المشاعر والأحاسيس والانفعالات، وتكسبهم التعاطف مع الآخرين، وتهذب أخلاقهم، وتعلمهم كيفية مشاركة مشاعر الفرح والحزن مع الآخرين، وقيمة ذلك في تقدير الآخرين لهم، وتقديرهم لذواتهم، والإحساس بالرضا النفسي. وتضيف أمل أن الحواديت تطور لغة الطفل وتزيد من مفرداته وتجعله يتفاعل ويسأل عن معني هذه الكلمات الجديدة التي يسمعها، مما يزيد من قاموسه اللغوي، والقدرة علي التعبير. وتنمي مهارة الاستماع والإنصات لديه، فمن المعروف أن الأطفال يحبون أن يتكلموا أكثر من أن ينصتوا، لذلك يعتبر وقت رواية الحدوتة فرصة لتشجيعهم علي الاستماع والإنصات، وزيادة المعلومات عن أشياء لم يكونوا يعرفونها من قبل، وزيادة فهمهم لها، فمثلا تزيد الحواديت من معلومات الأطفال حول الحضارات والثقافات المختلفة للشعوب الأخري، والتقاليد الخاصة بهم، مما يشجعهم علي الاهتمام ببعض المواد الدراسية مثل التاريخ والجغرافيا، ويكسبهم القدرة علي تقبل الرأي الآخر، واحترام الاختلاف. كما تعد الحواديت من أهم الأنشطة التي تساعد الطفل علي التعلم، لأننا جميعا نتعلم بطريقة أفضل من خلال القصص، وتشجع الطفل علي إلقاء الأسئلة حول أحداث القصة، ويربطها بأحداث معينة مما يطور لديه مهارات التخيل. كما تقوي من ذاكرة الطفل وتعلمه تسلسل الأحداث. وتستكمل أمل عزت: تعتبر الحواديت من الوسائل غير المباشرة لتعديل سلوك الأطفال، فمن المعروف أن الممنوع مرغوب، ولذلك يجيب الطفل بالرفض والعناد عندما نمنعه من أداء عمل أو سلوك غير مقبول، ويأتي هنا دور الحدوتة في حث وتشجيع الطفل علي الابتعاد عن هذه السلوكيات والتعرف علي مساوئها، كما تسهم القصص الدينية في غرس السلوك الجيد وتنمية فكرة الثواب والعقاب لأنها توصل هذه المعلومات بأسلوب لطيف ومحبب مما يجعله حريصا علي القيام بأعمال الخير والتحلي بالأخلاق الحميدة، والصفات الحسنة مثل العدل، والصدق، والأمانة، والإخلاص، والتواضع والتسامح، كما تساعد الحواديت علي زيادة مهارات التفكير وحل المشكلات بطريقة مناسبة، لأن أي حدوتة لها مقدمة وبداية ثم المشكلة التي يحاول البطل التغلب عليها من خلال التفكير في حلول، ثم نهاية الحدوتة بعبرة ودرس نتعلمه. وكل ذلك يشجع الطفل علي التخيل، وقوة التفكير، والانتباه المستمر والبحث عن حلول، لذلك تعتبر الحواديت من الأنشطة الإنسانية التفاعلية التي تقوي العلاقة بين الطفل والشخص الذي يحكي له الحدوتة، وتجعلهما يدخلان معا في علاقة إيجابية، وعالم جميل من الخيال والإبداع. أخيرا تقول: علي الأم أن تعلم أن حدوتة قبل النوم وسيلة سحرية لتطوير شخصية ومهارات طفلها، وتساعده علي الإحساس بقيمته في الأسرة، وتهدئ من مزاجه وتجعله ينام في هدوء وراحة. كما أنه لابد من عودة دور الجد والجدة في رواية الحدوتة حيث إن لها ذكريات لا تمحي من ذاكرة الطفل .