فى ظل التطورات المتلاحقة على الساحة السورية، يظل مصير «الأكراد السوريين» سواء قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ووحدات حماية الشعب الكردية «و.ح. ش» مجهولا، بل ومصير داعش نفسه مجهولا، فهؤلاء الأكراد هم الهدف الرئيسى لدخول قوات وميليشيات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى سوريا وليس أخطر تنظيم إرهابى فى العالم. قرار ترامب جاء بعد اتصال هاتفى مع أردوغان، حيث قال الرئيس الأمريكى لنظيره التركى حرفيا «سوريا كلها لك.. لقد انتهينا»، إلا أن هذا الكلام سرعان ما ذهب مع الريح بسبب شرط أساسى وهو حماية الأكراد السوريين، الذين حملوا راية القتال ضد داعش، بدعم كامل من واشنطن. وحاول «صقور» ترامب، سواء جون بولتون مستشار الأمن القومى أو مايك بومبيو وزير الخارجية، خلال جولتيهما فى الشرق الأوسط، الحصول على ضمانات لحماية «أصدقاء أمريكا» فى سوريا، إلا أن أردوغان أغلق هذا الباب، حيث رفض لقاء مستشار ترامب، كما وصف هذه الصداقة بين واشنطن والأكراد بأنها مجرد «وهم كبير». وعلى الرغم من غضب بولتون من تصرفات وتصريحات أردوغان، إلا أن بومبيو اتبع لهجة أكثر ليونة حيث أكد أنه متفائل بإمكانية التوصل إلى حل وسط يحمى الأكراد من جهة، ويتيح للأتراك «الدفاع عن بلادهم من الإرهابيين» من جهة أخرى. ولكن أرض الواقع تتكلم بلغة مختلفة، فالرئيس التركى يصنف «قسد» و«و.ح.ش» على أنهما جماعتان إرهابيتان وامتداد لمنظمة حزب العمال الكردستاني، التى تصنفها أنقرة على أنها إرهابية أيضا، بينما يقصد ترامب وبومبيو القضاء على داعش، وهنا يختلف الهدف، وكأن «كل يغنى على ليلاه». ومع عودة تدريجية للعلاقات بين واشنطنوأنقرة بعد سلسلة من الخلافات أولها رفض أمريكى لتسليم الداعية فتح الله جولن، المتهم بتدبير انقلاب 2016 ضد أردوغان، وانتهاء بمحاكة القس الأمريكى آندرو برانسون بتهمة الإرهاب، ومحاولة عقد صفقة «سلم تستلم»، إلا أن تركيا رضخت لرغبة الولاياتالمتحدة وسلمت برانسون مقابل عودة المياه إلى مجاريها بعد انهيار العملة التركية نتيجة هذا التحدي. وكتب أردوغان مقالا فى صحيفة «نيويورك تايمز» كاشفا عن نوايا تركيا فى سوريا، يتحدث عن دولة احتلال وحدها قادرة على هزيمة الإرهابيين، ويتحدث بفخر عن عمليات قواته عن الرقة السورية والموصل العراقية، وهى العمليات العسكرية التى انتهكت سيادة الدولتين. وكرر فى مقاله مقولة إن «الإرهابيين لن ينتصروا فى سوريا»، وأن الأكراد ستحكمهم مجالس محلية منتخبة من غير الإرهابيين، وواصل ادعاءاته بأن «تركيا تتطوع لتحمل هذا العبء الثقيل فى وقت حرج فى التاريخ». بينما خرج وزير دفاعه خلوصى آكار ليتحدث عن «دفن المقاتلين الأكراد فى خنادقهم». وبعد إعلان أنقرة فى أواخر 2018 عن عملية جديدة «مؤجلة» فى شرق الفرات، أعلنت الإدارة الذاتية فى الشمال السورى «روج آفا» النفير العام، ووصفت العملية بأنها محاولة من أردوغان لاحتلال سوريا باستخدام حجج واهية، ومن أجل إطالة حياة داعش، التنظيم الإرهابى الذى كشفت العشرات من الوثائق المسربة دور تركيا فى تسليحه وتمويله وإمداده بعناصر جديدة، من أجل استخدامه كورقة «مساومة وضغط» لاحتلال العراقوسوريا. وفى ظل تهديدات الغزو التركى لشرق الفرات، سعى المقاتلون الأكراد إلى طلب الحماية الأمريكية والدولية، بل وإلى التلويح بالانسحاب من المناطق المحررة من داعش وتسليمها إلى الجيش السورى بعد صفقة مع دمشق. تركيا، العضو فى حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، والتى تلهث وراء الحلم الأوروبى منذ سنوات، اختارت الحرب ضد الأكراد فى كل مكان وبكل طريقة. تركيا تخشى وتكره الاستقلال الكردى فى أى مكان فى العالم أكثر من خوفها من أى شيء آخر، فهى تلاحق الأكراد أو من يسمون «رجال الجبال»، حيث يتحصنون فى جبال قنديل شمال العراق، وفى الداخل فى ديار بكر والمدن التركية الأخرى، وفى الخارج، فى أوروبا وأمريكا. حملة قمع أردوغان تطالهم أينما كانوا، وأينما تظاهروا ضده حتى أمام البيت الأبيض، لم يسلموا من بطش الحرس الرئاسى التركي. وواصلت ملاحقتهم إلى حد التجسس عليهم. الرئيس التركى رجب طيب أردوغان «مرعوب» من أن كردستان مستقلة فى سوريا سوف تساعد الأكراد الأتراك فى شن حربهم الثورية ضد أنقرة، ويعتبر أن «روج آفا» وكذلك «آربيل» العراقية بمثابة خطر داهم على السيادة التركية. الأخطر أن أردوغان يستخدم الإرهاب كذريعة لإبادة وإباحة قتل وسجن الأكراد، كما يستخدم الانقلاب كذريعة لتصفية معارضيه مع اقتراب الانتخابات، وانهيار كل ما اجلسه على مقعد «السلطان» بداية من الاقتصاد حتى أكاذيب الديمقراطية.