لقد صارت قضية الطاقة موضوع الساعة خاصة وقد كثرت الشكاوي من انقطاع التيار الكهربائي عن المنازل والمصانع والمؤسسات الإنتاجية. يذكر علي سبيل المثال لا الحصر الخسائر الناجمة عن انقطاع الكهرباء عن مصنع الألومنيوم المقدرة بنحو600 مليون جنيه.. الأمر الذي ينعكس سلبا علي الاقتصاد المصري الذي يعاني من عوامل أخري ولا يحتمل مزيدا من التدهور. ولمزيد من التوضيح بالنسبة للحاجة الي الطاقة التي تعتبر قضية عالمية جاء في تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الطلب علي الطاقة سوف يتزايد بنسبة60% بحلول عام2030 وأن استهلاك الطاقة عالميا سوف يرتفع الي معدلات تتراوح بين50% و70% وذلك بحلول عام2020, كما أن معدل زيادة الطلب علي الطاقة في الدول النامية سيكون أكبر منه في الدول المتقدمة, أما عن وضع الطاقة في مصر, فإن المصادر التقليدية للطاقة المستخدمة في مصر هي: الطاقة المتولدة من مساقط المياه خزان أسوان والسد العالي, يذكر أن معظم المتاح من هذه الطاقة علي نيل مصر قد تم استغلاله, ولم يتبق منها سوي القليل جدا. و البترول والغاز وكلاهما مصادر ناضبة واحتياطياتها في مصر محدودة حسب تقديرات وزارة البترول والثروة المعدنية. وعن الفحم يذكر أن احتياطياته محدودة حيث تتراوح بين35 و50 مليون طن بما يجعله مصدرا ناضبا لا يفي باحتياجات مصر وعليه يتعين الاعتماد علي الفحم المستورد في حال استخدامه كمصدر للطاقة فضلا عن أن محطة الفحم ذات قدرة1000 ميجاوات تحرق ما يزيد عن عشرة آلاف طن يوميا( حمولة ستة قطارات), كما أن النفايات المتخلفة من حرق الفحم تعادل35 مليون طن علي مدي عمر المحطة. والطاقة الشمسية, رغم سطوعها معظم أيام العام ما زالت في مراحل التطوير الأولي, كما أن تكلفتها عالية وغير اقتصادية لانتاج الكهرباء بكميات كبيرة, يذكر أن أكبر محطة للطاقة الشمسية تم تطويرها لايزيد عن300 ميجاوات, ولو أريد تصميم محطة بقدرة1000 ميجاوات فإنها تحتاج لموقع مساحته عدة أفدنة, غير أن الطاقة الشمسية تكون مناسبة للأماكن التي لا تصلها خطوط الكهرباء العادية. وأما هذا الوضع الخطير للطاقات التقليدية, من حيث كونها ناضبة ولا يعتمد عليها كمصادر للتنمية المستدامة, يكون البديل النووي حتميا ولا بديل من دخول مجال المحطات النووية. وعن حتمية الخيار النووي لمصر بعد أن تخلفت عن دخول المجال النووي حتي يومنا هذا, لابد أن أشير الي أن المحاولات الثلاث لإنشاء محطات نووية قد فشلت جميعها بداية من المحاولة الأولي في عام1963 لبناء وحدة بقدرة150 ميجاوات ملحق بها وحدة إزالة ملوحة المياه في موقع برج العرب لم تتحقق بسبب حرب1967, ومرورا بالمحاولة الثانية بعد حرب1973 عندما زار الرئيس الأمريكي نكسون المنطقة العربية وعرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية تزويد مصر وإسرائيل بمفاعلات نووية, وأسفرت المناقصة العالمية عن اختيار مفاعل600 ميجاوات يبني في سيدي كرير, وكان سبب فشل المشروع طلب أمريكا التفتيش علي الأنشطة النووية في مصر حين رفضت إسرائيل المعاملة بالمثل, وانتهاء بمشروع الضبعة في عقب موافقة المجلس الأعلي للطاقة في عام1980 إقرار مبدأ تنمية الطاقة النووية لمصر, واتخذت عدة إجراءات لتنفيذ برنامج يتضمن بناء ثماني وحدات حتي عام2000, والتصديق علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية( في فبراير1984) وعقدت اتفاقيات للتعاون النووي مع بعض الدول.. ولكن وقوع حادث تشير نوبل وتجميد الموقف حتي يومنا هذا, الي أن صدر القرار السياسي بأهمية بناء محطات نووية كخيار لتنويع مصادر الطاقة. وباستعراض الوضع العالمي للطاقة النووية يتضح أن16% من احتياجات الطاقة في العالم يتم توليدها من443 محطة طاقة نووية في32 دولة معظمها من الدول المتقدمة, وتضم عددا من الدول النامية التي حدث بها تطور علمي وتكنولوجي, مثل الهند( التي كانت قد بدأت دخول المجال النووي مع مصر) لديها الآن أكثر من عشرة مفاعلات للطاقة النووية وأربعة مفاعلات تحت الإنشاء, كما أن الهند تقوم حاليا ببناء مفاعلاتها الجديدة. تشير الدراسات المقارنة التي نشرت في مجلةScientificAmerican( عدد سبتمبر2006 إلي أن تكلفة الكيووات ساعة آخذين في الاعتبار جميع عناصر التكلفة متضمنة التكلفة الرأسمالية والجارية والعمالة وغيرها, وباعتبار عمر تشغيل المحطة40 الي50 سنة مع وضع افتراضات متماثلة لجميع أنواع المحطات فضلا عن عائد معقول للمستثمرين, علي النحو التالي: الفحم:2,4 سنت أمريكي للكيلووات ساعة, والغاز الطبيعي أو البترول8,5 سنت. في حين أن تكلفة الكيلو وات ساعة النووي7,6 سنت وهناك عوامل أخري تؤدي الي خفض تكلفة النووي. 1 لو أن تكلفة الإنشاء انخفضت بنسبة25% فسوف تهبط تكلفة الكيووات ساعة الي5,5 سنت. 2 وأن انخفض زمن إنشاء المحطة من خمس الي أربع سنوات, وتحسين وسائل التشغيل والصيانة سيؤدي ذلك الي اختزال ما يساوي4,0 سنت للكيلووات ساعة. وفي هذا الصدد يجدر بالذكر أن التكلفة الاستثمارية لمحطات الفحم تقارب تكلفة محطة نووية وأن تكلفة وقود الفحم يزيد بمعدل ثلاثة أمثال الوقود النووي. وفي النهاية, لابد أن أحذر من تخلف مصر عن دخول مجال المحطات النووية خاصة أن هناك جيلا جديدا من المفاعلات المعروف بمفاعلات الاندماج النووي التي أجريت عليها بحوث مكثفة علي مدي خمسين عاما لتحقيق الجدوي العلمية وإجراء تجارب عديدة في عدة مختبرات حول العالم أهم خصائصه أن الوقود هو غاز الديتيريوم( نظير الإيدروجين) وليس الوقود النووي اليورانيوم أو البلوتونيوم.. بما يعني أن مفاعل الاندماج النووي ستكون الطاقة المولدة منه طاقة نظيفة وهو مفاعل سيعطي طاقة كهربية بنفس قدرة مفاعل الانشطار الذي نتحدث عنه الآن لبنائه في الضبعة أي1000 أو1500 ميجاوات.. ليحل محل محطات الطاقة النووية الحالية. وأخشي ما أخشاه أن يفوتنا عصر الانشطار النووي وعصر الاندماج النووي هذه صرخة أطلقها لكل مسئول عن الطاقة في مصر. المزيد من مقالات د.عزت عبدالعزيز