إن أي دراسة مقارنة لبعض إجراءات المنظومة التعليمية في مصر يتجلي تفردها بما هو عجيب وغريب, وتستمر ممارسة معظمها علي أنها ظاهرة طبيعية تربوية معتمدة, وبعضها الآخر ترسب إلي درجة لا قبل للوزارة بالتخلص منها مع أنه يصيب عملية التعليم في مقتل. ونتساءل هنا, كما يتساءل المجتمع وبخاصة من المعنيين بالتنمية البشرية أهم رأسمال اجتماعي عن كيفية القضاء عليها ليحقق التعليم دوره في تأسيس مجتمع أفضل وأقدر وأعلم, وفيما يلي سوف نشير إلي بعض هذه العجائب: أولا: وباختصار شديد, نبدأ برياض الأطفال حيث يجري تعليم أطفالنا ما بين(4 أقل من6 سنوات) لغة أجنبية, ولما تكتمل لديهم مقومات لغة الأم باعتبارها اللغة القومية للمواطنة والتواصل والإدراك والوعي المجتمعي, ويتم هذا في رياض الأطفال الحكومية والخاصة والأجنبية طبعا. ثانيا: وفي المرحلة الثانوية يضاف تعليم لغة أجنبية ثانية إلي اللغة الأجنبية الأولي التي بدأ يتعلمها منذ بداية المرحلة التعليمية الابتدائية, ويتم ذلك لمدة ثلاث سنوات, ينقطع تعليمها بعد ذلك نهائيا في مراحل التعليم التالية, ثالثا: وما زلنا مع العجائب: ما قولكم دام فضلكم فيما نجده ونقرؤه من نتائج امتحان الثانوية العامة من حصول مئات بل آلاف من الطلاب علي نتائج في ذلك الامتحان تقترب من نسبة(100%) أو أكثر أو أقل قليلا كما تدل عليه نتائج ذلك الامتحان هذا العام أو امتحانات سنين سابقة. رابعا: ومن عجائب نظامنا التعليمي ما أطلق عليه الصخب السنوي الذي يرافق امتحان الثانوية العامة من كل أطرافها: وزارة وطلابا وأولياء الأمور ووسائل الإعلام, وتعلو الصيحات من أسئلة الامتحان الصعبة أو من كونها خارج المقرر والكتاب, وتبادر الوزارة لاهثة لمراجعة عينة عشوائية فتبين أن مستوي النجاح في المواد المشكو منها يصل إلي ما بين90%-85%, إذن ففيم الشكوي والهرج والمرج الذي يشيع في أجواء الامتحان, وتقتصر عجيبة هذا الصخب في مصر حيث لا مثيل لها في أي دولة أخري. خامسا: ولا يقتصر العجب علي تلك الفترة الامتحانية بل يعقبها ما يعرف بفترة التظلمات حين يطالب آلاف من الطلاب بمراجعة أوراق إجاباتهم لما لديهم من اقتناع بأن ثمة خطأ أو إهمالا في التصحيح أو في جمع الدرجات, وتسجتيب الوزارة لتلك التظلمات في مقابل مائة جنيه علي كل طلب تحصل عليها الوزارة لتغطية تكلفة الامتحان. سادسا: لا ننسي التعليم الجامعي, وما يمنح من تقديرات الامتياز في تقييم الرسائل الجامعية, مع التبادل بين الجامعات وطباعة الرسالة, وبخاصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية, ويكاد يبلغ تقدير الرسائل الممتازة في المتوسط نحو98%, مما لا نعرف لها خبرا ولا أثرا أو تجديدا في ساحة المعرفة بعد زفة الامتحان ورحم الله عالمنا الجليل الدكتور علي مصطفي مشرفة الذي أسهم في تفتيت الذرة, إذ يقول( خير للكلية أن تخرج عالما واحدا كاملا من أن تخرج كثيرين أنصاف علماء). سابعا: أما عن عجيبة المدة التي تنتهي فيها الدراسة قبيل الامتحانات, وعن طول الوقت في التصحيح, وفي الكنترول, وفي رصد الدرجات, واعتمادها, والإعلان عنها خلال كل من الفصلين الدراسيين فحدث عنها وأطنب ولا حرج, وقد تقتطع هذه الإجراءات أكثر من شهرين علي الأقل من العام الدراسي, أضف إلي مجموع أيام العطلات في الأعياد الدينية والقومية انتهاء بالعطلة الصيفية علي مدي شهرين, وبذلك يتبقي للعام الدراسي الصافي حسب أحسن التقديرات نحو170 يوما من الانتظام في الدراسة أي نحو(5.5) خمسة أشهر ونصف تقريبا وهي من بين أقصر فترات العام الدراسي في معظم دول العالم التي تترواح بين سبعة وتسعة أشهر بينما تصل أشهر تعليمنا إلي خمسة أو ستة أشهر مع ما قد يعترضها أحيانا من إضرابات واحتجاجات سواء من الطلاب أو المعلمين أو الأساتذة. ثامنا: علينا أن نتذكر انقطاع الدراسة لطلاب المدارس في سنة امتحان الثانوية العامة التزاما بالدروس الخصوصية وقد تمت معالجة هذا الانقطاع بعجيبة أغرب في قانون الثانوية العامة الجديد الذي تم اعتماده منذ شهر مضي ويتمثل في تخصيص درجات لمادة( الانتظام والسلوك), ولست أدري ولا المنجم يدري كيف يمكن الحكم علي استحقاق كل طالب نصيبه العادل من تلك العشرية في الدرجات, وأغلب الظن والخبرة أنه سوف يكون حكما وتقديرا مليئا بكثير من مشكلات التقدير الذاتية نحو الطلاب ونحو المدارس ذاتها. المزيد من مقالات حامد عمار