أتذكر بدايات هذا المهرجان الكبير مهرجان الموسيقى والغناء العربي، أتذكر كيف قامت الفنانة الراحلة رتيبة الحفنى بإقامة مهرجان يضم عددا كبيرا من الفنانين العرب يقدمون موسيقاهم، وأغانيهم فى مصر.. فى القاهرة. فعلا وقتها شعرت بأن مصر هى قلب العالم العربي، خاصة من خلال هذا النوع من المهرجانات التى تضم الفنانين ليقدموا أجمل ما يوحد الإنسان العربي، وهو الفن، نقول الاقتصاد ممكن.. نقول التجارة... ممكن نقول الدفاع المشترك... ممكن لكن ما هو أكثر نفاذا إلى داخل وجدان الشعب العربى هو بلا شك الموسيقى والغناء. شاهدنا فنانين لأول مرة وموسيقيين لأول مرة، واستمعنا إلى أغان جديدة تماما، بالنسبة لنا، وبالمثل موسيقى نشعر بها ونتأثر بها برغم أنها لبلد عربى آخر، وليست لمصر. إنه الفن.. الوحيد القادر على النفاذ داخل وجدان المواطن أيا ما كان بلده وأيا ما كانت اللهجة التى يتحدث بها العربية. بدأ المهرجان كبيرا فى أول سنة له، وأضاف رئيس دار الأوبرا له اللقاءات المهمة فى مجال الندوات والمؤتمرات فى مجال الموسيقى كى تكون مرجعا للجميع. وللحق لم يكن مهرجان الموسيقى العربية هو أول لقاء حتى فى مصر فقد سبقه مهرجان شبابى يقام كل عام فى قاعة سيد درويش ومناسبته كانت عيد ميلاد الفنان الرائع محمد عبد الوهاب، وكانت أيضا رتيبة الحفنى هى التى فكرت فيه ثم نفذته، وليحضر عبد الوهاب وسط شباب الفنانين، بل ويقف على خشبة المسرح... متحدثا وليس مغنيا لنجد أن الكلام من الفنان الكبير ربما يدخل أو يخترق الوجدان أكثر من الغناء.. إنه فى النهاية عبد الوهاب... الذى يقتنع فى نهايات عمره بالاتجاه والاندماج مع الشباب ومعظمهم من طلبه وطالبات معهد الموسيقى العربية التابع لأكاديمية الفنون، والذى تستمع إليهم الآن كأهم وأشهر مطربى عصرنا. رحلت رتيبة، ولكنها لم تترك الساحة خالية، فقد تركت لنا تلميذتها جيهان مرسى لتكمل المشوار، كما درست من رتيبة الحفني. إن ما يعنينى حقيقة هو استمرار نجاح أى فكرة أو عمل أو مؤتمر أو مهرجان، فالاستمرار هنا هو أن هذا المهرجان قد ولد كبيرا لكى يستمر، ويعيش بيننا من خلال المطربين والموسيقيين العرب الذين لم نكن حتى نعرف اسماءهم لنشهد الآن أن المتلقى المصرى الذى يهرع لحجز مكانه فى دار الأوبرا المصرية من أجل الاستمتاع بهذه الفنون العربية بعد ما تعرف على فنانى منطقته، وليس بلده فقط. إنه من وجهة نظرى التآخى التام للآمة العربية وللمواطن فيها عندما يجمعهم الفن تحت سماء مصر. تحية للدكتورة الراحلة رتيبة الحفني، وتحية لتلميذتها جيهان مرسى التى سارت على نهجها، وأنا أعلم كم يستغرق إعداد هذا المهرجان من جهد واتصالات وخلافه حتى يظهر أمامنا هنا الجهد لرئيس مهرجان الموسيقى العربية جيهان مرسى التى شاهدناها، وهى تعد كل صغيرة وكبيرة مع رتيبة الحفنى لتقوم هى حاليا بكل العمل.