تأتى ذكرى النصر المصرى العربى ال 45 لحرب أكتوبر لتحيى ذكرى ومواقف قادة الصعب الذين كانوا الأوفياء حقا لقضية العرب العادلة، ونحن نحفظ المعروف لأهله ولا يمكن أن تمر الذكرى دون الإشارة لرجلين جل أن يأتى التاريخ بمثلهما، هما جلالة الملك فيصل والرئيس بومدين. تؤكد المصادر أن الرئيس السادات لم يبلغ أحداً من قادة العرب بقرار الدخول فى الحرب إلا للزعيمين الفيصل وبومدين لعلمه وفقا لسيناريو الحرب مدى حاجته وثقة مصر غير المحدودة فى الزعيمين وقدراتهما، وكانت رؤية الشهيد السادات صائبة فى اختياره ،وكان واضحا فى زيارة الرئيس السادات للمملكة فى جدة حيث أبلغ الملك فيصل قبل عامين بقرار الحرب، وأنه سوف يحتاج تدخل المملكة سياسيا، كما طلب السادات من بومدين الدعم المادى والعسكرى أثناء الحرب، ولا يزال المواطن المصرى يرفع التحية للفيصل الجسور وبومدين الحازم اللذين يعتبر الشعب المصرى مواقفهما فى الحرب كانت من أسباب النصر. والواقع أن سيناريو معركة البترول خططه وأداره الفيصل من يناير 1973 مع انهيار سوق الأوراق المالية حيث دعا وزراء البترول فى أكتوبر لاجتماع لتدارس حجم الإنتاج والأسعار. وذلك على أثر زيارة الرئيس السادات السرية فى أغسطس 1973م، وعملت المملكة وحددت أوراق الضغط التى يمكن أن تكون فاعلة على المستوى الدولى وهى النفط سواء بتخفيض الإنتاج أو رفع الأسعار أو إيقاف التصدير للغرب وقد طلب الرئيس السادات من الملك التدخل بقوة يوم 12 أكتوبر تحديدا مع بدء الجسر الجوى الأمريكى لإسرائيل وعلى الفور دعا جلالته إلى اجتماع وزراء البترول العرب فى الكويت وقرروا خفض الإنتاج إلى 5 % كل شهر حتى تنسحب إسرائيل من خطوط ما قبل يونيو 1967 كما قررت ست دول عربية رفع سعر بترولها إلى 70%، واستدعى جلالة الملك فيصل السفير الأمريكى فى الرياض موضحا أن المملكة جادة فى قراراتها وفى حالة استمرار أمريكا فى دعم إسرائيل بتم تخفيض الإنتاج بنسبة 10% واحتمال وقف شحن البترول كاملا، وكان قرار الملك فيصل بمثابة مبادرة نجحت فى تحويل سلعة اقتصادية عالمية هى النفط إلى سلاح إستراتيجى أشد قسوة من قصف الطائرات وإطلاق الصواريخ. لقد كان قرار الفيصل السديد يتفق مع حجم وثقل المملكة العربى والإسلامى والدولي. وعلى أثر استخدام سلاح البترول فى المعركة الاقتصادية بقيادة الفيصل هرع هنرى كيسنجر إلى جدة فى 8 نوفمبر 1973 يطلب وعداً بإعادة تصدير النفط، وكان شرط الفيصل أن تنسحب إسرائيل من الأراضى المحتلة بعدها يمكن تصدير النفط وعرض كيسنجر آثار القرار على الشارع السياسى الأمريكى الذى يسيطر عليه اليهود، وظل جلالة الملك الفيصل على موقفه رغم الخسائر المالية الاقتصادية التى منيت بها المملكة جراء القرار وقال قولته المشهورة : ماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك أفضل وأكرم من الموت جهاداً فى سبيل الله ودعا: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لى الموت شهيداً فى سبيل الله. لقد استمر حظر البترول إلى منتصف مارس 1974 وبقرار من الملك الفيصل إلى وزراء النفط العرب برفع الحظر عن الولاياتالمتحدة ارتباطا بالتقدم فى مباحثات فض الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية وانسحاب إسرائيل شرق القناة. ورغم انتهاء الحظر إلا أن أوروبا واليابان بدأت تتحول من التأييد المطلق لإسرائيل لتأييد الحق العربي، بل إن مجموعة دول عدم الانحياز فى عام 1974 طالبت بإنشاء "النظام الاقتصادى الدولى الجديد" الذى ينظم الموارد والتجارة والدعوة إلى تنمية دول الجنوب. لقد أثبتت المملكة دوماً قيادة وشعبا أنها على موعد مع تغيير مسار التاريخ من منطلق أن مصر هى العمق الإستراتيجى للمملكة والمملكة هى العمق الإستراتيجى لمصر وذلك من منظور الأمن العربى الإقليمي. لقد أجمع المحللون فى الغرب ومصر بعد مقابلة الملك الفيصل كيسنجر طالباً منه وقف الدعم اللا محدود لإسرائيل على «أن القوة التى يتمتع بها الملك فيصل تجعله قادراً على أن يشل الصناعة الأوروبية والأمريكية». الفارس الثانى مواقفه البطولية معروفة فهو قائد عسكرى احتل موقعاً متميزاً فى جيش التحرير الوطنى إلى أن أصبح قائد منطقة الغرب الجزائرى ثم قيادة منطقة وهران، وتولى رئيس أركان الجيش منذ عام 1960 فوزيراً للدفاع. كان بومدين رجلا أزهريا عسكريا حادا وجادا كما عهدنا أهلنا فى الجزائر الشقيق. مواقف بومدين هى تعبير عن شعور كل وطنى جزائرى فبعد النكسة مباشرة أرسلت الجزائر تشكيلات برية من الدبابات والمشاة والمدفعية وعدة أسراب من طائرات ميج 21 وميج 17، وبناء على التنسيق المسبق بين القيادتين شاركت الوحدات الجزائرية فى القتال بجوار القوات المصرية فى مرحلة الاستنزاف وقد كتب الفريق الشاذلى فى مذكراته أنه ومع بداية حرب أكتوبر أعلن بومدين أنه يضع كل إمكانات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية ومع دوران المعارك زادت احتياجات مصر من السلاح. وأبلغ السادات بومدين أن مصر فى حاجة إلى المزيد من الدبابات وأن السوفييت يؤجلون الإمداد بها وهو ما جعل بومدين يطير إلى الاتحاد السوفيتى لإقناعهم بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصرى والسوري. لقد عاش بومدين ومعه كل الشعب الجزائرى تلك الحرب بكل جوارحهم. وقد قال الرئيس السادات إن جزءا كبيرا من الفضل يعود لرجلين اثنين هما الملك الفيصل والرئيس بومدين. وتلك تصريحات السيدة كاميليا ابنة السادات نقلا عن والدها، ولقد قال الرئيس السادات عند وصوله إلى الجزائر نهاية عام 1973م. إن ما قام به بومدين باسم الجزائر كان رائعاً لا يمكن وصف أبعاده. إن الدور السعودى والجزائرى بجوار القادة العرب فى حرب أكتوبر كان دوراً محوريا وأساسا لإنجاز ذلك الانتصار الذى تحقق سواء على المستوى العسكرى أو الاقتصادى أو السياسي. لمزيد من مقالات د. عبد الغفار الدويك