الإدمان كما تعرفه موسوعات الطب النفسى هو حالة من التعود تضع المرء فى حالة نفسية وشعورية، وتجعله يرغب فى القيام بشيء معين من أجل الراحة النفسية دون النظر إلى عواقبه على صحته ونفسيته ومحيطه الاجتماعى وحالته العقلية. وقد يندرج تحت التعريف الكثير من الأشياء من الطعام حتى المخدرات، لكن هل يمكن أن ينطبق هذا التعريف على الحب؟.. هل يمكن أن يتحول الحب إلى إدمان؟ وهل يحتاج إلى علاج او تدخل طبى او نفسي؟ فى بعض الأحيان يتحول الحب الى قوة قهرية تذل صاحبها وتلغى إرادته وخياراته المنطقية وتجعله يتصرف بشكل مدمر لذاته دون أن يدرى وهو ما عانت منه «مروة» عندما وقعت فى حب شاب أقل منها فى المستوى الاجتماعى والمادى وعلى الرغم من تاريخ عائلتها الأرستقراطى فإنها وقعت فى هوى شاب بلا عمل تقريبا وحاربت أهلها من أجل الزواج منه، وعلى الرغم من المعاناة التى عاشتها معه فإنها لم تقو يوما على فراقه. ووصل الأمر لاعتدائه الجسدى عليها وإهانتها ثم خيانتها وأخيرا زواجه من غيرها، وفى كل مرة كان يعود إليها وتسامحه وتقول: كنت اختلق لنفسى التبريرات وله الأعذار فلا يمكن أن أتخيل حياتى دونه ومهما يكن غضبى كنت لا أقوى على فراقه ولا أتحمل« زعله». وصل الأمر لحد تورطه فى قضايا نصب وشيكات دون رصيد وكنت أقف الى جواره.. كنت أعرف ان هذا الحب يؤذينى وأولادى لكن لا أستطيع الابتعاد عنه ولا أستطيع ان أكرهه.. كنت أسامحه فى كل مرة وأعود إليه وأكذب على أهلى من أجله.. انتهى الأمر بالطلاق الغيابى وبأزمة نفسية حادة واكتئاب شديد عاشته مروة وجلسات علاج نفسى لأكثر من عامين. كم من القصص المشابهة لعلاقات مؤذية نتورط فيها باسم الحب ولا نستطيع منها خلاصا ولا نقدر على الخروج منها. وكما يقول د. محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر إن هذا النوع من العلاقات يعرفه المتخصصون باسم إدمان الحب، وظهر هذا المفهوم لأول مرة فى الطب النفسى عام 1928، بل نشأت مجموعات للعلاج الجماعى لمدمنى الحب على غرار مجموعات المدمنين فى عالم المخدرات والكحوليات.. ولكن كيف يحدث إدمان الحب؟.. يوضح د. محمد المهدى أن إدمان الحب هو حدوث تنامٍ شديد للمشاعر فى وقت قصير وبشكل غير منطقي، ويتبع ذلك إدراك المحبوب كشيء مثالى جدا ولا يوجد له نظير، وهنا يصبح الشخص فى حالة ارتباط أعمى بمحبوبه ولا يستطيع التفكير بمنطقية أو بموضوعية فى حالته، ويسقط على محبوبه كل أوهامه وتخيلاته، ويعتقد أنه الشخص الوحيد فى الكون القادر على أن يمنحه السعادة وأن الدنيا دونه لا تساوى شيئا. وإذا أراد أحد أن ينبه ذلك المحب العاشق المتيم الولهان لخطورة حالته فإنه لا يستطيع تقبل ذلك أو إدراكه فهو فى حالة إنكار لذيذ لكل عواقب هذا الحب الجارف وفى حالة تبرير لكل أخطاء المحبوب وعلى استعداد للدفاع عنه ومناصرته بحق أو بغير حق, ومدمن الحب ربما فشل فى إقامة علاقة صحية بأحد الوالدين أو كليهما فى طفولته المبكرة لذلك تنشأ لديه رغبة محمومة فى الارتباط الاعتمادى بآخر للدرجة التى تنسحق فيها إنسانيته، ويفقد القدرة على العلاقة السوية التى تتميز بالأخذ والعطاء وتتميز بالحرية والاختيار، كما يشرح أستاذ الطب النفسي. فقد يكون مدمن الحب عانى إهمالا أو نبذا، أو يكون على الناحية الأخرى قد تعود على إشباع اعتمادى زائد من أحد الوالدين وهو يريد أن يستكمل ذلك فى علاقة حب جديدة بنفس المواصفات القديمة والنتيجة هى حالة من الاحتياج نحو شخص ما يعتمد عليه فى العناية به وحمايته وحل مشكلاته. والحب الإدمانى يبدو دراميا صاخبا ساخنا, ولكنه فى الحقيقة سطحى جدا ومليء بالمشاعر المتناقضة ومشحون بالمعاناة والألم وتدهور أحوال الطرفين. ولكن كيف تتأكد إن كنت من مدمنى الحب أم لا؟ يحدد د.محمد المهدى هذه النقطة قائلا: الحب الإدمانى يستغرق الشخص بالكامل, بمعنى أنه يبتلعه تماما ولا يترك منه شيئا، فهو حالة من التفرغ الكامل والمطلق للمحبوب وتلبية كل مطالبه واحتياجاته مقابل استمرار تلك العلاقة. ومدمن الحب هو شخص وسواسي، إلحاحى لا يترك لنفسه أى فرصة للاختيار الحر، ولا يعطى فسحة للتفكير أو المراجعة أو التصحيح. وهو شخص يتحاشى المغامرة أو التغيير, فهو فى حالة عدم أمان وخوف دائمين، ولذلك يخشى أى محاولات للتغيير لأن التغيير يكون مهددا بإنهاء العلاقة أو فشلها، وهذا أمر غير محتمل على الإطلاق. وقد تكون الأوضاع العاطفية القائمة متعبة أو مضطربة ولكن الشخص المدمن عاطفيا يفضل ذلك حتى لا يقوم بمغامرة فى التغيير لا يضمن عواقبها. ومدمن الحب شخص يلجأ للمراوغة محاولا البقاء فى العلاقة بأى ثمن، وهو اعتمادى تطفلي، بمعنى أنه لا يتصور أن يعيش دون وجود الطرف الآخر فى حياته، وهو خاضع استسلامي، وهذا يجعله تحت إمرة ومشيئة الطرف الآخر وعلى استعداد أن ينفذ له أى شيء وكل شيء دون مناقشة.