كتب - شريف الغمري: سياسة مصر لا شرقية ولا غربية بل مصرية صميمة تعمل لمصر والوطن العربي, كان هذا ما قاله الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر خلال التحضيرات الأولي لحركة عدم الإنحياز, والتي استخدم خلالها عبارة الحياد الإيجابي لحماية الشعوب والدول التي لا تريد الانضمام لأحد المعسكرين الشرقي والغربي من الضغوط الواقعة عليها سواء من الولاياتالمتحدة أو الإتحاد السوفيتي وكذلك العمل علي تحررها من الاستعمار. وقد كان لمصر دور رئيسي ومحوري في الحركة بعد دورها في التأسيس وظهر ذلك واضحا خلال المؤتمر الثاني للحركة الذي عقد في القاهرة عام1964 وخرج بقرارات إيجابية من أهمها أن الحركة لن تقف عند حد تأييد تصفية الاستعمار لكن منحت الاعتراف الكامل للقيادات الوطنية في الشعوب التي تناضل من أجل إستقلالها, كما طالبت بنزع السلاح وخاصة السلاح النووي, والتعايش السلمي. كما ظهر دور مصر بعد حرب1967 من خلال البيان المشترك الذي صدر عن جمال عبد الناصر وجوزيف تيتو بالتأكيد علي العمل من أجل السلام ومواجهة أي دولة لا تحترم اتفاقاتها. كما كان لمصر دورها الإيجابي في قضية الاستعمار والتي تعد القضية الأولي في قائمة اهتمامات الحركة حيث قامت مصر بدور رائد في الدعوة إلي تصفية الاستعمار والالتزام بمبادئ الأممالمتحدة ومساندة حركات التحرر ووصل الأمر في بعض الأحيان إلي قطع علاقاتها بالدول الإستعمارية التي رفضت الانصياع لرغبات الشعوب المحتلة, واتخذت مصر خطوات منها إنشاء صندوق لتأييد ودعم الكفاح وفتح مكاتب لحركات التحرير في عواصم دول عدم الانحياز وعزل النظم العنصرية والاستعمارية من خلال قطع أو تعليق العلاقات معها مثل البرتغال وجنوب أفريقيا وإسرائيل. وفي أواخر السبعينيات عبر الرئيس السادات عن ضرورة تحديث الحركة وتدعيمها, مشيرا إلي أنه ينبغي علي دول عدم الانحياز أن تقوم بدور جديد يوافق عصر الوفاق, ولكن بعد عقد مصر اتفاقية كامب ديفيد تم تعليق عضوية مصر خلال مؤتمر دلهي لوزراء خارجية عدم الانحياز في فبراير عام1981 احتجاجا علي ما وصفوه بالأضرار التي سببتها السياسة المصرية للدول العربية والشعب الفلسطيني. ونتيجة التطورات التي غيرت من طبيعة الوضع العالمي بإنتهاء الحرب الباردة عام1989 ونهاية الصراع بين القوتين العظميين, فقد استمرت الحركة متواجدة, لكن دون تأثير ملموس وأصبحت هناك حاجة ملحة لتطوير دورها, ورغم أن مصر لم تبتعد عن حركة عدم الانحياز طوال السنوات الماضية,إلا أنها كانت كالحاضر الغائب في ظل نظام مبارك الذي شهد تراجعا حادا في أداء مصر علي صعيد السياسة الخارجية بشكل عام وتخليها عن دورها الريادي في المناطق التي تتواجد فيها الدول الأعضاء في الحركة خاصة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. إذا كان هناك إتجاه الآن لإعادة صياغة سياسة خارجية جديدة لمصر تستعيد بها دورها الإقليمي والدولي فإن دورها في عالم حركة عدم الإنحياز لابد وأن يكون في مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية لمصر. وبما أن القضية الرئيسية التي تواجه مصر الآن وتشغل إهتمامها هي التنمية الاقتصادية فمن المتوقع أن تتقدم بمبادرة للتعاون في إطار حركة عدم الانحياز في مجال التنمية خاصة وأن هذه القضية بالتحديد تعتبر لها أولوية قصوي في السياسات الداخلية والخارجية لهذه الدول, كما أنها تعد من المبادئ العشرة الأساسية لمؤتمر باندونج والتي كانت تنص علي تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.