قد تبدو إيران أحيانا وكأنها أكثر دول العالم عزلة, منبوذة تماما من الغرب, تحمل فوق كاهلها عقودا من العقوبات ومحاولات التهميش. وأحيانا أخري تبدو وكأنها صانعة الأحداث ومحركتها, مصدر مستمر للقلق والتوتر الدولي, أي تصريح من جهتها يحمل الكثير من الاستفزاز للولايات المتحدة ومعها بالطبع إسرائيل. وهكذا تظل الجمهورية الإسلامية, التي تسير دوما عكس التيار, تحمل المفاجآت وتثبت أنها الوحيدة القادرة علي إثارة غضب الغرب بهذا القدر. ففي الوقت الذي تستعد فيه طهران لاستقبال اكبر مؤتمر دولي علي أرضها منذ أربعة عشر عاما( قمة عدم الانحياز) ويعد قادتها أنفسهم ليس فقط لرئاسة القمة خلفا لمصر لثلاث سنوات قادمة بل أيضا ليكون للحركة أمانة عامة دائمة في طهران,تسيطر علي واشنطن حالة من الغضب والقلق إزاء هذه الاستعدادات والطموحات. وقبل أيام من عقد المؤتمر, بدا وكأن هناك طفرة دبلوماسية اجتاحت الدوائر الأمريكية والإسرائيلية, التي سعت بشكل محموم للتصدي لحضور قادة وشخصيات بعينها المؤتمر, وسرعان ما خرجت تصريحات واضحة علي لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية, فيكتوريا نولاند, تؤكد أن طهران لا تستحق أن تقام هذه القمة علي أراضيها, وأنها سوف تستغل هذا المؤتمر المهم, للمضي قدما في تنفيذ أجندتها الخاصة, والاستمرار في تجاهلها تلبية التزاماتها تجاه مجلس الأمن والمنظمة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي. كان الرئيس المصري محمد مرسي من ابرز من حاولت واشنطن مطالبته بعدم حضور القمة, أو في أسوأ الأحوال إن اختار الحضور, أن يحاول الضغط علي إيران حتي تمتثل للقرارات الدولية بشأن برنامجها النووي. خرجت إسرائيل هي الأخري بتصريحات قلقة من عقد القمة في طهران, حيث طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي, بنيامين نيتانياهو, الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة, بان كي مون, بعدم حضور القمة, حتي لا يمنح النظام الإيراني, الذي وصفه نيتانياهو, بأنه أكبر خطر علي السلام العالمي, الشرعية والفرصة كي يسحب البساط من تحت أرجل الأممالمتحدة نفسها. كما نصحت سفيرة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة سوزان رايس بان كي مون بعدم المشاركة في القمة,ولكن المتحدث باسم الأممالمتحدة أعلن يوم الأربعاء الماضي أن بان كي مون سيشارك في القمة وأنه سيستغل الفرصة لنقل المخاوف الواضحة وتوقعات المجتمع الدولي... بشأن برنامج إيران النووي والإرهاب وحقوق الإنسان والأزمة في سوريا. وأشار المتحدث إلي أن بان كي مون علي وعي كامل بالحساسيات المرتبطة بزيارته لكنه يعي ايضا مسئوليته كأمين عام للامم المتحدة, موضحا أن حركة عدم الانحياز تضم نحو ثلثي اعضاء الاممالمتحدة. تلك التحركات المحمومة من جانب الولاياتالمتحدة وإسرائيل دفعت العديد من المحللين للتأكيد علي مدي غضب الولاياتالمتحدة تجاه فشلها في تحقيق أجندتها الرئيسية المتمثلة في عزل الجمهورية الإسلامية عن بقية دول العالم, خاصة الدول العربية والإسلامية.وفي الوقت الذي لم تدخر فيه الدبلوماسية الإيرانية جهدا للتأكيد علي حضور اكبر عدد من رؤساء وزعماء العالم للقمة. شعر المراقبون الأمريكيون بالمزيد من القلق إزاء نجاح إيران في سعيها وراء ما يسمونه الهيمنة الإقليمية وترسيخ نفوذها الدولي وتوطيد علاقاتها مع اكبر عدد من دول الشرق الأوسط وخاصة مصر. الساسة الإيرانيون, من جهتهم, أكدوا أن رئاسة إيران للقمة سوف تجعل من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ممثلا لحركة عدم الانحياز في الاجتماعات الدولية العديدة المقبلة, أولها الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل بمدينة نيويورك, مما سيمكن إيران من الحصول علي اكبر دعم دولي لمواقفها السياسية لاسيما في المجال النووي. يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه الولاياتالمتحدة وإسرائيل إيجاد ما يسمي ب ايرانوفوبيا لعزل المندوبين الإيرانيين خلال الاجتماعات الدولية في العواصمالغربية ومنعهم من توصيل وجهة النظر الإيرانية للغرب والاستمرار في تصوير إيران علي أنها دولة مارقة. ولهذا فإن رئاسة إيران للقمة يوفر لها فرصة غير مسبوقة لإبراز براعتها الدبلوماسية وقدرتها علي كسر العزلة المفروضة عليها.