يقال إن الاقتصاد هو التفسير المؤلم لما هو واضح، وبالنسبة للبعض يبدو أن الصحافة الاقتصادية ليست أقل إيلاما. وإلا فلماذا الكثير من الصفحات الاقتصادية فى المجلات والصحف، لم تعد أكثر من بوق, فى كثير من الأحيان من المستحيل جذب القراء لقراءتها. إن هذا الأمر لم يعد ممكنا تركه للهوى والمصادفات, فإن كنا نعترف بأن روح المبادرة وريادة الأعمال وسعى الأفراد إلى تأسيس مشروعات وخلق قيمة اقتصادية وفرص عمل تعد محركا رئيسيا للنمو فى الاقتصاد العالمى حالياً, فلا يجب ان ننسى أن تنمية ريادة الأعمال عملية معقدة تحتاج إلى منظومات بيئية متكاملة توفر الرعاية والاهتمام والكفاءة فى التعاطى معهم, ويوفر الاعلام مكونا مهما من مكونات دعم ريادة الاعمال وإلقاء الضوء على مجالاتها ونجاحاتها, والنظرة السريعة على صحفنا المصرية سنجد غيابا شبه كامل لصحف متخصصة ومحررين محترفين ملمين بهذه المجالات, وبينما نجد فى العالم نحو 16 مجلة متخصصة فى دعم ريادة الاعمال والمشروعات الصغيرة الرائدة بشكل عام, منها Wired, Forbes, The Wall Street Journal, Money, Small Business Today, و Entrepreneur, وغيرهما, كلها تقريبا تصدر باللغة الانجليزية ومنها باللغات الفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية لكن اللغة العربية لم يكن لها حظ كبير فى هذا المجال. ورغم قيام معظم الصحف بتخصيص صفحات أو ملاحق للاقتصاد، فإن طريقة تعاطيها مع الموضوع وأسلوب كتابة الاخبار أو التحقيقات يبقيها بعيدة عن الجانب التثقيفى وحتى التحليلى للواقع الاقتصادى بشكل عام، والأمر لا يختلف مع القنوات الفضائية التى تهمل مسألة الوعى الاقتصادى إن وفرت مساحة لدعمها فنرى مذيع البرامج الكلامية يتصدى لتقديمها ويحولها الى برنامج بوليسى او قصة حب!. الواقع ان صناعة الصحف المصرية لا تلتفت بجدية لحقيقة الإعلام المتخصص الذى يشارك فى عملية التنمية، وأنه بدون وسائل إعلام متخصصة لا سبيل إلى التطور والتقدم الاقتصادى والاجتماعي، والنهوض بواقع الإعلام الاقتصادى يتطلب انفتاح الدوائر المعنية على توظيف كفاءات واستخدام أدوات التحليل الاقتصادي، وضمان الاحترافية والنزاهة، وفى الوقت الذى تتفوق فيه تقارير إدارة الأعمال بشكل يغطى صفحات الصحف العالمية التقليدية. نجد أن العديد من القضايا المثيرة للجدل التى من بينها تعديلات الضرائب والاتفاقيات التجارية والسياسة البيئية وتأثيرات الهجرة, والتى تنطوى على ليس فقط السياسة بل أيضا على الأعمال والاقتصاد فى شكل ما، لا تناقش إلا من خلال عرض البيانات الصحفية الحكومية وسؤال بعض المارين امام مبنى تلك الصحيفة عن رأيهما. والسبب هو غياب فهم أساسيات الاقتصاد والتفكير النقدى الذى يمكّن الصحفيين من تغطية القصص المهمة بكل دقة وعمق، وبذلك يساعدون قراءهم على فهم القضية وخلفياتها. وفى عصر سيطرة وسائل الاتصال الاجتماعى على تداول المعلومة لم نعد نبحث عن الخبر أو الأرقام ولكن نبحث عن التحليل والرسالة والمعنى للأرقام، نريد من الصحفى الاقتصادى أن يرشدنا ويضيف لنا ابعادا فنية متخصصة ويكون عامل جذب للقراء ويرفع من الوعى المجتمعى بمجالات تأسيس الشركات الجديدة الناشئة ويكشف لهم النتائج والعوائد التى تحققها. إن الطفرة الاقتصادية والتكنولوجية التى تحققت تاريخياً فى الغرب وفى السنوات الاخيرة فى الدول الآسيوية نتيجة نهضة ريادة الاعمال والمشروعات الصغيرة الرائدة التى غيرت مجتمعاتها وساعدت فى احداث ثراء مجتمعى ونهوض اقتصادي, تلفت الانظار لمدى القيمة الكبيرة التى يمكن أن تحققها ريادة الاعمال فى المجتمعات, وبالتالى فإن درجة الوعى والنضح فى توجهات الأفراد وعلاقتهم بعملية القيام بالمغامرة وخاصة الشباب منهم يجب أن تؤخذ بمنتهى الجدية فى اى محاولة للتحول الاقتصادى والنهوض, وضرورة نشر مفاهيم ريادة الاعمال والعمل الحر وتكثيف أدوات نشر الوعى من خلال متخصصين, هذا الإعلام الواعى بدوره سوف يساعد فى تغيير نظرة المجتمع خاصة الشباب للوظيفة والعمل الخاص وتسريع الخطى نحو تنويع القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطنى والمساهمة فى جعل أفراده مشاركين والتعرف على الفرص بالمجتمع واستلهام الافكار المبدعة. إن مصر أطلقت إستراتيجية وبرامج تحول اقتصادى ترتكز على دعم ريادة الاعمال وتحسين بيئة الاعمال وبالتالى يجب على الإعلام الاقتصادى احتضان هذه الرؤى والخطط ودعمها كجزء مهم وضرورى ومساعد لنشر الوعى بالاقتصاد الجديد ومجالاته ورجاله المبدعين الذين سوف ينهضون بالمجتمع ويحققون هذه الرؤى. الاقتصاد يتغير وينتقل من الاعتماد على الخامات ورأس المال الى الأفكار والمعرفة، بالتالى على الاعلام الاقتصادى ان يتغير وينتقل من الاعتماد على نقل الخبر إلى المعرفة والتحليل والقيمة المضافة. لمزيد من مقالات د. عاطف الشبراوى