فى إطار تفاعلات كارثة إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية «ايل-20»، أعلن سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسى عن قرارات «ثلاثية الأبعاد»، أصدرها الرئيس فلاديمير بوتين ومنها تزويد سوريا بالمنظومات الصاروخية «اس-300»، وإجراءات أخرى تستهدف عمليا الحد من عبثية الغارات الإسرائيلية فى المنطقة. وكان الرئيس بوتين رفض استقبال قائد سلاح الجو الإسرائيلى الذى أوفده بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة إلى موسكو عقب مكالمتهما الهاتفية الأسبوع الماضي، فى محاولة لشرح «ملابسات» الكارثة التى راح ضحيتها 15 من العسكريين الذين كانوا على متن طائرة الاستطلاع الروسية.
ولم يفلح المسئول العسكرى الإسرائيلى والوفد المرافق له فى مباحثاتهم مع نظرائهم فى موسكو فى التخفيف من وقع الكارثة وتبديد الاتهامات الروسية. وكانت وزارة الدفاع الروسية فى مؤتمرها الصحفى الذى سارعت بعقده فى موسكو، قد فندت ما روجته المصادر الإسرائيلية من أكاذيب حول مسئولية الجانب السورى تجاه إسقاط الطائرة الروسية، فيما توجه إيجور كوناشينكوف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية بالاتهام المباشر إلى إسرائيل ب«تضليل روسيا والجحود السافر بكل ما سبق وقامت به روسيا الاتحادية من أجل الدولة الإسرائيلية والإسرائيليين فى الفترة الأخيرة». وقال كوناشينكوف «إن ممثلة هيئة الأركان العامة للقوات الجوية الإسرائيلية أخبرت الطرف الروسى خلال المفاوضات عبر الخط الساخن لمنع التصادم العسكرى فى الأجواء، بأن الأهداف التى كان من المخطط ضربها خلال طلعة الطيران الإسرائيلى تقع فى شمال سوريا. لقد جرى هذا الاتصال الهاتفى باللغة الروسية، حيث يتوافّر لدى وزارة الدفاع الروسية تسجيل صوتى لهذا الاتصال». ومضى المتحدث العسكرى ليقول إن «القوات الجوية الإسرائيلية لم تشن غاراتها فى المناطق الشمالية للجمهورية العربية السورية بل فى ريف اللاذقية التى تعد محافظة سورية غربية. أما مدينة اللاذقية فتقع فى منطقة الساحل الغربى السوري»، مؤكدا أن مثل هذا «التضليل الذى قامت به الضابطة الإسرائيلية بشأن منطقة غارات المقاتلات الإسرائيلية لم يمنح الطائرة الروسية «إيل20» فرصة الخروج إلى منطقة آمنة». فى تراجع موسكو عن اتفاقها مع سوريا حول بيعها المنظومات الصاروخية «اس-300» نزولا على إرادة وطلب القيادة الإسرائيلية التى قالت إن إمداد سوريا بمثل هذه المنظومات سوف يكون سببا فى تجميد نشاط سلاح الجو الإسرائيلى فى المنطقة. ولعل ما كشفت عنه وزارة الدفاع الروسية من بيانات كان بمثابة «تحضيرات المدفعية» على حد قول العسكريين، لإعلان «القول الفصل» لموسكو ردا على «جحود وتضليل» القيادة الإسرائيلية التى طالما نكثت بوعودها ونكصت عن تعهداتها ، وعبثت بمقدرات وأمن المنطقة، فلم يمض من الزمن أكثر من 24 ساعة على انعقاد هذا المؤتمر حتى ظهر سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسى على شاشات التليفزيون فى بث مباشر ليعلن بيانه الذى أدان فيه إسرائيل وحملها مسئولية إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية ، فيما كشف عن «تكليف الرئيس فلاديمير بوتين حول إمداد سوريا بمنظومات «اس-300»، فضلا عن إقراره بحقيقة «احتماء» الطائرات الإسرائيلية بالطائرة الروسية، وهو ما أدى إلى إصابتها وأودى بأرواح 15 من أفرادها». ودحض شويجو مبررات الجانب الإسرائيلى الذى اتهمه بالكذب وتضليل الجانب الروسى بقوله «إن الجيش الإسرائيلى لم يبلغ العسكريين الروس عبر الخط الساخن بالغارات الإسرائيلية إلا قبل دقيقة واحدة من بدء الهجوم، فضلا عن انه لم يسلم معلومات دقيقة عن المنطقة التى ستتعرض للهجوم وادعى أن الغارات ستُنفّذ فى شمال البلاد، خلافا للواقع، مما منع الجيش الروسى من إبعاد طائرته من منطقة الخطر». وكشف الوزير شويجو عما سيتخذه الجانب الروسى فى غضون أسبوعين من إجراءات بموجب تكليفات الرئيس بوتين وهى إلى جانب إمداد سوريا بمنظومات «اس-300» ذات القدرات العالية لاعتراض الأهداف الجوية لمسافات تزيد على 250 كم، «إمداد المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوى السورية بنظام آلى للتحكم لا يملكه سوى الجيش الروسى وحده، ما سيضمن الإدارة المركزية لجميع الدفاعات الجوية السورية، ويكفل تحديد ماهية كل الطائرات الروسية الموجودة فى أجواء المنطقة»، إلى جانب «إطلاق الجيش الروسى ما يسمى بالتشويش الكهرومغناطيسى في مناطق البحر المتوسط المحاذية للسواحل السورية، بهدف منع عمل رادارات واتصالات الأقمار الصناعية والطائرات أثناء أى هجوم محتمل على سوريا». ولم يغفل الوزير الروسى الكشف عن تهديد موسكو حول احتمالات المضى إلى ما هو أبعد، مكتفيا بالإعراب عن أمله فى أن «تبرد هذه الخطوة الرءوس الحامية وتدفعها إلى الامتناع عن خطوات متهورة تُعرّض عسكريينا للخطر، وإلا فإننا سنضطر للرد انطلاقا من مقتضيات الوضع الراهن»، على حد قوله. ولعل هذا التصريح تحديدا يمكن ان يكون ردا مباشرا على «عبثية» ما صدر عن افيجدور ليبرمان المنشق السوفيتى السابق الذى يشغل اليوم منصب وزير دفاع إسرائيل، من تصريحات قال فيها «إن تل أبيب لن تتوقف عن شن عمليات فى سوريا ضد الوجود العسكرى الإيراني»، وهو ما سبق وتنبأت به صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية لقولها «إن روسيا يمكن أن ترد عليه «بقص أجنحة إسرائيل وتقييد منطقة تحليق سلاح الجو الإسرائيلى فى أراضى سوريا». وذلك ما أقرته موسكو باتخاذها قراراتها الحاسمة «الثلاثية الأبعاد»، والتى لا يخفف من وقعها حرص الكرملين على تأكيد «أنها لا تستهدف بلدانا ثالثة»، حسب تصريح دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم بوتين .