يتوجه وزير الخارجية الألماني إلي العاصمة التركية أنقرة غدا، لإجراء محادثات سياسية وزيارة المدرسة الألمانية في إسطنبول في اليوم التالي الخميس. هذا هو العنوان المعلن، وسيضاف عليه لاحقا عبارة تفيد بأن وصول هايكو ماس أنقرة ما هو إلا بداية نحو انطلاق سلسلة من الزيارات المتبادلة بين مسئولين رفيعي المستوي من الدولتين، في مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سيكون في ألمانيا يومي 28 و29 سبتمبر الحالى في زيارة أثارت ولا تزال تثير جدلا صاخبا وينتظر أن يمتد حتي بعد انتهائها. لكن بعيدا عن مقولات الانفراجة التي تفاءلت بها حكومة أردوغان وإعلامها، وبعضا منها أدلت به المستشارة إنجيلا ميركل في حديثها عن تحسن العلاقات، ومع ذلك فما زالت هناك أجواء ملبدة بغيوم وضباب كثيف، فرغم رفع العقوبات التي فرضتها الأخيرة ضد أنقرة بسبب حملات الاعتقال التي طالت الآلاف من الأتراك عقب محاولة الانقلاب الفاشلة قبل عامين، فإن برلين ومع نهاية الأسبوع الماضي أعلنت رسميا إلغاء الدعم المالي الذي كان يقدم لمركز الاتحاد الإسلامي التركي التابع لهيئة الأوقاف الدينية الرسمية المقربة من أردوغان والذي يتخذ من مدينة كولن مقرا له، وهو إجراء اعتبره اليسار واليمين الألمانيان معا قد تأخر طويلا. وها هي النائبة بالبرلمان الألماني «البوندستاج» سفيم داجديلين، التي تنحدر من أصول أناضولية، وهذه مفارقة، تعلق قائلة : « من الغريب والخطير أن يتم دعم اتحاد المساجد، الذي يتلقي التعليمات والتوجيهات مباشرة من الحكومة التركية، وأن يكون ذلك بأموال المواطنين الألمان دافعي الضرائب، ليس ذلك فحسب بل إنه استمر حتي بعد فضيحة تجسس الأئمة علي الولايات الألمانية». ووفقا لما تكشف من معلومات وأسرار كان هذا التجسس يتم لحساب زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم في الأناضول، والهدف منه تعقب معارضيه للحيلولة دون تمدد تأثيرهم علي القطاع العريض من الجالية التركية التي يتجاوز عددها ثلاثة ملايين مواطن، تمهيدا لإتمام مشروعه السلطوي، فيما عرف بالانتقال من النظام البرلماني إلي الرئاسي ذي الصلاحيات المطلقة الذي لم يكن مرحبا به البتة من قبل المجتمع الألماني. وقبل ذلك بساعات أزالت السلطات في فيسبادن الألمانية تمثالا مذهبا ارتفاعه أربعة أمتار لأردوغان كان قد نصب في أحد ميادين المدينة، بعد اعتراضات وانتقادات عارمة رافضة بشدة تمجيد «ديكتاتور قمعي معاد للحرية». بالتزامن مع كل هذا أعلن محامي الصحفي بجريدة «دي فيليت» دينيز يوجيل التركي الأصل الذي تم احتجازه خلف الأسوار بسجن سيفري بالشطر الأوروبي من إسطنبول لمدة عام تقريبا، مقاضاة الحكومة التركية التي اعتقلته دون وجه حق، ومطالبتها بتعويض رمزي تبلغ قيمته 2,98 مليون ليرة، أي نحو 400 ألف دولار تقريبا. بالإضافة إلي ذلك يأتي وزير الخارجية الألماني وفي جعبته ملف متخم بالعديد من الطلبات التي يتعين علي الحكومة التركية الاستجابة لها لإعادة تطبيع علاقات بلاده معها، ومن أهم تلك الشروط إطلاق سراح معتقلين ألمان في تركيا، وقال ماس علي هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في فيينا، «يتعين التوصل إلي حل في هذه الحالات»، وذكر ماس أن ألمانيا «أوضحت علي نحو جلي أن اعتقال الألمان السبعة أمر لا يمكن تفهمه»، خاصة أنه تم القبض عليهم لأسباب سياسية. وكانت صحيفة «برلينيير زايتونج» الألمانية قد أشارت إلي أن «أردوغان وانطلاقا من مبدئه سلمونا نسلمكم سيطالب فى أثناء زيارته بإعادة اللاجئين الأتراك الذين هربوا بعد محاولة الانقلاب ضد نظامه إلي المانيا، وسيقترح في المقابل إطلاق سراح المواطنين الألمان القابعين في سجونه لأسباب سياسية» غير أن الجريدة عادت وأكدت أن ألمانيا لن تقبل التفاوض في موضوع كهذا، لأنها ليست مضطرة إلي ذلك». السياسي البارز بحزب الخضر الألماني جيم أوزديمير وهو أيضا من أصول تركية قال إن أردوغان ليس «رئيسا عاديا في نظام ديمقراطي»، لذا يجب ألا يتم استقباله علي هذا النحو في إشارة إلي المراسم الرسمية التي ستقام له، ورغم تأكيده أنه لا يمكن أن ينتقي المرء ضيوفه دائما، إلا أنه شدد علي ضرورة «التوضيح له بشكل لا لبس فيه، أنه لن يتم التسامح مع محاولة تأسيس هياكل قومية تركية متشددة هنا». ومن جانبها رفضت أليس فايدل رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب البديل زيارة أردوغان تماما، وقالت إنه ليس هناك «أدني سبب لوجود دعوة بعد الاستخدام الوقح، وحملات الكراهية، من جانب أردوغان للاعب كرة القدم مسعود أوزيل» وأضافت أنه ليس واردا أيضا أن يتم السماح لأردوغان بإطلاق عرض دعائي آخر في برلين «من أجل التحريض ضد ألمانيا والمجتمع الألماني». وتابعت قائلة: «يجب ألا تتكرر مطلقا أي أحداث كخطاب أردوغان في كولونيا الذي وصف خلاله الاندماج والاستيعاب علي أنه جريمة، وطالب مواطنيه الأتراك الألمان التمسك بأصولهم وتقاليدهم والتأثير في الحكم بألمانيا بصفتهم طابورا خامسا لسياسته» ثم خلصت إلي القول « إن عدم التكيف مع قيمنا ولا دولة القانون الخاصة بنا، فالسيد أردوغان يجب أن يبقي في موطنه». في هذا الصدد، دعا السياسي الألماني البارز أوسكار لافونتين الحكومة الاتحادية إلي الوضوح وعدم توريد أسلحة لأردوغان» وأضاف: «كما يتعين عليها أن توضح أنه لا يمكنها أيضا دعم الطريق إلي ديكتاتورية إسلامية في أي شكل» وبالنظر إلي زيارة أردوغان والاتفاقية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن الهجرة غير الشرعية، قال السياسي الألماني : «المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قامت بتعيين أردوغان حارس أمن، وهي الآن أسيرة سياسته الخاصة». تلك هي بعض الظلال وليست كلها التي تكتنف العلاقات التركية الألمانية، صحيح هناك سعي لتقليل التداعيات لكن قضايا الخلاف والاختلاف تبدو كثيرة، وماس لا يبدو أنه سيترك تركيا عائدا لبلاده دون أن يتلقي ردا واضحا لا لبس فيه علي مطالب حكومته، نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو بدوره حتما سيبلغ رئيسه المأزوم اقتصاديا بأهمية إبداء المرونة الكافية لإحياء جزء من الثقة المفقودة، وحتي لا يفقد المارش العسكري والاستقبال الفخم الذي طالب بأن يحظي بهما خلال زيارته المرتقبة رونقهما.