منذ الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس في30 يوليو1967 وحتي الآن, تعرضت المدينة المقدسة( طوال45 عاما) لمخطط تهويد شامل لم تحقق مثيله الامبراطوريات الاستعمارية السبع الكبري( في مقدمتها الإمبراطوريات الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية). , وليس أدل علي هذا موجات التحرر التي تعالت علي مستوي القارات منذ بداية الستينيات, ولا عجب أن يطلق علي عام1960 عام تصفية الاستعمار, عندما نالت أكثر من16 دولة إفريقية استقلالها خلال شهور هذا العام كمقدمة لموجات التحرير الأخري علي مستوي مختلف القارات. وما أحوجنا, كأمة عربية, إلي تعبئة الرأي العام العالمي لفتح ملف عروبة القدس إعلاميا ودبلوماسيا لتأكيد عروبتها حضاريا وتاريخيا وقانونيا, والتنسيق بين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في عمل دولي مشترك يؤكد الحقائق التاريخية والقانونية بشأن عروبة القدس, ويدحض في الوقت نفسه المزاعم التي يبثها الإعلام الاستعماري والصهيوني لمحاولة تزييف وتشويه تاريخ مدينة القدس وطمس معالمها العربية والإسلامية. ولا عجب أن تعيش مدينة القدس الشريف في وجدان كل مسلم وعربي من منطلق أن القدس ليست مجرد مدينة كسائر المدن التي تعرضت للاحتلال, ولكنها قبل ذلك أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأرض المسجد الأقصي الذي بارك الله حوله. والقدس هكذا مثل أعلي لمدينة السلام, فالمدينة تضم تراثا خالدا لديانات السماء التي انصهرت فيها الجماعات, وتعززت مكانة القدس كمدينة روحية منذ مبادرة الخليفة عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) فتح القدس في السنة السابعة من الهجرة, وأعطي أمير المؤمنين آنذاك عهدا وأمانا لكل سكانها من منطلق مبادئ الإسلام وفي مقدمتها التحلي بروح التسامح والعمل علي مناهضة التعصب والدعوة إلي التعايش بين الأمم والشعوب وطبعها الحكم العربي الإسلامي منذ تسلم مفاتيحها الخليفة العادل عمر بن الخطاب بما عرف من تسامح ورحابة صدر, واحترام للمتدينين بالكتاب ومنح الحريات للجميع في ممارسة العبادة وإقامة الشعائر والحفاظ علي الأماكن المقدسة والتاريخية التي تمثل مجد شعب فلسطين بمسلميه ومسيحييه ويهوده. وانتهاكا لمثل تلك الحقوق التاريخية العربية والإسلامية تواصل إسرائيل حاليا وأكثر من أي وقت مضي حملات واسعة ومحمومة تستهدف تهويد القدس كلية بمقدساتها ومعالمها الدينية والتراثية الإسلامية والمسيحية, من مبان ومؤسسات وأسوار ومساجد وكنائس, التي تشارك فيها شركات إسرائيلية بهدف التزوير المتعمد لتاريخ القدس وتراثها. وتتابع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية( قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة) مثل تلك الانتهاكات الصارخة وغير المسبوقة, فإسرائيل تستهدف أساسا رسم حدود بلدية القدس عن طريق ضم الكتل الاستيطانية الضخمة وجدار الضم والتوسع العنصري الذي يحيط بالمدينة من كل جوانبها. وهذا يعني أن إسرائيل تطمع في رسم حدودها المستقبلية لمدينة القدس, بمعني أن مدينة القدس ستكون لا قدر الله ذات أغلبية يهودية مطلقة مقابل أقلية عربية, وسيكون ذلك عبر هذه الكتل الاستيطانية داخل حدود بلدية القدس, ويوضح المخطط الإسرائيلي في هذا المجال مشروع توسيع تلك الحدود بشكل كبير جدا سواء بالشرق باتجاه كتلة معاليه أدوميم وفيها حاليا أكثر من160 ألف مستوطن, وأيضا كتلة غوش عنتصيون وتضم نحو ثماني مستوطنات التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة القدس لتمتد حتي غور الأردن لتصبح جزءا من القدس الكبري وتكون البلدة القديمة في قلبها. ويكشف المفكر المقدسي خليل التفجكي مخطط التهويد في القدس الكبري, ويؤكد أن إقامة المستوطنات وشق الطرق للربط بين المستوطنات, بالإضافة إلي نقل سكان دولة الاحتلال إلي الإقليم المحتل يعد انتهاكا للقانون الدولي ولكل المبادئ والاتفاقيات الدولية ومنها لائحة لاهاي لعام1907, واتفاقيات جنيف الرابعة لعام1949, وميثاق الأممالمتحدة, والعهدين الدوليين للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحقوق المدنية والسياسية, كما أن إقامة المستوطنات وشق الطرق ونقل السكان انتهاكات مناقضة لميثاق حقوق الإنسان الصادر عام1948 بجانب أنها مخالفة للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة, فمن المعروف في القانون الدولي أن طبيعة الحكم العسكري الاحتلالي( الاحتلال الإسرائيلي نموذجا صارخا) تكون مؤقتة وتزول بزوال الاحتلال, كما أن الاعتبارات الشرعية والقانونية اعتمدت فقط المصالح الأمنية في المنطقة وتأمين مصالح السكان المدنيين بها, ولا يجوز للقوة المحتلة اعتماد أي مصالح وطنية أو اقتصادية أو اجتماعية لها, مادامت هذه الاعتبارات لا تتطلبها المصلحة الأمنية. وفي إطار مثل تلك المبادئ القانونية العامة فإنه لا يجوز لقوات الاحتلال الإسرائيلي بناء أي مستوطنة علي الإقليم المحتل أو حتي شق طريق لخدمة المستوطنة, وإنما تنطبق عليه قواعد الاحتلال الحربي, وعلي المحتل أن يتخذ كل ما يستطيع من تدابير ليستعيد ويضمن إلي أقصي حد ممكن النظام العام والسلامة مع احترام القانون الساري في البلد, إلا إذا منع من ذلك منعا مطلقا. أما اتفاقية جنيف الرابعة عام1949 فقد أعطت المادة(49) عناية خاصة للأراضي المحتلة من أجل حماية السكان المدنيين من سلطات الاحتلال حيث تحظر تماما وبنصوص لا تقبل أي لبس إقامة قوات الاحتلال المستوطنات المدنية في الأراضي المحتلة بغض النظر عن طبيعة هذه المستوطنات, فأشارت إلي أنه لا يجوز للقوة المحتلة أن ترحل أو تنقل بعض أفراد شعبها من المدنيين إلي الأراضي التي تحتلها.