تتحول بعض النساء ما إن ترزق بطفل إلى ملكة نحل, فتتخلص من الأب بالإقصاء وتركز كل همها على ابنها «أو ابنتها» بوصفه مشروع العمر، وهذا لا ضير فيه، فتربية الأبناء هو الإنجاز الأكبر لأى أم أيا كان وضعها الاجتماعي، الضرر هو إغفال مسألة التخطيط والإعداد المطلوبة لإنجاح أى مشروع والتركيز على اقتناص أفضل الامتيازات والمكاسب لهذا المشروع دون غيره. فكثير من الأمهات, ونظرا لغياب الثقافة التربوية، تغذى الأنانية وعدم القدرة على المواجهة داخل الطفل خلال سنوات عمره الأولى عن طريق التدليل الزائد والعناية والحماية المبالغ فيها وتلبية كل رغباته دون أن تطلب منه التعاون فيحدث لديه نوع من الاكتفاء الذاتى والعزوف عن مشاركة الآخرين. وفى المدرسة، تمارس الأم كل أنواع الضغوط ليجلس ابنها فى الصف الأول حتى لو لم يكن قصير القامة، أو نظره ضعيفا. وتلاحق المدرسين والمدرسات بالتوصية على ابنها. وتتابع جروبات الأمهات «الماميز» على الواتس لتطلع أولا بأول على ما يدور فى الفصل وربما تنظم حملة شعواء ضد أحد المدرسين أو أحد التلاميذ. وفى أى موقف سيىء يتعرض له الابن لا تلقى بالا للملابسات أو الأسباب أو تحاول تلقين ابنها درسا للاستفادة مما حدث والتعرف على وجهة نظر الآخرين، وإنما تتعامل مع الموقف بمنطق انصر ابنك ظالما أو مظلوما، وهكذا يتعلم منذ نعومة أظفاره أن الصوت العالى والسباب هما السلاح الأمضى لتحقيق أى مأرب. وفى النادي، ورغم أن الهدف الأسمى من ممارسة الرياضة هو غرس الروح الرياضية فى نفس الطفل وتعليمه المشاركة والتعاون مع الآخرين، فإن التمرينات تحولت إلى حلبة أخرى للحصول على امتيازات. كل أم تسعى للحصول على رضا المدرب عن طريق المجاملات والهدايا، والضغط عليه للاعتناء بابنها دون اللاعبين الآخرين، ولا مانع من مساءلته ومراجعته مرات ومرات فى اختياراته وقراراته الخاصة بالفريق. وهن، بعون الله، من خلقن رواجا للبرايفيت، أى الدروس الخصوصية فى اللعبة!. وهكذا تتبلور شخصية المواطن الأنانى الذى يتصرف وكأنه يعيش على الكوكب بمفرده ولا وجود للآخر. هو الجار الذى يلقى بالقمامة أمام المبنى أو فى المنور ولا يراعى أى حقوق للجيرة ويتقاعس عن المشاركة فى أى شيء يتعلق بصيانة العمارة. هو قائد السيارة الذى لا يرفع يده عن آلة التنبيه، ويصف سيارته مكان سيارتين، أو يغلق مدخل جراج منزل، أو يلقى بسيارته فى عرض الطريق وليذهب الآخرون إلى الجحيم. هو العميل الذى لا يلتزم أبدا بدوره فى الطابور ويستغل أى فرصة للشجار. هو زميل العمل الذى يعمل بأقل طاقة لديه ويطالب بكل حقوقه ويشكو طول الوقت من الاضطهاد وإهدار إمكاناته. هو المدرس الذى يضن بالشرح فى الفصل ولا يسعى وراء شيء آخر غير كسب المال من الدروس الخصوصية. هو الفنان الذى يرفض البطولات الجماعية، واللاعب الذى لا يعترف بروح الفريق. لذا سيدتي، مشروعك هو مشروعنا كلنا ولا ننكر حقك فى أن يكون ابنك متقدما ومتميزا، ولكن ليس شرطا أن يكون ذلك على أكتاف الآخرين، فالعالم يتسع لنا جميعا. لمزيد من مقالات هناء دكرورى