في شهر مارس الماضي وتحت نفس عنوان هذا المقال نشرنا مقالا عن الاقتصاد المصري توقعنا فيه أن يحقق هذا الاقتصاد تقدما كبيرا استنادا إلي العديد من المؤشرات التي كنا نقرأها كمصرفيين مواكبين لمسار تطور الاقتصاد المصري علي مدار الثلاثين عاما الماضية. وقلنا إن ما تحقق من إنجازات مشهود لها خلال السنوات الخمس الماضية تعزز القناعات لدينا بأن أساسيات نجاح أي اقتصاد في التقدم هي الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي مع وجود الرؤية الحكيمة لإدارة الاقتصاد. وبالاستناد إلي هذه الأساسيات، فقد توقعنا أن يواصل الاقتصاد المصري تقدمه ويحقق المزيد من الإنجازات، حيث نجحت القيادة السياسية الجديدة لمصر في أن تستعيد ثقة المواطنين ومجتمع الأعمال والمستثمرين، وكذلك المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري ومستقبل أداءه. وانعكس ذلك إيجابا علي التقارير الدولية الصادرة مؤخرا حول الاقتصاد المصري عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات التصنيف الدولية, فقد أشاد صندوق النقد الدولي في تقريره الذي صدر قبل أيام باستمرار تحسن الوضع الاقتصادي خلال 2018 بعدما تبنت الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية حزمة متنوعة من السياسات والإجراءات في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت محطته الرئيسية في نوفمبر 2016 بتحرير سعر الصرف إلي جانب عدد من الإجراءات الخاصة بضبط أوضاع المالية العامة وتعزيز السياسة النقدية وتحفيز الاستثمارات، ما أسهم في تحقيق ثمار ايجابية انعكست في تعافي العديد من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية. وقد انعكس ذلك علي الأرقام والمؤشرات الاقتصادية المعلنة والتي أوردتها النشرة الاقتصادية الأخيرة للبنك الأهلي المصري، حيث حقق الاقتصاد المصري معدل نمو 5.2% خلال النصف الأول من العام المالي 2017/ 2018 مقابل 3.6% خلال ذات الفترة من العام الماضي، مع استهداف الوصول الي نسبة 7% بحلول عام 2021/2022، وذلك في ضوء استمرار تنفيذ الإصلاحات الهيكلية. وعمد البنك المركزي المصري إلي تشديد السياسة النقدية بصورة مؤقتة لاحتواء الضغوط التضخمية التي تسارعت وتيرتها منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 وهو الأمر الذي سجل نجاحا ملحوظا ليشهد معدل التضخم العام تراجعا تدريجيا ليتراجع إلي 14.4% خلال شهر فبراير الماضي. كما انخفض معدل البطالة إلي أدني مستوي له منذ عام 2011/2012 ليسجل 11.2% في نهاية الربع الثاني من عام 2017/2018 وهو ما يعكس تحسن معدل النمو، كذلك ارتفعت الاستثمارات الكلية المنفذة في خطة الدولة خلال النصف الأول من عام 2017/2018 لتصل إلي 353 مليار جنيه بنسبة ارتفاع 46%، وبلغ حجم الاستثمارات العامة 95 مليار جنيه خلال الربع الثاني من عام 2017/2018 بنسبة ارتفاع 86% . كما شهدت المعاملات الخارجية للاقتصاد المصري تحسنًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، حيث بلغ الفائض الكلي لميزان المدفوعات خلال النصف الأول من عام 2017/2018 نحو 6.5 مليار دولار، وهو الأمر الذي يعزي إلي تراجع عجز الميزان التجاري بنسبة 64% ليقتصر علي 4.3 مليار دولار مقابل 4.9 مليار في النصف الأول من عام 2016/2017، نتيجة ارتفاع تنافسية الصادرات وزيادتها بنسبة 15.4%، في حين ارتفعت الواردات بنسبة طفيفة بلغت نحو 4.5%. هذا بالإضافة إلي ارتفاع الإيرادات السياحية وكذا تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 214% و29% علي التوالي. كما ارتفع صافي الاحتياطيات الدولية ليسجل 37 مليار دولار في ديسمبر 2017 مقابل 31 مليارًا في يونيو 2017، ولتواصل ارتفاعها إلي 43 مليار دولار في نهاية فبراير 2018. ووسط ذلك كله، حرصت الحكومة علي الارتقاء ببرامج الحماية الاجتماعية وتطوير آليات استهداف الدعم للوصول الي الفئات الأوْلي بالرعاية، حيث أقرت حزمة متكاملة من الإجراءات المالية والاجتماعية بمبلغ 85 مليار جنيه إضافية لدعم شبكة الحماية الاجتماعية.