سيطرت أمس حالة من الصدمة علي الأوساط السياسية والشعبية في جنوب أفريقيا بعد أحداث العنف الدموي التي وقعت أمس الأول- الجمعة- بين الشرطة وعمال أحد المناجم المضربين عن العمل وأسفرت عن مقتل34 عاملا وإصابة78 في أعنف عملية أمنية منذ نهاية حقبة التفرقة العنصرية التي عانت منها البلاد. فقد أعادت تلك الأحداث إلي الأذهان ذكريات مؤلمة عن الماضي العنصري التي شهدته جنوب أفريقيا, فخرجت العناويين الرئيسية للصحف المحلية أمس صادمة, ومنها علي سبيل المثال حمام الدم وحقل القتل ومذبحة المنجم. كما نشرت الصحف صورا لضباط شرطة مدججين بالسلاح من السود والبيض يسيرون بجوار جثث رجال سود مخضبة بالدماء وسط الأتربة. وتساءلت صحيفة سويتان في مقال افتتاحي عما تغير منذ عام1994 عندما انتصر نيلسون مانديلا علي هيمنة البيض التي دامت ثلاثة قرون ليصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا. وقالت الصحيفة التي تحمل اسم أكبر بلدة للسود في البلاد حدث ذلك في هذا البلد من قبل عندما كان نظام الفصل العنصري يعامل الناس كأشياء, وأضافت هذا مستمر بشكل مختلف الآن. ورغم تأكيدات رياه فييجا قائدة الشرطة الجنوب أفريقية أن الضباط كانوا في حالة دفاع عن النفس ضد عمال منجم لونمين الذين هاجموهم بالأسلحة في مدينة ماريكانا شمال غرب جوهانسبرج, إلا أن معهد جنوب أفريقيا للعلاقات العنصرية شبه الحادث بمجزرة1960 التي وقعت في بلدة شاربفيل القريبة من جوهانسبرج عندما فتحت شرطة النظام العنصري في النار علي حشد من المحتجين السود فقتلت أكثر من50 منهم. ومن جانبه, قطع الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما زيارته إلي موزمبيق حيث كان يحضر قمة إقليمية متوجها إلي ماريكانا, وأعلن أنه أمر بفتح تحقيق رسمي فيما وصفها بالأحداث الصادمة. وقال زوما في بيان تلاه في مؤتمر صحفي خلا من الأسئلة هذا غير مقبول في بلدنا, وهو بلد يشعر الكل فيه بالارتياح, بلد يتمتع بديمقراطية يحسده الجميع عليها. ودعا زوما الذي يواجه انتخابات داخلية في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في ديسمبر المقبل إلي الحداد العام. وفي واشنطن, أعرب البيت الأبيض عن حزنه لسقوط قتلي, مؤكدا ثقته في التحقيقات الحكومية بشأن الحادث, وقال جوش إيرنست نائب المتحدث باسم البيت الأبيض: إن الشعب الأمريكي حزين بسبب الخسارة المأسوية للأرواح ونعرب عن تعازينا لعائلات الضحايا. وتابع قائلا نحث جميع الأطراف علي العمل معا لحل الموقف سلميا. جدير بالذكر أنه رغم الوعود بحياة أفضل لجميع سكان جنوب أفريقيا البالغ عددهم50 مليونا, فإن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم يواجه صعوبة لتوفير الخدمات الأساسية للملايين في بلدان السود الفقيرة. وكانت نتائج الجهود الرامية لإصلاح التفاوت الاقتصادي لنظام التفرقة العنصرية متباينة. ويتعرض قطاع المناجم بشكل خاص لانتقادات المتشددين في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذين يرون أنه معقل لرأس المال للبيض. وفي غضون ذلك, تعهد أمس بعض عمال المنجم بمواصلة القتال إلي الموت من أجل تحقيق مطالبهم بمضاعفة أجورهم, مؤكدين استمرار إضرابهم عن العمل, في حين احتشد عدد من زوجات العمال المضربين في وقفة احتجاجية ضد عنف الشرطة, ورفعن لافتات كتبن عليها أيتها الشرطة توقفي عن قتل أزواجنا وأبنائنا, وماذا فعلنا؟. علي صعيد الأوضاع علي الأرض, أسهم وجود مئات من قوات الشرطة التي تدعمها المركبات المدرعة وطائرات الهيليكوبتر في إشاعة جو من الهدوء المشوب بالحذر في أرجاء السهول الترابية حول منجم لونمين. وقام رجال البحث الجنائي بتمشيط المنطقة التي تم تطويقها وجمع الطلقات الفارغة والأسلحة البيضاء والرماح المخضبة بالدماء التي كان عمال المناجم يحملونها.