العاجل أن تستعيد «القوة الناعمة» للفن المصرى مائة ألف سائح مغربى اختطفتهم المسلسلات والأفلام التركية مستخدمة إغراء الصورة سلاحا انتصرت به.. المشهد الأنيق الذى استقبل به فيلم «كارما» ومخرجه خالد يوسف من نخبة إعلامية وفنية يتناسب عكسيا مع الصورة التى حملها الفيلم عن الشارع الذى ندفعهم للعودة إليه سائحين..! فى كازابلانكا, امتلأت قاعة ميجاراما التى تبعد أمتارا عن المحيط الهادر بالمئات من الوجوه الناعمة المتدفقة حيوية ونشاطا ورغبة فى وجبة مصرية فنية.. مبهرة ومبهجة لا سوداء كئيبة.. تطور فى الصورة والكادر يليق باسم مخرج هو الأشهر.. رؤية لا حكما.. صورة لا حكيا وكسلا فنيا مشهودا.. ثنائيات فنية ومبارزة فى الأداء بين «سعد والصاوي» ليس حوارا ميتافيزيقيا خائبا.. فيلم يبقى فى ذاكرتهم الجاهزة للاستقبال كما بقى «ابن رشد» لأستاذ المخرج ومعلمه يوسف شاهين. شاهد المغاربة الفيلم ولكن أحدا فى القاعة لن يكتب عن مصر وزيارتها «خبرعابر ليس أكثر». لم يذاكر «يوسف» كازابلانكا قبل أن يحط رحاله بها، فمحور حدوتة فيلمه تقوم على رجل الأعمال الذى يسعى لهدم حى فقير، هذه الصورة تجاوزتها كازابلانكا فقد طورت عشوائياتها وعمرت أحياء فقرائها ولم تستمع لنضال الزائفين، ووقتما كان «يوسف» يخرج لنا «هى فوضي» كانت كازابلانكا تبنى نفسها وتجدد ثوبها . لكن صورة خالد يوسف جاءت منفرة ومكررة، كما أفلامه السابقة. يحكى لى مغاربة من جيلى كيف أن أقصى أمانيهم الجلوس على مقهى «ليالى الحلمية» تأثرا بالمسلسل فمن يرغب فى زيارة «مصر خالد يوسف»؟! الذى تصدر وحده للكاميرات التى جمعت له يسبقه ضجيج أفلامه وغاب باقى صناع الفيلم. الرسائل الملتبسة التى حملها الفيلم وحاول تمريرها لم تصل، ورأته سلمى الشافعى المدير الفنى لأكبر شركة إنتاج مغربية التباسا يتحمل نتيجته المخرج «الذى أضاعنا فى تفاصيل كثيرة كنا فى غنى عنها ولو قام بحذفها لربما وصل إلى ما أراد قوله» قاعة «ميجاراما» تلاقت فيها أطياف صحفية وجملة من التيارات المتناقضة والمتصارعة تتطلع إلى حلول تحمل الخلاص من واقع صعب على الجميع، ومليء بالأحداث الساخنة على الأرض التى تتعدى «كارما» فالصدمة من حكم السجن 20 عاما على «الزفزافي» ذلك الشاب الذى تصدر مشهد «الحسيمة» تاركة أثرها على الوجوه الحاضرة.. ومثار حوارات جانبية، ولكنهم جاءوا طامحين لعمل فنى يحمل رؤية وحلا لواقع يعيشونه، فابتلوا بخالد يوسف يذيقهم مشاهد فقر مؤلم وواقع مأساوى لبلاد هى ضوء الشمال بالنسبة لكثيرين ولطالما كانت منيرا.. ربما لم يلتقط خالد يوسف ذلك الضجيج الذى صاحب أقل الأدوار فى الفيلم «دلال عبد العزيز» المصرية الشعبية البسيطة ومرادفاتها «بلغة الحوارى» وهو إعجاب مغربى قديم يمتد منذ أفلام الابيض والأسود. جاء «مختار لغزيوى» رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية ودماغه مثقلة بما فعلته به المذيعة رشا قنديل على شاشة البى بى سى وإضاعة حقه فى الرد على اتهامات والد الزفزافى، بأنه لا يقف فى جانب العدالة والحق والثورة.! وتطارده تداعيات كشفه الصحفى للاختلالات النفسية والجنسية التى كانت سببا لإدخال «بوعشرين» المناصر لقطر غياهب السجون المغربية، فإذ به يشاهد فيلما وثائقيا للفقر فى مصر مثل أفلام البى بى سى ولا يقل عنها خبثا. لم يحظ «الغزيوي» بعدل من قانون «كارما» ولم يخرج برؤية تناصره فى حرب بلاده ضد الفكر المتطرف ومن يقف وراءه.. وتلقى بسخرية طفولية حقيقة أن خالد يوسف هو يسرى فودة وعلاء الأسوانى كما مذيعى «الجزيرة» فخاب ظنه بعد مشاهدته الفيلم وأكمل يومه الحزين!. الطموح الذى صاحب الاحتفاء المغربى بالفيلم دفع بكلمات ذكية ومنتقاة قدم بها الفيلم السفير المصرى بالمغرب أشرف إبراهيم الذى تسلم عمله منذ شهور ويبدو مدركا لقيمة وأهمية المشاركات الفنية فى إحداث تواصل سريع مع الأوساط كافة هناك، وأن الفن قادر على مساعدته على أختراق مجتمع يثق فى الرسائل الفنية القادمة من مصر، فاختار العبارات الانيقة كما ملابسه ودعا الحضور لمشاهدة ممتعة «الأمر الذى لم يتحقق». السفير المصرى بالمغرب أشرف إبراهيم والمخرج خالد يوسف سألت خالد يوسف ولم أنتظر إجابة فهو «حاوي»: لماذا يبدو من الصعب عليك أن تخرج فيلما يجذب سائحا، ويعلى قيمة.. «وقتها هنلاقى فلوس نروح إفلامك». كازابلانكا.. المدينة المغربية العنيدة التى يصعب اختراقها بدت جاهزة مرة أخرى لاستعادة الدور المصرى المفقود وفتحت صدرها للقوة الناعمة التى تمثلها السينما المصرية وباتت مطلبا ملحا وضرورة عاجلة خاب ظنها أيضا ورجعت كما نحن مهزومين بلا مبرر وضحايا بلا ثمن .