جامعة الزقازيق تعلن انتظام الدراسة بجميع الكليات (صور)    السيسي يدعو مجلس النواب للانعقاد بداية أكتوبر - نص القرار    كيف تتأثر أسواق الذهب عالميا باغتيال حسن نصر الله؟    إقبال كبيرة من أهالي الإسماعيلية على شادر لحوم حياة كريمة.. أسعار منافسة    «القاهرة الإخبارية»: الشارع اللبناني يعيش صدمة كبيرة بعد اغتيال حسن نصر الله    كيف علق أبو عبيدة على استشهاد حسن نصر الله؟    فيفا يعاقب إيميليانو مارتينيز حارس الأرجنتين بالإيقاف مباراتين في تصفيات المونديال    تجديد حبس التيك توكر "وحش الكون" بتهمة نشر فيديوهات مخلة    ضبط 15 ألف قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    «وكيل صحة الشرقية» يطمئن على الحالات المصابة ب«النزلات المعوية»    نتيجة المدينة الجامعية جامعة الأزهر 2025.. الرابط والموعد وخطوات الاستعلام    الحكم على سعد الصغير في اتهامه بسب طليقته، 26 أكتوبر    بسبب أحداث لبنان وغزة.. أيمن زيدان يعتذر عن تكريم الإسكندرية السينمائي    تشييع جنازة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي (صور)    زوج شيماء سيف يهنئها بفوز الزمالك: "أنتِ وش السعد"    توقعات مواليد برج الميزان.. اعرف حظك وأبشر بانفراجة    دفاع طليقة سعد الصغير يقدم فيديوهات تثبت جريمته بتهمة السب والقذف    رئيس «الرعاية الصحية» يلتقي الرئيس المؤسس لمجموعة أكيوميد ACCUMED العالمية    ننشر حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    شبورة كثيفة ونشاط رياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدا    الحوار الوطني يواصل تلقي المقترحات والتصورات بشأن قضية الدعم    رئيس جامعة بنها: مصر محاطة ب كُرة من اللهب    وزير الدفاع يشهد تنفيذ مشروع تكتيكي بالذخيرة الحية بالجيش الثالث الميداني    "قالوا عليا مجنون".. مالك وادي دجلة يعلق على مباراة السوبر الأفريقي    بالصور- رئيس الوزراء يتفقد أعمال تطوير مطار سانت كاترين الدولي    جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية على رأس اهتمامات مبادرة «ابدأ»    رئيس الوزراء يزور منطقة وادي الدير بمدينة سانت كاترين    ما حكم كشف قَدَم المرأة في الصلاة؟.. تعرف على رأي الإفتاء    رئيس الوزراء يوجه بضغط البرنامج الزمنى لتنفيذ مشروع "التجلي الأعظم" بسانت كاترين    «تربية رياضية كفر الشيخ» تحصل على الاعتماد من «الضمان والجودة»    زراعة الشرقية: التصدى لأى حالة تعد على الأرض الزراعية    «الفريق يحتاج ضبط وربط».. رسالة نارية من نبيل الحلفاوي لإدارة الأهلي بعد خسارة السوبر الأفريقي    الإسكان تكشف الاستعدادات فصل الشتاء بالمدن الجديدة    إحالة شخصين للجنايات بتهمة خطف فتاة لطلب فدية بالمطرية    ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى 41586 شهيدا و96210 مصابين    القاهرة الإخبارية: نتنياهو وافق على اغتيال حسن نصر الله قبل كلمته بالأمم المتحدة    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    وزير الشباب والرياضة يفتتح أعمال تطوير الملعب الخماسي بمركز شباب «أحمد عرابى» في الزقازيق    مرض السكري: أسبابه، أنواعه، وعلاجه    بعد واقعة النزلات المعوية.. شيخ الأزهر يوجه ب 10 شاحنات محملة بمياه الشرب النقية لأهل أسوان    أول قرار من كولر تجاه لاعبي الأهلي بعد العودة من السعودية    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    علي جمعة: سيدنا النبي هو أسوتنا إلى الله وينبغي على المؤمن أن يقوم تجاهه بثلاثة أشياء    وكيل صحة البحيرة يزور مركز طب الأسرة بالنجاح| صور    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا جديدا أُطلق من لبنان    «الزراعة»: مصر لديها إمكانيات طبية وبشرية للقضاء على مرض السعار    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديموقراطية    "لا تقلل من قوته".. لاعب الزمالك الأسبق يحتفل بالتتويج بكأس السوبر الأفريقي    وزير خارجية الصين يشيد بدور مصر المحوري على الصعيدين الإقليمي والدولي    «الداخلية» تحرر 508 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وتسحب 1341 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    توافد العشرات على ضريح عبد الناصر فى ذكرى رحيله ال 54    أوستن: لا علم للولايات المتحدة بيما يجري بالضاحية الجنوبية لبيروت    سعر الفراخ اليوم السبت 28 سبتمبر 2024.. قيمة الكيلو بعد آخر تحديث ل بورصة الدواجن؟    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    أول رد فعل من حزب الله بعد استهداف مقر القيادة المركزية للحزب    "ظهور محتمل لمحمد عبدالمنعم".. مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دندنة
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 07 - 2018

سمَّعنى.. اطربنى.. اشجيني.. ارأف بحالى وغنى لى غنوة ألحانها حلوة تأخذنى بعيدًا.. ترحل بى على جناح الشوق كله.. تؤرجحنى تهدهدنى تفسحنى تواسينى تسلينى، تسقينى رحيق الشهد، تصبرنى تفكرنى تسهرنى تسفرنى ترجعنى.. تقارب كلماتها ظنى، وتمسح بالنغم دمعى، وتسكب فى عروقى سلام.. الحكاية قسمًا عظمًا ليست حكاية رتم ولا نص تون ولا كونشرتو ولا سيمفونية ولا موسيقى حُجرة ولا جهار ولا جيتار ولا مايسترو ولا كونترباس ولا شوبان ولا شومان ولا خاتشادوريان ولا فيانولا ولا بيانولا ولا حسب الله ولا يوهان سباتيان باخ ولا إيقاعات ولا
مقامات، ولا كورساكوف ولا كورس ولا سوناتا ولا تشيللو ولا طبلة ولا رق ولا عود ولا ربابة وناى، ولا كنت فين يا على وأمك بتدوّر عليك.. الحكاية نغمة تدخل قلبك، تسكن روحك، تشنف أذنيك، تزلزلك، ترقصك، وتقلب كيانك، تنتشى، تنفعل، تقف على حيلك، تصفق، تقول كمان وتبارك الله وما لها مثيل وإيه ده يا شيخة وعظمة على عظمة يا ست، وتانى تانى لأجل النبى.. و.. تصبح فى وئام موفور الانسجام، اللحن يجرى فى دمك، متربع على لسانك تردده نومًا ويقظة، ويفضل يزن يطن يوش فى دماغك.. تدندن به بلا مناسبة فى الطالعة والنازلة وقبل الأكل وبعد الأكل وفى الحمام ووسط الزحام..
وأنا اللى كنت ملتزمة السماع لموسيقى البرنامج الثانى فى الراديو، وبعدها أسيرة لغواص فى بحر النغم لعمار الشريعى، وتلميذة مُنصتة بانبهار لأستذة كل من رتيبة الحفنى وسمحة الخولى، والآن لم يعد يدخل نافوخى مرجعًا وناقدًا ومحللا فى عالم الموسيقى والطرب سوى آخر الملحنين المحترمين حلمى بكر الذى قدم 1500 لحن لكبار المطربين مثل ليلى مراد ونجاة ووردة ومحمد الحلو وعلى الحجار وأصالة ومدحت صالح، إلى جانب 48 مسرحية منها «موسيقى فى الحى الشرقى» و«سيدتى الجميلة» وغنت له شادية من كلمات مصطفى الضمرانى «ماتقولشى إيه ادتنا مصر قول حندى إيه لمصر» ليحصل بعد أوبريت «الحلم العربى» على جائزة القوات المسلحة.. حلمى الذى نجا بأعجوبة من حادث سيارة فى ابريل الماضى كان ضيفًا من قريب على شاشة التليفزيون يقدم بأستاذية المتذوق روائع الموسيقار محمد القصبجى ليحلل لنا الكثير عن أعماله مثل «يا صباح الخير ياللى معانا، ونصرة قوية، ومدام تحب بتنكر ليه، وأيها الفُلك على وشك الرحيل، وليت للبراق عينا» و«مش ممكن أقدر أصالحك وكمان ماأقدرش أخاصمك» و«أنا شايفاك من وراء جرنالك قال عامل مش واخد بالك ادفع زكى عن أموالك حسنة وربك يكتبها لك»، وأن بداية القصبجى الحقيقية كانت فى عام 1928 حين طالع الجمهور بما يعتبر تحولا جديدًا فى تاريخ الغناء العربى وهى أغنية «إن كنت أسامح وأنسى الأسية، مخلصشى عمرى من لوم عنيه» الأغنية التى سجلتها أم كلثوم على اسطوانة شركة الجرامفون التى عرضت عليها عرضين: إما أن تتقاضى مبلغ ثمانين جنيها على تسجيل الأغنية أو تحصل على خمسة قروش عن كل اسطوانة تباع، ففضلت ثومة العرض الأول، وكان المكسب الكبير من نصيب الشركة التى باعت منها مليون نسخة، فلو أن أم كلثوم رضيت بالعرض الثانى لكان نصيبها فى ذلك الوقت خمسين ألفا من الجنيهات.. ويعيد الملحن حلمى بكر الفضل للقصبجى فى تصميم مقاييس جديدة وأحجام مختلفة للعود، حتى يمكن توسيع مسافة النغمات أكثر من منطقة الجوابات والقرار، لذلك عَمَدَ إلى استخدام قواعد حسابية ونظريات هندسية فى تحديد طول الوتر وسُمكه «من الأنف إلى الفرس» وفى تجويف «القصعة» وكان يرى أن وتر العود لا يجب أن يزيد طوله عن ستين سنتيمترًا حتى لا تضيع نغماته هباءً، ومن هنا عمد إلى تحسين تجويف قصعة العود، وزيادة عدد الأوتار وضبط وتر البكاه على نغمة قرار الجهاركاه.. ويروى بكر عن مدى إخلاص وتعلق القصبجى بأم كلثوم التى رفضت مقدمته الموسيقية الطويلة لأغنيتها التى لحنها من أجلها «رق الحبيب» فامتثل صاغرًا لرأيها وفصلها ليجعلها قطعة موسيقية منفردة، وكانت فى ذلك الوقت قد أبدت له امتعاضها من تعدد ألحانه لبعض المطربات أمثال أسمهان وليلى مراد ونورالهدى وشادية وهدى سلطان وصباح فتقوقع فى مقعده بالتخت أمامها يسمع الكلام ويعزف لها وحدها أنغامه العبقرية، وعندما عادت يومًا من أمريكا بعد رحلة نجاح علاجها من مرض خطير التقاها القصبجى مع جمع من زملائه من بينهم الدكتور عالم الموسيقى محمود أحمد الحفنى فى عرض البحر بزفة كبيرة تغنى فيها سعاد محمد من ألحانه «الفن من فرحة أهله حالف ما ينام» و..من بعد وفاته ظل مقعد القصبجى ابن عام 1886 شاغرًا فى تخت أم كلثوم حتى خشى معهد الموسيقى العربية أن تخلو الفرق الموسيقية الأخرى من آلة العود العربية الأصيلة فأرسل إليها لملء الفراغ بشخصية من تلاميذه فاستجابت واختارت تلميذه عبدالفتاح صبرى ليشغل مكانه.
وحول الإلهام قال يومًا الموسيقار زكريا أحمد صاحب ال1070 أغنية إلى جانب 56 أوبرا وأوبريت إن اللحن لا يوجد من يؤديه كما أريده إلا أم كلثوم التى تسمعه منى مرة وتغنيه معى فى الثانية وفى الثالثة تغنيه وحدها، وفى وصفه للجو المُلهم قال بأنه يرتاد للإمساك به حدائق مصر كلها، ويسير فى الشوارع، ويركب الترام، وينصت إلى زمارة الكمسارى، ويتبع بائع الذرة المشوية ليسمع تنويعات ندائه على كيزان العسل، حتى يقبض على مفتاح اللحن، وقد يمر به أصدقاؤه أثناء تجواله والبحث عن الإلهام فلا يرد تحياتهم، وقد تلتقى أنظاره بأنظارهم فلا يراهم لأنه يُفكر بعقله وأعصابه ووجدانه فى وضع لحن جديد.. وحول عملية التلحين ذاتها يقول زكريا: «إننى أتعرى من شخصيتى هذه المرئية لألبس شخصية المغنى، ولا أعنى هنا أننى أخضع له لكنى أنقر على حنجرته ثم أخلق من ذاتى ذات المغنى، ثم أعلمه لحنى وأتركه يغنى، وأصفق له إذا أجاد. إننى مستودع من البشر مملوء بمختلف العواطف والقوى، فكلما احتجت إلى استدعاء أحدهم مددت يدى إلى قلبى وأخرجت منه نغمة تختلج لتتدفق فى منافذ قلوب الناس».. وليس أجمل من ليلة خلق فنى موسيقى عاشها نجيب محفوظ فى بيت زكريا أحمد فى شرخ الشباب ليكتب عنها سطوره: «ليلة عادية، لا تميزها أحداث، إلا أنها لم تكن ككل الليالى، فقد استمتعت فيها بكل المناهج من مغنى وطرب وأدب وفكاهة وحكايات، كانت ليلة عيد كبير، اجتمعنا فيها فى بيت شيخ الملحنين زكريا أحمد، كنا جمهرة كبيرة من الأصدقاء، منهم من يقرض الشِعر، ومن يرتجل الزجل، ومنهم من يحترف التأليف ومن يشتغل بالموسيقى، وكان هذا التباين مدعاة لإقامة ندوة أديبة فنية تحدث فيها الحاضرون عن كل شيء، وشيخ الملحنين زكريا أحمد معروف بدعابته، وكان لا يفتأ بين الحين والآخر أن يقطع حديث المتحدثين بنكتة أو دعابة يضحك لها الحاضرون، ثم يتبعها بترديد باقة من مقاطع أغانيه أو بعض «طقاطيق» من الغناء القديم، ثم يسكت فجأة، ليستأنف الشعراء والزجالون إلقاء أشعارهم وأزجالهم ارتجالا، وهم يتبارون مرة فى الهجاء ومرة فى المديح.. والشىء الوحيد الذى لايزال ماثلا فى ذاكرتى من هذه الليلة الفريدة، هو قدرة زكريا أحمد واندماجه فى تلحين إحدى أغانيه فى هذا الجو العاصف.. ليلتها كان يُلحن لأم كلثوم أغنية مطلعها:
إيه أسمِّى الحب مااعرفش داه بيِّنُه شيء مبيوصفش
كان كلما يُلحن «كوبليه» منها يُسمعه لنا لنردده معه، واستمر على هذه الحال حتى مطلع الفجر إلى أن انتهى من تلحين الأغنية كلها، بل جعل لها نهايتين عرضهما علينا، واختلف الحاضرون على اختيار واحدة منهما، ولكن الشيخ زكريا انحاز لرأى الأغلبية، وبدأنا نردد الأغنية كاملة ونغنيها جماعة قبل أن تغنيها أم كلثوم، وكنت أشعر بسرور زائد لأننى شهدت مولد أغنية وعشت فيها بالأذن والعين، وبعد عشرة أيام كاملة سمعت أم كلثوم تغنى اللحن فتذكرت هذه الليلة التى لن أنساها».
وعلى ذِكر النغم فمن خلال البرنامج الإصلاحى «رؤية 2030» الذى طرحه الأمير محمد بن سلمان جاء الانفتاح الترفيهى التى تشهده السعودية الآن وكان من فعالياته أمسية موسيقية لفرقة دار الأوبرا المصرية بمدينة «أبها» يشارك فيها أكثر من 45 فنانا وعازفًا لتقديم روائع الموسيقى المصرية، وتلك هى المرة الثانية التى تستضيف فيها الهيئة العامة للثقافة بالسعودية الأوبرا المصرية من بعد عرضها الناجح بمدينة الرياض فى ابريل الماضى والذى قدمت فيه الفرقة أجمل المقطوعات الموسيقية من روائع الفن المصرى الأصيل تضمنت أغانى العمالقة مثل محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم وفريدة ونجاة وشادية، وذلك بحضور وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم عازفة الفلوت العالمية الحاصلة على الدكتوراه فى آلة الفلوت من المدرسة العليا للموسيقى بباريس، والتى قدمت العديد من الحفلات الصولو فى غالبية دول العالم، بالإضافة إلى البرامج الإذاعية وأهما «راديو فرانس» بباريس، وعلى طول مسيرتها الفنية حازت إيناس على قائمة لا تنتهى من الجوائز والشهادات منها الجائزة المتفردة كأحسن عازفة بمهرجان كوريا الشمالية للفنون، ويسألونها عن انشغالها بحكم مناصبها المتتالية عن شوقها لآلة الفلوت فتجيب: «بالتأكيد انشغلت عن معشوقتى وإن كنت أحاول من وقت لآخر اقتناص لحظات من السعادة بالعزف عليها، لكنها لحظات قليلة ومسروقة».
وليس مرورًا عابرًا وإنما التزامًا وتوقفًا حتميًا عند العديد من المحطات الجوهرية فى المسيرة الموسيقية المصرية عبر العقود القريبة الماضية، لكن مجال الدندنة لا يتسع لذكر مناقب كل من أثروا الوجدان المصرى والعربى بألحانهم والتى تتدافع أسماؤهم وأعمالهم على القلم، وكل منهم سيد متسيد صاحب سيادة ونغم، لكن القائمة طويلة واليد قصيرة ومن بينهم الموسيقار هانى شنودة ابن طنطا المولود فى 1943 مكتشف العديد من المواهب التى قام بالتلحين لهم وعلى رأسهم محمد منير بألبومه «علمونى عنيكى» وعمرو دياب فى ألبومه «يا طريق» وغنت له نجاة «بحلم معاك» و«أنا بعشق البحر» ولفايزة أحمد «هدى الليل» و«على وش القمر».. ومنهم أيضًا الموسيقار عمر خيرت المؤلف والموزع وعازف البيانو ابن شقيق الموسيقار أبوبكر خيرت مؤسس الكونسرفتوار والذى درس العزف على البيانو على يد البروفيسور الإيطالى «كارو» لينتقل لدراسة التأليف الموسيقى فى كلية «ترينتى» بلندن، وينضم فى بداياته لفرقة «لى بى تى شاه» كعازف درامز والتى كان لها أثر واضح فى مؤلفاته الموسيقية، ولقد أطل عمر خيرت على الجمهور للمرة الأولى مع الموسيقى التصويرية لفيلم «ليلة القبض على فاطمة» عام 1983، وحصل على عشرات الجوائز على مستوى جميع ميادين الموسيقى، فى الأفلام والموسيقى والمسرحيات والفوازير وكان له السبق فى إعادة توزيع الأغانى التى لحنها عبدالوهاب مثل «انت عمرى» و«امتى الزمان يسمح ياجميل» فأعطاها مذاقًا خاصًا ليشكره صاحبها معتبرًا أنها أجمل هدية قدمت له، وكان لعُمر خيرت أسلوبه الخاص فى الموسيقى التصويرية حيث استطاع دمج الموسيقى الأوركسترالية الغربية بالأنغام الشرقية مستخدمًا الآلات الغربية مثل البيانو والإكسليفون، وآلات النفخ كالكلارينت والأبوا والساكس، بالإضافة إلى الآلات الشرقية المميزة كالأكورديون والعود والقانون والكمان، ورافقت موسيقاه الكثير من أعمال النجم عادل إمام مثل «زهايمر» و«فرقة ناجى عطالله» و«خلى بالك من عقلك».. ولا يغفل السلم الموسيقى عن وضع أول عازف أورج مصرى فى الصدارة وهو مجدى الحسينى ابن أسيوط 1960 الذى انضم إلى فرقة عبدالحليم حافظ وظل مشاركًا له حتى وفاته فى 1977، وعزف مجدى فى فرقة أم كلثوم وهو لم يتجاوز السادسة عشرة عندما غنت «أقبل الليل» وجعل من آلة الأورج سيمفونية عذبة أفرزت العديد من القصائد والأغنيات لعمالقة الطرب مثل فريد نجاة ووردة وفايزة وصباح وسعاد محمد.. وكسر مجدى التقليد الذى كانت تتبعه أم كلثوم بأن يجلس كل العازفين خلفها حين أصرّ أن يعزف واقفًا فكان له ما أراد، وكان عُمر خورشيد وراء تقديمه لعبدالحليم حافظ ليعزف معه على الأورج أغنية «مشيت على الأشواك» فى فيلم «أبى فوق الشجرة» وكان لم يزل فى الرابعة عشرة، وحول تطور عبدالحليم وسخائه على فنه يذكر مجدى الحسينى أثناء توجههم للمطار للعودة للقاهرة من لندن أنه أبدى له إعجابه بأورج غالى الثمن فسأله عبدالحليم عن سعره، فذكره له متمنيًا لو باع هدومه ليشتريه، فما كان من حليم إلا تأجيل السفر والتوجه لشراء الأورج لكن السيولة المادية التى معه لم تكف للشراء فباع ساعته فى الحال وأكمل الثمن وعادوا بالصيد الثمين للقاهرة!
وعلى ذِكر موسيقى الجاز فرائدها فى مصر والعالم العربى هو الموسيقار يحيى خليل ابن القاهرة فى 1946 الذى كوَّنَ أول فرقة جاز بمصر فى الرابعة عشرة من عمره وأطلق عليها اسم «كايرو جاز كوارتيت» ليُسافر بعدها للدراسة فى أمريكا وهو فى العشرين ليلتحق بمعهد «روى ناب» للجاز لمدة خمس سنوات تتلمذ فيها على يد العازف الأسطورى «روى ناب» نفسه من كان مُلهمًا ومعلمًا للعديد من أشهر عازفى الجاز فى العالم، ويطوف يحيى أنحاء أمريكا ويعزف مع العديد من فرق الجاز والصول والروك والبلوز، ويصول ويجول بفرقته التى تضم عازفين من جميع أنحاء العالم فى أكثر من عشرين دولة وأكثر من مائة مدينة، ويشارك فى أكثر من خمسة آلاف حفل ومهرجان خلال الأربعين سنة الماضية، ومن خلال قيام يحيى خليل الشبيه بالروائى الأمريكى إرنست هيمنجواى بتطويع الآلات الموسيقية الغربية لعزف الألحان الشرقية مما جعل جيل الشباب المصرى يُقبل على موسيقاه ويُعجب بها ويتزاحم لحضور حفلاته فى دار الأوبرا فى الهواء الطلق بالمسرح المكشوف، ومسرح الجمهورية وفى قاعة المؤتمرات بالاسكندرية، وأينما حل وارتحل.. وليحيى الآن برنامجه التليفزيونى الموسيقى «عالم الجاز».. وعبر رحلة طويلة حرص فيها يحيى خليل على التميز ورفض الخضوع لمنطق السوق مخلصًا لأفكاره وثقافته الواسعة فهو مؤمن بأن لكل فنان بصمة لابد وأن تظهر فى كل عمل يقدمه للناس، وهو فى السينما لم يشارك إلا فى أفلام فاتن حمامة «أرض الأحلام» و«يوم حلو ويوم مر»، وقد قامت شركة كولومبيا بإنتاج فيلم خاص عنه مثل الفيلم التسجيلى الذى قامت به قناة النيل الدولية بعنوان «رجل الجاز»... ويُعد عبدالحميد على أحمد الشاعرى وشهرته «حميد الشاعرى» ابن إقليم برقة الليبى بمدينة بنى غازى فى 1961 النجم الموسيقى المفضل لدى مواليد الثمانينيات، ورغم دراسته للطيران المدنى فى بريطانيا تبعًا لرغبة والده، قام بإشباع هوايته الموسيقية باستئجار أحد استوديوهات التسجيل الصوتى بلندن لإجراء تجاربه فى التلحين والغناء لإصدار ألبومه الأول «عيونها» لكن الأذن المصرية لم تتقبل تلك التجارب الأولى، ومع ألبومه الثانى حقق نجاحاً كبيرًا، ليُقدم خلال مسيرته سبعة عشر ألبومًا لعشرات المطربين والمطربات، وكان له السبق بتقديم الدويتو الغنائى مع أكثر من مطرب منهم مصطفى قمر فى أغنية «غزالى» وهشام عباس فى دويتو «عينى» ويعود إليه الفضل بالمشاركة فى صناعة جيل كامل من المطربين ومنهم عمرو دياب، ومحمد منير، وسيمون، وإيهاب توفيق، ويفضل الشاعرى عدم تسليط الأضواء على حياته الخاصة، فلا يتحدث عن زوجته أو أبنائه نديم ونوح ونبيلة ونورا، ويستعد للعودة قريبًا للساحة الفنية بتقديم أعماله بطريقة مبتكرة، ليس على شرائط الكاسيت وإنما على نظارة ثلاثية الأبعاد مسجلا عليها أغنيات الألبوم مصورة ومن هنا لا يمكن السطو عليها أو الاطلاع على محتواها إلا بامتلاك النظارة..
وفى منزلة الريادة يأتى ابن سمالوط بمحافظة المنيا فى 16 ابريل 1948 عمار على محمد إبراهيم على الشريعى الشهير ب«عمار الشريعى» صاحب العلامات والبصمات فى الموسيقى الآلية والغنائية المصرية، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمسلسلات رغم عدم إبصاره، وقد حفظ عمار خمسة أجزاء من القرآن فى طفولته، واشترى له والده بيانو للعزف عليه، وخلال فترة الدراسة تعرف على الموسيقار كمال الطويل الذى تبناه، وبمجهوده الذاتى أتقن العزف على البيانو والأكورديون والعود ثم الأورج، حيث بزغ نجمه فيه كأحد أبرع عازفيه فى جيله، واعتبر نموذجًا فى تحدى الإعاقة نظرًا لتعقيد آلة الأورج واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار، وكان أول لحن له «امسكوا الخشب» للفنانة مها صبرى عام 1975، وزادت ألحانه عن 150 لحنًا لمعظم مطربى ومطربات مصر والعالم العربى ومن اكتشافاته منى عبدالغنى، وآمال ماهر، وعلى الحجار.. ومنذ عام 1991 حتى 2003 وضع عمار جميع الألحان والموسيقى لاحتفاليات أكتوبر التى تقيمها القوات المسلحة المصرية.. وقد تجاوزت أعماله السينمائية بوضع الموسيقى التصويرية لها 50 فيلمًا، والتليفزيونية 150 مسلسلا، وكان لبرنامجه الإذاعى «غواص فى بحر النغم» شهرة فائقة، حيث كان يقوم بتحليل الموسيقى والأغانى بطريقة مبسطة للمستمع العادى، ومن بعدها قام على قناة دريم بتقديم «سهرة شريعى» استضاف فيها غالبية نجوم الطرب والألحان الحاليين والمتقاعدين، وقد أصيب الشريعى فى ثورة 25 يناير بأزمة قلبية أودت بحياته فى ديسمبر 2013 عن عمر جاوز 64 عامًا لتبقى ومضات من ألحانه عالقة بالأذن مهما يطل الزمن مثل لحنه مع رأفت الهجان، وزينب والعرش، وأحلام هند وكاميليا، وحب فى الزنزانة، والمصراوية، وريا وسكينة، وزيزينيا، وأبوالعلا البشرى، ودموع فى عيون وقحة، ولا تنسى الأذن صدى وقع خطوات السعدنى فى ليل الحارة المصرية فى مسلسل «أرابيسك»... و..كان عمار الشريعى الفنان الذى يرى بالبصيرة قد ساهم مع مؤسسة «دانسنج دوتس» الأمريكية فى تقديم نوتة موسيقية بطريقة «برايل» للمكفوفين.... ويمثل محمد عمر خورشيد ابن حى عابدين فى 1945 الشهير ب«عمر خورشيد» أسطورة صنعت نفسها بشرائه لأول جيتار وهو فى التاسعة من عمره ب12 جنيها من مدخراته لتتفجر موهبته بعد دخوله عالم الموسيقى الشرقية عن طريق بليغ حمدى وعمله مع كبار المطربين فى عصره مثل أم كلثوم وعبدالحليم ونجاة وفايزة، وكان ضيفًا دائمًا على منزل الست يعزف لها مقطوعات صغيرة صعبة أعجبت بها لذلك عندما احترف الموسيقى طلبت منه العمل فى فرقتها فكان ذلك بمثابة شهادة تاريخية بموهبته أمام الجميع، وقد بدأ عمله كممثل سينمائى فى فيلم «ابنتى العزيزة» إخراج حلمى رفلة فى 1971، والذى شارك فى بطولته نجاة ورشدى أباظة، وكانت أول بطولة مطلقة له مع صباح فى فيلم «جيتار الحب» وشاركت معهما البطولة فى نفس عام 1971 ملكة جمال العالم جورجينا رزق، كما اشترك فى بطولة أكثر من عمل تليفزيونى منها «الحائرة»، «الخماسين» وقام بمغامرة الإنتاج السينمائى لفيلمى «العاشقة» و«العرافة» وخلال عمره القصير الذى مرَّ كالسراب تزوج 5 مرات، فى البداية لينا السباعى، ثم الفنانة ميرفت أمين، ثم جورجينا رزق، ثم الفنانة مها أبوعوف، وعارضة الأزياء اللبنانية جيرالدين التى كانت بصحبة الفنانة مديحة كامل فى سيارته عندما اختلت عجلة القيادة فى يده ليتسبب الموقف الدرامى فى الحادث الذى أودى بحياة الأسطورة الذى ترك الفراق لنموذج ريعان الشباب آلامًا غائرة فى القلوب..
و..لم تزل قائمة أصحاب الإبداعات الموسيقية فى مصر تتواكب تتدافع على السطور لننتقى منها أحد أساطينها وهو الموسيقار الكبير محمد سلطان ابن الاسكندرية خريج الحقوق مكتشف هانى شاكر ونادية مصطفى ومحمد ثروت وسميرة سعيد، الذى أخذه محمد عبدالوهاب من يده لمبنى الإذاعة ليُقدمه كملحن ومطرب على درجة رفيعة المستوى ليظل سلطان لصيقًا به فى مكان الأب الروحى له حتى وفاته فيقوم بمواراة جثمانه بنفسه داخل القبر، وكان سلطان قد بدأ حياته الفنية كممثل ليشارك فى بطولة عدد من الأعمال السينمائية قبل زواجه من فايزة أحمد ليتفرغ للتلحين لها ولغيرها من أصحاب الأصوات المميزة، ويصنع الزوجان بتلاحمهما أجمل الألحان والأبناء، لكن من بعد وفاة فايزة التى كسرته على حد قوله يعيش سلطان فى هدود مستغرقًا فى القراءة مرددًا آيات القران الكريم الذى يحفظه عن ظهر قلب، وعندما يُسأل سلطان عن حال الطرب اليوم فى مصر؟ تأتى إجابته قاطعة بأنه لا يوجد الآن فى مصر طرب، ويستمر سؤاله عن السبب فى المستوى المتدنى للطرب؟ فتكون إجابته بتراجع الإذاعة والتليفزيون عن الإنتاج وبالتالى أصبح لا يوجد لجان استماع من خبراء الموسيقى فى مصر لكى تكتشف المواهب الغنائية التى تستحق أن تصل لكل الناس وأصبح بديل ذلك برامج المواهب الغنائية التى يكون هدفها المكسب المادى فقط لصالح القنوات الفضائية... وكنت على حد علمى بالفنان التشكيلى الكبير حسين بيكار ابن حى الأنفوشى بالاسكندرية 1913 أنه إلى جانب الرسم ماهرًآ فى العزف على آلة «البُزق» الشبيهة بالربابة، لكننى فى البحث عن معدلات الدندنة على الساحة الموسيقية وجدت بيكار فى طفولته شغوفًا بالموسيقى ليعلم نفسه العزف على العود الذى اشتراه والده لأخته وأصبح صاحب مهارة كظاهرة ملفتة فى الحى خاصة أنه كان يصاحب العزف بغناء الطقاطيق الصغيرة، وفى مدرسة الفنون الجميلة التقى بأستاذه الفنان أحمد صبرى حيث اجتمعت موهبتهما الموسيقية إلى جانب الرسم فاشترى صبرى خصيصًا عودًا لتلميذه وجلس يرسمه عازفًا فى لوحة شهيرة على مدى عشر جلسات، وبعد التخرج فى 1933 بدأ بيكار نشاطه الموسيقى بتكوين فرقة تقدم أعمالها على المسرح ليغنى فيها بيكار مع كبار مطربى ذلك الزمان أمثال صالح عبدالحى وزكريا أحمد وعبده السروجى، وكانت بعض أعمال الفرقة تذاع على محطة إذاعة محلية تسمى «سابو» ومنذ تخرج بيكار فى الثلاثينيات ورسم لنفسه العديد من الصور سجل فيها جميع مراحل عمره حتى أيامه الأخيرة وظلت آلة البزق تصاحبه خلواته وفى جلسات الأصدقاء.
وفى مسيرة الدندنة كان ولابد أن نعيد الفضل لأصحابه تاريخيًا، ولا نهيل التراب على من أخرجونا يومًا من الظلمات إلى النور، ومن تحت لفوق، ومن خلف ستائر النسيان لخشبة المسرح فى الأمام، خاصة ذلك الكبير الذى يتجلى اسمه فى كل شأن ومحفل كعلامة فارقة بين وبين، كضوء نافذ لمستقبل جديد، كصاحب نهضة عملاقة على أرض مصر فى كل مجال، كنقطة بداية لعبارة صُنع فى مصر.. محمد على.. مؤسس مصر الحديثة الذى وجدته رغم مهامه الكبيرة قد أقام أول مدارس للموسيقى بمصر تعتمد على الأسلوب العلمى لتدريس الموسيقى فى مهمة إعداد العازفين وقادة الفرق مما ساعد بعدها على انتشار الموسيقى فى ربوع مصر، ومن تلك المدارس مدرسة الطبول والأصوات بناحية الخانقاة فى 827، ومدرسة للعزف بالنخيلة، ومدرسة الآلاتية بمصر الجديدة، وكان أساتذة هذه المدارس من الألمان والفرنسيين ومنهم «بوبا بك» و«جلبرا» لتواكبها المؤلفات الموسيقية مثل «سفينة الملك ونفيسة الفلك» لعمر شهاب الدين، و«تحفة الوعود بتعلم العود» و«حياة الإنسان فى ترديد الألحان» و«الروضة البهية فى أوزان الألحان الموسيقية» و«الكتب الثلاثة لمحمد ذاكر بك».. ومن أمثلة أشهر ليالى الموسيقى والغناء يوم الاثنين الموافق أول نوفمبر 1896 عند حضور الخديو إسماعيل افتتاح دار الأوبرا الملكية بالقاهرة الذى قدمت فيه أوبرا «ريجوليتو» لفيردى، وكان الحدث الموسيقى الثانى هو «فرح الأنجال» فى 15 يناير 1873 لتستمر لياليه أربعين ليلة، حيث بدأت الاحتفالات بزواج ثلاثة من أبناء الخديو إسماعيل وأخت لهم التى تبارى فيها كبار مطربى ذلك العصر ومطرباته وعلى رأسهم عبده الحامولى والمطربة ألمظ.. و..عودة إلى صدر الإسلام عندما ظهر الكثير من القيان من بينهن «سيرين» مولاة حسان بن ثابت إحدى الجاريتين اللتين أهداهما المقوقس فى عام 630 إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد روى الأصفهانى صاحب «الأغانى» أن «عزّة الميلاء» تلميذة سيرين كانت تغنى من أغانى سيرين، وبهذا تكون الموسيقى المصرية القديمة قد وجدت طريقًا إلى الجزيرة العربية منذ فجر الإسلام فى حنجرة سيرين وتلميذتها فوضعت بذلك نواة الصلة الفنية بين مصر والموسيقى العربية.. هذا ويعد أبوعبدالمنعم عيسى بن عبدالله الذائب أول مغن وموسيقار فى الإسلام، وسُمىَّ الذائب لكثرة ترديده البيت التالى:
قد برانى الشوق حتى صرت من وجدى أذوب
ومن تلامذة الذائب كانت «عزة الميلاء» التى سُميت بهذا الاسم لتهاديها على الجانبين، وقيل إنه فى مجلسها كان لابد من الصمت التام ومن بدر منه عمل مخل جوزى لفوره بالعصا، وقد وصفها طويس بأنها «سيدة الغناء العربى» وألف فيها اسحاق الموصلى أربعين كتابًا وكان فى حد ذاته فلتة زمانه حتى قال فيه الخليفة الواثق «ما غنَّانى اسحاق قط إلا وظننت أنه قد زيد فى ملكى، وإن اسحاق لنعمة من نِعم الله ولو أن العمر والشباب والنشاط مما يشترى لاشتريتهن له بنصف مملكتى» وعندما مات اسحاق رثاه الخليفة المتوكل بقوله «ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته».
وإذا ما كانت السعودية قد استقبلت اليوم بترحاب وإعجاب روائع الموسيقى المصرية لفريق دار الأوبرا على مسرح الرياض وأبها ضمن فعاليات رؤية 2030 التى طرحها الأمير محمد بن سلمان، فقد كانت هناك جذور لتلك الوشائج عندما كانت «عزة الميلاء» تلميذة سيرين المصرية قد رددت الغناء المصرى فى الأراضى المباركة منذ صدر الإسلام..

[email protected]
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.