إذا كان لكل شيء وحدة قياس، فإن الكلمة هى وحدة ميزان الساسة، والسياسى يُعقد من كلمته، يحكم الناس عليه من مجمل كلماته، يرونه فيها، وإذ تكون براءة النوايا مقبولة فى تبرير سوء اصطلاح بين الناس بعضهم بعضا، فإنها لا تكون مبررا منطقيا إذا ما كان صاحبها هو أحد الساسة المعنيين بالحكم، قد تكون استمارات تمرد هى أحد اسباب مشهد النهاية فى حكم الإخوان، لكن الحقيقة أن التصريحات الإعلامية للجماعة الحاكمة من الإخوان، هى التى ألهبت حماس الجماهير للتمرد، وأوجدت أعداء فى كل زاوية من أركان الدولة. صبحى صالح يصف نساء مصر من غير الجماعة ب «الأدنى» »أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير» استعارها صبحى صالح أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين من النص القرآنى، لكنه استبدل المخاطبين من بنى اسرائيل، بشباب جماعته، واسقط على طلب بنى اسرائيل من الله الفوم والعدس والبصل بدلا من المن والسلوى، رغبة شباب الجماعة فى الزواج من فتاة من غير الجماعة، معتبرا أن ذلك انزلاق من الخير الى الأدنى. قائلا ما نصه :» ما يجيش أخ فلوطة يقول فى أخت كويسة ومتدينة وبنت ناس بس مش من الأخوات، بس إن شاء الله هتبقى أخت على طول اول ما هاخطبها، عشان سيدنا أيوب هيخطبها، طب واللى إحنا عملناها دى نشحتها؟!، أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير؟!، لأ هى لعبت معاك لا مؤاخذة، ماتشغالهاش ليه؟، خليك راجل، قول ما بانامش الليل، روح يا شاطر روح، لكن الخيارات الشرعية مقدرة بحديث، إحنا مش هنغير الدين عشان تبقى معاك، وكل دى أخطاء فى مسار التربية تؤخر النصر، لأنه لا نصر بلا استحقاق، إن الله لا يغير من حد، رب العزة حط قوانين إن تنصروا الله ينصركم، تنصره على نفسك وعلى مجتمعك، بمعنى تنتصر لشرعه عليك وعلى غيرك فأنت تنصر الله على نفسك وهواك، وتنصره على مجتمعك بمخالفته، لما نجيب الإخوة نجوزهم أخوات، يخلفوا لنا عيال إخوان بالميراث، فلما ننطلق بعمل جماعى إحنا وعائلتنا، مجتمع الإخوان فرض نفسه على الكل، وبهذه الغالبية ومن والاها ننتقل الى الهدف الثالث والرابع، فإحنا عملنا مجتمع نص الحكومة، نخش البرلمان ب 88 نائبا نتاج اصوات الإخوان ومن والاهم، فاستطعنا أن نصنع فردا ومن الفرد أن نصنع بيتا ومن البيت أن نصنع مجتمعا، ومن المجتمع استطعنا أن نضع اتنين على جزء من الحكومة واللى جاية إسلامية إن شاء الله». بدت تصريحات صبحى صالح مستفزة لجميع المصريين، الذين وجدوا بناتهم من غير جماعة الإخوان، «أدنى» ، طوال ليلة الخامس والعشرين من مايو 2011، استضافته الكثير من القنوات التلفزيونية، لاستيضاح مقاصده، وإتاحة الفرصة له للرد، فكانت إيضاحاته أكثر استفزازا قائلا:» إن ده كان أداء فكاهى فى منطقة شعبية والألفاظ فكاهية وأتحدث مع الناس بود، أما عن الفقرة ذاتها المقتطعة من المؤتمر، فالمؤتمر ده كان موضوعه «اسمعوا منا كما سمعتم عنا»، لعرض فكرة الإخوان على الناس كيف هى او كيف يجب ان يفهمها الناس، وكنت بتكلم عن مشهد محدد وهو منهج الإمام البنا فى إحداث التغيير السلمى المتدرج بعيدا عن العنف،كما ورد فى رسالة التعليم وهو يمر بسبع مراحل بعيدة عن العنف يقوم على منهج تربوى اجتماعى متدرج منطقى يؤدى بعضه الى بعض يقوم على الفرد ثم البيت ثم المجتمع ثم التدرج من المجتمع الى الاصلاح الحكومى ثم تحرير الأقطار الإسلامية حتى نصل الى وحدة العالم الإسلامى». فعادت الصحافة إلى محمد بديع مرشد الإخوان فى 7 يونيو للتعليق على تصريحات صبحى صالح فأجابهم:» جماعة الإخوان المسلمين تحتضن أبناءها وإذا أخطأ الأخ نصوب له، وهذه قامة قانونية محترمة لها مكانتها،كل بن ادم خطاء، لكن من يتربص بأخطاء الناس ويضخمها ويزيد عليها ويقتطعها من سياقها فهذا مغرض، ونرجو طى هذه الصفحة ولا نتحدث إلا عن فضائل الناس». هشام قنديل: الستات فى الأرياف بتروح الغيطان وبيُغتصبوا كان التليفزيون ينقل البث الى مجلس الوزراء لنقل مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء د.هشام قنديل وقتها، والذى يوضح للرأى العام عدة مسائل تتعلق بانقطاع الكهرباء المتكرر، بعد موجات غضب من انقطاع يصل الى أكثر من 10 ساعات يوميا، وأخذ الرجل يسوق مبرراته ثم استطرد قائلا :»اتعشم ان تكون هناك استجابة من المواطنين فيما يتعلق بترشيد الكهرباء، لو فى لمبه 40 وات انطفت عند ال 25 مليون مشترك هتدينى ألف ميجا وات، والناس اللى عندها 6 تكييفات فى البيت، وفى ناس عندها، أنا عارف ده، اللى عنده حس وطنى منهم، يجمع الأسرة فى غرفة واحدة ويشغل تكييف واحد على 25 درجة مئوية ويلبسوا ملابس قطنية هنخفض استهلاك الطاقة». كان الرأى العام وقتها ينتظر حلولا حقيقية، فوجد الرجل يقدم له حلولا طريفة للتندر، وتلقف المصريون هذا الحديث بالسخرية فحسب، لكن رئيس الوزراء أوقع نفسه فى تصريح أكثر استفزازا بعدها، حل الغضب الشديد محل السخرية والضحك، عندما حاول الإجابة عن سؤال أحد الصحفيين عن ارتفاع فاتورة المياه والكهرباء، وأخذ يروى حكايات عن الريف وعن فقرائه الذين يشتكون ارتفاع قيمة فواتير الاستهلاك رغم أنهم غالبا لا يدفعونها، بل وعدم وجود مياه أو صرف صحى فى قراهم وحياتهم الشاقة، قائلا: «أنا كنت بلف فى شغلى على الأرياف وشوفت أُسر وقرى فى مصر فى القرن الواحد والعشرين، أنا شوفت فى بنى سويف، فى قرى فى مصر الاطفال بيجيلهم إسهال لأن أمه بترضعه، ومن الجهل لا تستطيع أن تقوم بالنظافة الشخصية لصدرها، بحيث العيّل يجى له اسهال» ، ثم استطرد :»مافيش صرف صحى والرجالة بيروحوا الجامع والستات بتروح ع الغيطان وبيُغتصبوا». لم تمر هذه التصريحات كغيرها، فقد أخرجت هذه التصريحات رجال ونساء محافظة بنى سويف فى مظاهرات حاشدة، وحُررت دعوات سب وقذف ضد قنديل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن الغاضبين قاموا بقطع شريط السكة الحديد على إثر تلك التصريحات مطالبين بإقالته، فيما خرج قنديل معتذرا، لكن الوقت كان قد تأخر على قبول الإعتذار أو ربما كان التصريح شديد الفجاجة لا يُقبل معه إعتذار . عصام العريان: ياريت اليهود بتوعنا يرجعولنا عشان يفسحوا مكان للفلسطينيين فى يناير 2013، كان عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة ومستشار الرئيس ضيف برنامج بتوقيت القاهرة، وكان حافظ المرازى يسأله عن تصريح يتعلق بإعلان أن هدف حزب الحرية والعدالة أو برنامجها هو تطبيق الشريعة الإسلامية، فرد العريان عليه بأن هذا معلن منذ قيام الحزب، وأننا شعب أغلبه يدين بالإسلام، والشعب جميعا بمسلميه ومسيحييه شارك فى حضارة إسلامية، ثم تطرق من ذات السؤال الى دعوة يهود مصر الذين خرجوا فى عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالعودة الى مصر، قائلا:» ياريت اليهود بتوعنا يرجعولنا عشان يفسحوا مكان للفلسطينيين، يعنى الفلسطينيين يرجعوا مكانهم ويجى اليهود العرب اللى طردهم عبد الناصر يرجعولنا، هو طردهم ليه؟!، دول راحوا شجعوا الإحتلال، وكل مصرى له حق أن يعود، خاصة لو كان هيفسح مجال للفلسطينى وأنا باناديهم الآن، حق العودة حق لا يمكن التنازل عنه، الفلسطينيين لازم يرجعوا». كان الشارع المصرى فى حالة صدمة، فإذا كان الذين خرجوا أيام الرئيس عبد الناصر قد احتلوا فلسطين، فكيف للمصريين بقبولهم بينهم ثانية؟!، وكيف لهم أن يغفلوا ما مر من حروب بين مصر والمحتلين الإسرائيليين فى أعوام 56 و 67 و 73، أو حتى اعتداءاتهم المستمرة على الشعب الفلسطينى، كيف لهم قبولهم بينهم ثانية؟، وكيف لهم أن يفهموا عشرات التظاهرات التى لطالما نظمتها جماعة الإخوان لإعلان معاداة اليهود والصهيونية قبل الوصول إلى الحكم؟ وبدأ الرأى العام يسأل هل هو رأى فردى أم أنه اتجاه للجماعة؟، لم ينتظر كثيرا فقد اطل عليه ليلا عبر إحدى الفضائيات ابراهيم السيد قيادى حزب الحرية والعدالة ليقول إن هذا التصريح لم يصدر إلا بعد دراسة مطولة، مؤيدا ما قاله العريان. استشاط سكان حارة اليهود غضبا، هل يريد الإخوان إحلال اليهود محلهم؟، وليسوا وحدهم الذين أثارت دعوة العريان حفيظتهم، الرأى العام كله كان فى حالة استياء وصدمة. صلاح عبد المقصود ردا على سؤال صحفية: ابقى تعالى وأنا اقولك فين
فى ابريل 2013، كان صلاح عبد المقصود وزير الإعلام يعقد مؤتمرا صحفيا لعرض إنجازات الوزارة والرد على اسئلة الصحفيين، وأثناء المؤتمر سألت الصحفية داليا أشرف من قناة النهار عن الإنجازات من حيث المضمون، بعيدا عن التكييفات والأجهزة، فرد عليها نصا:» ابقى تعالى زى صاحبتك وأنا أوريكى المضمون والتغيير، ثم تابع من فضلك كلامك يبقى منضبط، احنا مش النظام السابق، انت اسمك ايه ومنين؟»، وكانت زميلتها الصحفية ندى قد سبقتها إلى الحصول على الرد ذاته، فى مؤتمر سابق كان يحضره الوزير، هو مؤتمر توزيع جوائز مصطفى وعلى أمين، وعندما سألت الوزير عن حرية الإعلام، قائلة:»فين حرية الإعلام يا افندم؟ ، فأجابها الوزير عضو الجماعة التى تسوق نفسها باعتبارها راعية الفضيلة والتدين قائلا:»ابقى تعالى وانا اقولك فين»، واعتبر الحقوقيون وقتها ما قاله الوزير تحرشا لفظيا، اثار غضب الصحفيين، فلم يعبأ الوزير بغضبهم ولكن كرر ذات التصريح فى مؤتمر آخر مع صحفية أخرى حتى بدا للصحفيات أن عاقبة التساؤل أمام الوزير قد لا تبدو جيدة غالبا، ولم يتوقف الوزير عند الصحفيات المصريات، فقد استضافته زينة يازجى من تليفزيون دبى فى سبتمبر 2012 ، وأخبرته أنها قامت بتسجيل آراء بعض الصحفيين واستأذنته فى عرضها عليه فرد عليها: «بس ما تكونش سخنة زيك». ولم يكتف عبدالمقصود بهذه الردود التى واجه بها الصحفيات اللاتى تجرأن وسألنه، بل إنه فى إحدى المؤتمرات الصحفية وقف يخطب فى السادة الحضور، قائلا: «الكلام اللى يقولك فيه أخونة للإعلام، هما فين الإخوان، والله لو عندى إخوان لفضلتهم وإدتهم الأولوية فى التعيين لأن أنا عندى حكم قضائى بيقول إن الإخوان هم أجدر الناس بشغل الوظائف العامة». لا أحد يعرف من أين حصل وزير إعلام الإخوان على هذا الحكم، لكنهم جميعا عرفوا أن لغة جديدة بدأ الإخوان فى استخدامها متجرئين على من سواهم من الفصائل الأخرى فى المجتمع، معتبرين أنهم الأفضل والأحق بالمناصب والوظائف. صفوت حجازى: اللى مش عاجبه يمشى فى أعقاب انتخابات البرلمان وبخاصة بعد فوز عمرو حمزاوى عن دائرة مصر الجديدة، أطل صفوت حجازى القيادى الإخوانى من برنامجه على قناة الناس، قائلا:» إنتم يا علمانيين ما لكمش مكان بين هذا الشعب، اللى يزعل يزعل، واللى يكره يكره». أثارت هذه التصريحات غضبا عارما فى أوساط الشعب، الذى يعتبر فصيل الإخوان جزءا منه، وليس العكس، وبهذه التصريحات، بدا الخارجون عن الإخوان لا مكان لهم فى هذا الوطن، وهو ما استدعاه للظهور ثانية على قنوات أخرى لتهدئة الرأى العام، قائلا: «لابد نفرق بين العلمانى والليبرالى، العلمانى عندى هو من لا يرضى بشرع الله عز وجل ويرفض الاحتكام إليه، وده نعمل فيه إيه؟» لم تكن هذه هى وحدها التصريحات التى استفزت الشعب، فما هذه إلا بضع من سيل، بدأ من لحظة شعورهم بالتمكن بعد فوز د. محمد مرسى عضو جماعة الإخوان بمنصب رئيس الجمهورية، سخر الناس من أقلها حدة، وثارت غضبته على أشدها غلظة، وظل يبتلع بعضها ويمرر بعضها الآخر، حتى انفجر بركان غضبه فى 30 يونيو متمردا على اختياراته.