تمر منطقة اليورو بواحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية إن لم تكن الأسوأ علي الإطلاق, بدءا من إفلاس بنوك كبري وخفض التصنيف الائتماني لبعض دول المنطقة وارتفاع تكلفة القروض وبلوغ البطالة أعلي معدلاتها وتراجع مؤشرات أسواق المال وانخفاض سعر العملة الموحدة . وانضمام قبرص إلي مصاف الدول المطالبة بحزمة إنقاذ مالية عاجلة, فضلا عن ما يشهده الشارع الأسباني من غليان واحتجاجات جراء خطة التقشف. ورغم أن هذه المعضلات باتت تهدد مستقبل ذلك التكتل الاقتصادي وتضعه علي حافة الانهيار فإن ألمانيا بزعامة مستشارتها أنجيلا ميركل مازالت علي عنادها برفضها حلولا واقتراحات تري فيها دول المنطقة سفينة نوح. ومن أهم هذه الحلول إصدار سندات دين أوروبية مشتركة تتحمل من خلالها الاقتصاديات القوية, وفي مقدمتها برلين, جزءا من أعباء الدول المتعثرة, لتجنب انهيار ذلك الكيان والاتحاد الأوروبي بالتبعية وسقوط المعبد علي رءوس الجميع, فهل من الممكن اتخاذ هذه الخطوة, خاصة بعد أن كشف بنك سيتي الأمريكي عن احتمالات خروج اليونان من منطقه اليورو خلال9 أشهر. وذكر تقرير أصدره البنك أنه يتوقع أن تأخذ إيطاليا وأسبانيا مساعدة مالية رسمية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بالإضافة إلي المساعدة التي طلبتها مدريد بالفعل لبنوكها. وقال اقتصاديون إنه خلال السنوات القليلة المقبلة من المرجح أن تكون نهاية اللعبة لمنطقة اليورو مزيجا من الخروج من الوحدة النقدية الأوروبية لليونان وإعادة هيكلة كبيرة للديون السيادية والديون المصرفية للبرتغال وأيرلندا وربما في نهاية المطاف لإيطاليا وأسبانيا وقبرص مع اقتسام محدود للأعباء المالية. وفي ألمانيا, حذر التحالف الوطني الديمقراطي في البرلمان الأوروبي من تزايد مخاطر انهيار منطقة اليورو, داعيا ألمانيا إلي التدخل السريع للحيلولة دون وقوع الكارثة. وقال زعيم التحالف جيي فيرهفشتاد, إن وكالة موديز, إحدي أهم وكالات للتصنيف الائتماني, قد أصدرت تحذيرا إلي كل من ألمانيا والأعضاء الآخرين بمجموعة اليورو بأن استمرار حالة عدم الاستقرار وتفاقم الوضع في كل من إسبانيا وإيطاليا سيكون له تداعيات خطيرة علي اقتصاديات كتلة العملة الموحدة وأن هذه التداعيات لن تبقي ولن تذر. وفي غضون ذلك, قال وزير الخزانة الأمريكي تيموثي جايتنر أمام لجنة بالكونجرس أن أزمة الديون الأوروبية تمثل أكبر خطر علي اقتصاد بلاده, مؤكدا أن الركود الاقتصادي في أوروبا يضر بالنمو الاقتصادي في أنحاء العالم, ويتسبب الضغط المالي المستمر في تشديد الشروط المالية بشكل عام, ويفاقم من تباطؤ الاقتصاد العالمي. ومن جانبه, حذر وزير المالية البولندي ياسك روستوفسكي من أن العام المقبل ربما يشهد ركودا اقتصاديا وتراجعا في معدلات النمو إذا استمر تفاقم الأزمة الاقتصادية في دول منطقة اليورو. وأما ميركل, فرغم حرصها ودفاعها المستمر عن قرارتها وتأكيد دعمها لخطة استحداث هيئة عليا للإشراف علي البنوك الأوروبية تستلزم ضرورة الموافقة عليها بإجماع أعضاء الاتحاد ال72, ورغم إقرار البرلمان الألماني بأغلبية ثلثي الأصوات, آليتين جديدتين لمواجهة أزمة اليورو, متمثلتين في دعم قواعد جديدة للميزانية الألمانية ودعم صندوق إنقاذ مالي مستديم, في خطوة جريئة استجاب خلالها البرلمان لمطلب ميركل التي تهدف لإظهار مدي التزام بلادها بمساندة اليورو والرغبة في الاحتفاظ به كعملة دائمة. رغم كل هذا باتت ألمانيا حجر عثرة تحول دون التخلص من الأزمة برمتها أو التغلب عليها في معظم أجزائها وذلك من خلال استصدار سندات دين سيادية مشتركة لكافة دول منطقة اليورو. وتري برلين في نفسها أول وأكبر ضحية لقرار من هذا النوع كما تري ميركل أنها لن تتمكن من الحصول علي موافقة من برلمانها الذي سيري أن أموال دافعي الضرائب وجهد المواطن الألماني ذهب أدراج الرياح. ووسط هذه الأجواء المحمومة ومع عدم تمخض المحاولات الأوروبية الأخيرة سوي عن مجموعة من المسكنات لم ترق لمستوي الحلول تتأزم مشكلة اليورو ويصبح مصيره في مفترق الطرق وهو ما دفع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلي القول صراحة من خلال مقال له بعنوان الربيع الأوروبي بصحيفة صنداي تيليجراف أنه بات يفكر مليا في إجراء استفتاء شعبي بشأن مستقبل علاقات بلاده بدول أوروبا. وفي إعلان له مردودات سلبية وانعكاسات كارثية تزيد من حجم تفاقم الأزمة الأوروبية وانخفاض سعر العملة الموحدة, هددت فنلندا بالانسحاب من منطقة اليورو لعدم استعدادها لدفع فاتورة أخطاء الغير. وفي أسبانيا قامت الدنيا ولم تقعد منذ اعتماد الحكومة خطة تقشف بقيمة56 مليار يورو لخفض العجز في الميزانية من ناحية ولتفادي الحصول علي حزمة إنقاذ كاملة علي شاكلة اليونان من ناحية أخري, حيث ما يزال الشارع هناك يشهد غليانا ومظاهرات ومصادمات بين المحتجين والحكومة والتي من المتوقع استمرارها لأيام طوال تكون مصحوبة بمشكلات عضال. وعلي كل تبقي هذه الإشكالية وغيرها لتضع مسقبل المنطقة في خطر داهم وتدفع جميع أطرافها, وعلي رأسها ألمانيا, قائد القاطرة الأوروبية, لمسابقة الزمن وللحيلولة دون سقوط المنطقة وانهيار عملتها, فهل ثمة انفراجة يمكن أن تعيد تلك الوحدة الاقتصادية إلي جادة الطريق وسالف العهد أم أن الأمور قد وصلت بتلك المنطقة إلي نقطة اللاعودة وأن كل ما يحدث من نوائب الزمان كافة ما هو إلا إرهاصات ونذير شؤم باقتراب هذا الكيان من نهايته؟ والكرة الآن في ملعب الأطراف كافة لتقرر مستقبل تلك المنطقة خاصة والاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة.