تعقد القمة الثامنة عشرة لمنظمة شانغهاى للتعاون يومى التاسع والعاشر من يونيو 2018، بمدينة تشينغداو الساحلية فى مقاطعة شاندونغ بشرقى الصين. القمة التى سيرأسها الرئيس الصينى شى جين بينج، سيحضرها أيضا زعماء الدول الأعضاء للمنظمة والدول المراقبة، بالإضافة إلى رؤساء المنظمات الدولية المعنية. لا شك أن منظمة شانغهاى للتعاون قد حققت فى مسيرتها العديد من الاختراقات فى قضايا جوهرية مشتركة لأعضائها، وفى مقدمتها قضية مكافحة الإرهاب والتطرف والنزعات الانفصالية، فضلا عن ترسيم الحدود بين الدول الأعضاء وتطوير مجالات تعاون اقتصادية وتجارية، استفادة من المبادرات وأطر التعاون الإقليمية الأخرى. لقد أصبحت المنظمة، منذ تأسيسها، مؤسسة إقليمية شاملة ذات تأثير واسع. إن انضمام الهندوباكستان للمنظمة، يوسع بالتأكيد تعددية الأطراف لمنظمة شنغهاى للتعاون إلى جنوبى آسيا، وبالتالى توسيع حدودها الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والأمنية، ويجعلها أكبر مؤسسة متعددة الأطراف فى العالم من حيث عدد السكان والمناطق الجغرافية. تمثل الدول الأعضاء الثمانية بالمنظمة حاليا أكثر من 60% من مساحة أوراسيا ونحو نصف عدد سكان العالم وأكثر من 20%من الناتج المحلى الإجمالى العالمي. بيد أن المنظمة تواجه أيضا جملة من التحديات الناجمة عن أسباب مختلفة. من نافلة القول أن هناك تباينات بين الدول الأعضاء فى المنظمة، ليس فقط فى القدرات الاقتصادية ومستوى التنمية وإنما أيضا فى المواقف الإقليمية والدولية والأنظمة الاجتماعية والسياسية. وليس خافيا أن تبنى بعض الدول الأعضاء موقفا سلبيا تجاه التعاون المتعدد الأطراف أدى إلى تحجيم نسبى للتعاون الاقتصادى فى إطار المنظمة. إن انضمام الهندوباكستان لمنظمة شانغهاى للتعاون، وبرغم القوة التى تكتسبها المنظمة بعضوية قوتين إقليميتين، فإن ذلك أيضا يفرض تحديا على العمل المشترك للمنظمة، ويتطلب من الهندوباكستان التكيف مع آليات عمل وقواعد سلوك منظمة شانغهاى للتعاون، وامتلاك قدر كبير من الحكمة فى التعامل مع القضايا الخلافية بين الدول الأعضاء، سواء فيما يتعلق بالحدود أو القضايا التجارية والمواقف من القضايا العالمية والإقليمية. كما تواجه المنظمة تحديات بسبب الوضع الجيوسياسى المعقد والبيئة الأمنية الدولية. على الصعيد الدولي، تشهد العلاقات الصينية- الأمريكية والعلاقات الروسية- الأمريكية تغيرات ومنافسات عميقة، بالإضافة إلى النزعة الأحادية وعقلية الحرب الباردة والشعبوية التى تزداد اشتعالا فى الدول الغربية. إن تغير المعطيات الأمنية والاقتصادية العالمية يمثل تحديا آخر للمنظمة، إذا كانت تريد أن تلعب دورا أوسع نطاقا على الساحة الدولية، وأن تتصدى لمحاولات الهيمنة التى تقودها بعض الدول الغربية. لقد ظلت مكافحة الإرهاب هدفا جوهريا وعملا رئيسيا لمنظمة شانغهاى للتعاون على مدار سنوات. ولا نبالغ إذا قلنا إن منظمة شانغهاى للتعاون من أولى المؤسسات المتعددة الأطراف التى أخذت على عاتقها مكافحة الإرهاب، من خلال عدد من الآليات والاتفاقات التى أقرتها الدول الأعضاء، ومنها اتفاقية منظمة شانغهاى لمكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف، واتفاقية منظمة شانغهاى للتعاون بشأن مكافحة الإرهاب، واتفاقية منظمة شانغهاى للتعاون بشأن مكافحة التطرف. ولكن التمدد الجغرافى والأيديولجى للإرهاب والأنماط الجديدة للأعمال الإرهابية، تفرض تحديات أكبر على منظمة شانغهاى للتعاون. ينبغى للمنظمة أن تواصل وضع خططها الأمنية السنوية، وتنفيذ التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة لتعزيز الثقة المتبادلة، وتكثيف التعاون فى مجال مشاطرة المعلومات الأمنية والتنسيق فى خطط مكافحة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله. ينبغى أيضا تعميق التعاون القضائى فى إطار المنظمة لمكافحة الجرائم وحل النزاعات بشكل أكثر فعالية. فى رسالة تهنئة إلى المؤتمر الثالث عشر لرؤساء المحاكم العليا للدول الأعضاء فى المنظمة، والذى عقد فى الخامس والعشرين من مايو 2018، أعرب الرئيس شى جين بينج،. عن أمله فى تعاون جميع الأطراف لمكافحة الجرائم وحل النزاعات بشكل أكثر فعالية، وخلق بيئة قانونية سليمة لدفع بناء الحزام والطريق وتعزيز التنمية الإقليمية. من جانب آخر، هناك فرص سانحة عديدة يمكن أن تستثمرها منظمة شانغهاى للتعاون، إذ يمكن الاستفادة من البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، لتطوير المرافق فى الدول الأعضاء بما ييسر أوجه التعاون الأخرى. وقد بدأ السير فى هذا الاتجاه فعلا، فقد وقعت الهند فى أغسطس 2017، اتفاق قرض مع البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، لتقديم قرض بقيمة 329 مليون دولار أمريكى لتحسين الطرق الريفية فى ولاية غوجارات الغربية. كما أن هناك مبادرة الحزام التى جاء اقتراحها من جانب الرئيس شى جين بينج فى عام 2013، فى خطاب ألقاه فى العاصمة الكازاخية أستانا. هذه المبادرة تمثل فرصة طيبة أخرى لمنظمة شانغهاى للتعاون. ففى إطارها تم تنفيذ عدد من المشروعات فى الدول الأعضاء بالمنظمة، ومنها الممر الاقتصادى بين الصينوباكستان والذى وفر ستين ألف وظيفة للباكستانيين منذ 2015، وسيوفر أيضا أكثر من ثمانمائة الف وظيفة جديدة فى قطاعات مختلفة حتى 2030. وهناك 21 مشروع طاقة سيتم تنفيذها فى إطار الممر الاقتصادى الصيني- الباكستاني، من شأنها أن تضاعف الطاقة الحالية لإنتاج الكهرباء فى باكستان، بعد استكمالها. التطورات التى تجرى على الساحة الآسيوية وعلى الساحة الدولية، تمنح منظمة شانغهاى فرصة نادرة لتلعب دورها المستحق، خاصة مع الدور القيادى للصين فى المنطمة، وهو دور هام لاعتبارات عديدة ومنها أن الناتج المحلى الإجمالى للصين يفوق إجمالى الناتج المحلى لجميع الدول الأعضاء الأخرى، مما يتيح فرصا هائلة للدول الأعضاء للاستفادة من ذلك على المستويين الثنائى والمتعدد الأطراف. إن منظمة شانغهاى للتعاون أصبحت مؤسسة متعددة الأطراف هامة لتعزيز الأمن الإقليمي، ولكنها ليست تكتلا عسكريا أو تحالفا موجها نحو دولة بعينها، وتلك ميزة أخرى لها. إن التطور المستدام لمنظمة شانغهاى للتعاون فرصة للدول الأعضاء وليس تحديا، كما أنه نعمة للمجتمع الدولى وليس تهديدا. فبرغم اختلاف الأنظمة السياسية، حققت الدول الأعضاء بالمنظمة تعاونا متبادل المنفعة عبر التفاوض الجاد والتنسيق الفعال. لقد وضعت المنظمة نموذجا للدول الأخرى لتجاوز الاختلاف فى الأنظمة الاجتماعية والأيديولوجيات وأنماط التنمية والحضارة، لتحقيق تعاون سياسى واقتصادى مكثف يعود بالنفع على كافة الأطراف.