تتكلم أحلام، مسحراتية سودانية، بجسمها كله.. بأعوامها الخمسين، وإذا دعتْ لك تدعو بجمل سريعة لاهثة، كتلك النقرات التى تنادى بها على الناس وقت السحور، كأن صوتها هو قطعة الخرطوم الذى تطرق به الطبلة. كلماتها، المفتوحة الآخر دائماً، لا تخرج، ككل مسحراتى، عن تنبيه الناس إلى اقتراب موعد الإمساك، غير أن جملتها «النايم عبد الشيطان والصاحى عبد الرحمن» لا تتغير، كأنها لحن ثابت أو خلفية لحياتها نفسها، فقد عملت أحلام بالتنجيم وقراءة الطالع.. إلخ، ولما نهاها أحد الشيوخ انتهت وذهبت إلى باب اليقظة. قالت لى: « لا شىء أحب إلىّ الآن من قول.. سبحان الله عدد ما كان، وعدد ما يكون.. سبحان الله عدد الحركة والسكون «. وخزتنى عبارة « عدد السكون»، رددتُها وراءها، وما هى إلا رمشة حتى ترقرقت فى عينى الدموع، لأن أحلام، التى لا تقرأ ولا تكتب، تعرف بفطرتها أن «الغفلة عن الله إنكار له»، ربما لذلك تعهدتْ زوجها، خفيراً مصرياً، بالدعاء. صبرت على إدمانه المخدرات، ظلت تسرد شقاءها بالتنهيد، إلى أن هداه الله وانتبه معها للقمة العيش وأطفالهم الخمسة. ثم إنها راحت توقظ قرية «الدلجمون»، بالغربية. منذ 7 سنوات وهى تمشى قبل الفجر مهرولة من شارع إلى شارع، كأنها لا تريد أن تتوقف، لأن بديل التوقف عن العمل أن تعود لتلك الأيام..عندما كان زوجها يطردها من البيت فتلجأ لصنايق القمامة تأكل منها وتنام فى ظلها. تعبت الست « أحلام».. استوفت حصتها كاملة من التعب، وتنتظر من يوقظها على خبر سعيد.. أنها ستحجّ..ستذهب إلى بيت من توقظ الناس، كى يتسحروا من أجله.