يقول الله تعالى في محكم تنزيله في سورة البقرة: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع) يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: من اجتهد بالتقرُّب إلى الله تعالى بالفرائض، ثم بالنوافل، قرَّبه الله تعالى إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته وعظمته وخوفه، ومهابته وإجلاله، والأنس به والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه مشاهَداً له بعين البصيرة. فنوافل العبادات لها آثارها العظيمة وفضائلها الكريمة ، فهي تكمل نقص الفرائض، وهي أبواب الخير الإلهي والفضل الربانيّ، والداخل في أبواب النوافل هو من السابقين بالخيرات، ومن تقرَّب إلى الله تعالى بالنوافل نال مرتبة المحبة لله تعالى. والتقرب إلى الله تعالى إنما يكون بالأقوال والأعمال التي شرعها الله تعالى لعباده، فالتقرب بالأقوال يكون بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار، وأقرب ما يُتَقرَّب به إليه سبحانه هو تلاوة آياته وترتيل قرآنه، أما التقرب بالأعمال فأولها وأعظمها قرباً هي الفرائض، ثم يأتي بعد ذلك قرب النوافل، حيث الاجتهاد في نوافل الطاعات، والامتناع عن دقائق المكروهات وذلك يوجب للعبد محبة الله تعالى وفي الحديث القدسي: ولا يزال عبدي يتقرَّب إلى بالنوافل حتى أُحِبَّه. وإن من أقرب القُرُبات السباق في الخيرات والتنافس في الطاعات، والبعد عن المكروهات، والتورع عن المشتَبِهات. ويقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين: إن القرب والتقرُّب ليس من جنس قرب المخلوقات من بعضها، فإن الله تعالى ليس كمثله شيء، ولا شبيه له، ولا نظير، بل هو منزه عن الشبه بالمخلوقات من كل الوجوه والاعتبارات، ولذلك لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث القرب والتقرُّب قرنها بالتنزيه والإجلال لرب العزة سبحانه، فقد أورد الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تقرَّب إلى الله شبراً، تقرَّب إليه ذراعاً، ومن تقرَّب إلى الله ذراعاً، تقرَّب إليه باعاً، ومن أقبل على الله ماشياً، أقبل الله إليه مهرولاً، والله أعلى وأجلَ.