يحكى الفضيل بن عياض الذى اشتهر بلقب عابد الحرمين .. أنه رأى يوما طفلا يستعطف أمه كى تسامحه ولكنها كانت غاضبة منه جدا لغلطة لا تغتفر فطردته من البيت .. وظل الولد يبكى ويترجى والدته أن تفتح له الباب ولكنها تركته حتى جاء الليل فأنهكه التعب فنام على عتبة البيت وفى عينيه دموع لاتنام وفى صدره نهنهات لاتتوقف..عندما رأى بن عياض هذا المشهد انفطر قلبه من البكاء تأثرا وتفجرت على لسانه الحكمة فقال: هكذا العبد التائب يبكى ويعتذر ويلح أمام باب الله عله يقبل عودته ويفتح له الأبواب.. مثل هذه القصص والحكم والأمثال تنعش القلب وتجعل العقل يتدبر ويتأمل ويعيد حساباته مع الحياة مرة أخرى..إنها الحكمة. ومع تقدم العلم والتكنولوجيا والذكاء الإصطناعى تظل الحكمة ضالة المؤمن وسيدة العقول. وعندما تتعقد الأمور أحيانا نبحث عمن يعطينا إجابات شافية ومفهومة وبسيطة للأسئلة المستعصية, فالحياة معقدة بما فيه الكفاية حتى الحكماء والمشاهير لم ينجحوا فى فهمها إلا قليلا … خبرة التجارب الصعبة هى التى جعلت رجلا مثل شكسبير يقول :قبل أن تتكلم.. اسمع, قبل أن تكتب.. فكر, قبل ان تصرف المال..اكسب, قبل أن تصلى.. استغفر. قبل أن تجرح.. اشعر, قبل أن تكره.. حب, قبل أن تيأس.. حاول. وهكذا يحرضك كلامه على أن تعيد اكتشاف نفسك مرة أخرى وتعيد اكتشاف العالم من حولك, وهنا تفهم كذلك معنى أن التفكير فريضة وإعمال العقل تكليف ربانى من أجل سعادتك وفوزك بحياة أفضل.. والعم نجيب محفوظ نفسه تعلم الكثير أيضا من المعاناة وكان يقول: الحياة لا تعطى دروساً مجانية لأحد، فحين أقول إن الحياة علّمتنى تأكّد أننى دفعت الثمن. يعنى مفيش حلاوة من غير نار ومفيش حاجة مجانية ولكن الضربة التى لاتقتلك تقويك. ومن أشد التجارب قسوة أن تحارب طواحين الهواء بلا طائل فتصيبك التعاسة والإحباط. .. الأستاذ العقاد كانت تجربته القاسية مع الحمقى والأغبياء خاصة, فتجده قائلا: لا تجادل الأحمق حتى لايخطئ المشاهد فى أن يفرق بينكما. ويوافقه الرأى ميلان كونديرا ويقول لك: ليس هنا أسخف من أن يسعى المرء إلى محاولة إثبات شىء للأغبياء, كن ذكيا وتعلم فضيلة التجاهل. أذكر أننى كنت أحار فى أمر أستاذ مصرى فى جامعة ميتشجان هو الدكتور حسنى خليل ..حضرت معه مناقشات كثيرة وكنت أدهش منه عندما يستمع إلى أفكار وآراء غبية من متحمسين بلامعرفة .. فكان يهز رأسه ويبتسم ويقول ممكن. احتمال, وعندما يرى أن الغباء قد استحكم فى محدثيه المتشددين يقول لهم: تمام تمام, صح .. ويقول: لن يقتنعوا بأى شىء سوى مايعتقدون.. انج بنفسك وحافظ على قواك العقلية . من أجل ذلك يجب أن يكون الجكيم ذكيا وياحبذا لو كان خفيف الظل مثل برنارد شو .. يقول لك: المتفائل والمتشائم كلاهما ضروريان فى الحياة, الأول صنع الطائرة والثانى صنع البراشوت, ويقول أيضا:تقلق المرأة على المستقبل حتى تجد زوجا. فى حين يقلق الرجل على المستقبل عندما يجد زوجة, فترد عليه كاتبه ظريفة .. من حق الرجل أن يفعل مايشاء ومن حق المرأة أن تفعل بالرجل ماتشاء .. والخلاصة فى النهاية إن لم تكن حكيما فاستمتع بصحبة الحكماء وحاول أن تفهم شيئا يعينك على امتلاك شفرة السعادة والرضا فتسعد, وكما يقول لك الفيلسوف ديكارت, ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا, فالمهم أن تستخدمه جيدا. لمزيد من مقالات د. جمال الشاعر