«الشيوخ»: الإضرار بالأمن المائي المصري يؤثر سلبًا على استقرار المنطقة بأكملها    القوات المسلحة تهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى 51 لنصر أكتوبر    برلمانية: مصر تعيش لحظات فارقة تستوجب التكاتف لمواجهة التحديات    بداية جديدة لبناء الانسان.. ماذا فعلت لأهالي قرية البراهمة بقنا؟    رئيس الوزراء: الدولة خسرت 60% من إيرادات قناة السويس بسبب أحداث المنطقة    البورصة المصرية تخسر 29.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    محافظ القاهرة: «هيئة النظافة» حققت طفرة كبيرة خلال الفترة الماضية    «بنك مصر» و«أمازون» يعقدان شراكة مع «مصر للطيران» لتمكين المدفوعات الإلكترونية    رئيس مجلس الشيوخ: نشيد على الدوام بالموقف المصري تجاه الحرب في غزة    موعد مباراتي مصر وموريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا والقنوات الناقلة    تشيزني يوقع عقود انتقاله ل برشلونة    بروتوكول تعاون بين الاتحادين المصري والتونسي لكرة اليد    200 مليون جنيه لحل أزمة زيزو.. وجوميز يرفض مصطفى أشرف    قرار جديد بشأن المتهمين باختلاق واقعة السحر للاعب مؤمن زكريا    سقوط المتهم بتزوير المحررات الرسمية وإثبات مؤهلات مزيفة في البطاقات بالشرقية    محامي المتهمين واقعة مؤمن زكريا ل الشروق: النيابة تحقق مع نجل التُربي والمتهمين أكدوا بحدوث الواقعة    ومن الميراث ما قتل.. أب يقتل شقيقه بمساعده نجلية في الشرقية    قصور الثقافة تعد برنامجًا مكثفًا للاحتفال بذكرى انتصارات حرب أكتوبر    مهرجان أسوان يبدأ استقبال أفلام دورته التاسعة    افتتاح الدورة السابعة لمعرض دمنهور للكتاب ضمن مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    إيمان العاصي وابنتها وعائلة أميرة أديب ضيوف "صاحبة السعادة"    وزير الثقافة يلتقي أعضاء "نقابة الفنانين التشكيليين"    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة القادمة    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    الرئيس الصينى لبوتين: مستعدون لمواصلة التعاون العملى الشامل مع روسيا    بروتوكول بين هيئة الاستشعار وجامعة المنصورة الأهلية لدعم الأبحاث والتدريب    وزارة الثقافة تعلن فتح باب التقدم لجوائز الدولة التشجيعية لعام 2025    فرنسا تدين بشدة الغارات الإسرائيلية الجديدة في قطاع غزة    استشهاد وإصابة 8 جنود من الجيش العراقى فى اشتباكات جنوب كركوك    الثانى والأخير ب2024.. تفاصيل كسوف الشمس الحلقى المرتقب خلال ساعات    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    أستاذ جامعي: شمولية «حياة كريمة» سببا في توفير مناخ جاذب للاستثمار    علي معلول يهدد فرص نجم الأهلي في الرحيل    عبدالواحد: المبالغة في الاحتفال؟!.. نريد جماهير الزمالك أن تفرح    10 مليارات دولار حجم صادرات الصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية    جامعة المنوفية: إحالة عضو هيئة التدريس صاحب فيديو «الألفاظ البذيئة» للتحقيق (بيان رسمي)    9 معلومات عن صاروخ «الفاتح».. قصة «400 ثانية من إيران إلى إسرائيل»    مواليد 3 أبراج محظوظون خلال الفترة المقبلة.. هل أنت منهم؟    رئيس مياه القناة: مستعدون لاستقبال فصل الشتاء بالسويس والإسماعيلية وبورسعيد    الجمعة المقبل غرة شهر ربيع الآخر فلكياً لسنة 1446 هجريا    رئيس جامعة الأزهر: الإسلام دعا إلى إعمار الأرض والحفاظ على البيئة    ضبط 27 طن لحوم ودواجن وكبدة فاسدة بالجيزة خلال سبتمبر الماضي    «الصحة»: ننفق 20 مليار جنيه على أمراض التقزم والأنيميا    «مستشفيات بنها» تحذر المواطنين من التناول العشوائي للأدوية.. تسبب في تسمم 136 حالة    الاعتماد والرقابة الصحية: القطاع الخاص شريك استراتيجى فى المنظومة الصحية    محطة معالجة سلامون بحرى تحصد المركز الأول فى تسرب الكلور بمسابقة تنمية مهارات السلامة    سقوط 6 تشكيلات عصابية وكشف غموض 45 جريمة سرقة | صور    الرئيس السيسي يهنئ غينيا وكوريا وتوفالو بيوم الاستقلال والتأسيس الوطني    البحوث الإسلامية يختتم فعاليات «أسبوع الدعوة».. اليوم    مساعد وزير الصحة: مبادرة «بداية» تهتم بالإنسان منذ النشأة حتى الشيخوخة    أذكار الصباح والمساء مكتوبة باختصار    كل الآراء مرحبٌ بها.. الحوار الوطني يواصل الاستماع لمقترحات الأحزاب والقوى السياسية حول ملف دعم    محمد فاروق: الأهلي يجهز عرضين لفك الارتباط مع معلول    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    بالصور.. نجوم الفن في افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    أمين الفتوى: الأكل بعد حد الشبع حرام ويسبب الأمراض    عاجل - أوفينا بالتزامنا.. هذه رسالة أميركية بعد هجوم إيران على إسرائيل    انتخابات أمريكا 2024| وولتز يتهم ترامب بإثارة الأزمات بدلاً من تعزيز الدبلوماسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى الحلقة الثانية من كتاب «ولاء أعلى» مدير «إف بى آى» السابق يواصل قصف جبهة الرئيس الأمريكى (2-3)
ترامب وإدارته «حريق هائل» يلتهم قيم أمريكا ومعاييرها
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 04 - 2018

* يقود الولايات المتحدة بأسلوب مقايضة ويتعمد الاستهانة بضوابط وتوازنات حماية الديمقراطية
* يجهل واجباته الأساسية كرئيس.. وسلوكه خارج عن كل قواعد «البروتوكول»
* زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ: ترامب يتكلم دون أن يفكر وعلاقته بالحقيقة واهية
* الرئيس الأمريكى ينظر للعالم كمعادلة صفرية فكل خسارة له مكسب لطرف آخر والعكس
* أخبرته أن روسيا لديها شريط فيديو يسجل لقاءاته مع فتيات ليل بموسكو فقال: لا تخبر زوجتى
أصبح دونالد ترامب رئيسا لأمريكا، ووضع هذا قادة أجهزة الاستخبارات الأمريكية فى موقف دقيق، فخلال الحملة الانتخابية، أمر الرئيس الأمريكى آنذاك باراك أوباما بإجراء تحقيق فى دور روسيا بالانتخابات، وبعد النتيجة توجه رؤساء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى آى إيه) ومكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آي) ووكالة الأمن القومى إلى البيت الأبيض لإطلاع أوباما على عملهم فى جلسة الإحاطة الثالثة والأخيرة حول هذه التحقيقات، وكان من بين النتائج أن روسيا استثمرت الكثير من المال والجهد والوقت للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية عبر حملات فى وسائل التواصل الاجتماعى ساعدت حملة ترامب، لكن كان من ضمن معلومات الملف الذى لديهم، والذى أعده عميل سابق فى الاستخبارات البريطانية، أن موسكو لديها شريط فيديو يمكن أن تستخدمه لاحقا فى ابتزاز والضغط على الرئيس الأمريكى المنتخب ترامب.
ويتضمن الشريط لقاءات بين ترامب وفتيات ليل فى فندق بموسكو 2013 خلال تنظيمه لمسابقة ملكة جمال العالم التى كان يشرف عليها، وبعد أسئلة واستفسارات مع أوباما ونائبه جو بايدين ومسئولين آخرين، أوضح قادة أجهزة الاستخبارات أنهم سيطلعون صبيحة اليوم التالى «عصابة الثمانية»، أى كبار مسئولى الكونجرس الأمريكى من الجمهوريين والديمقراطيين على «الملف»، قبل أن يتوجهوا إلى نيويورك لإطلاع الرئيس المنتخب وفريقه عليه.
جيمس كومى المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالى يقول فى كتابه «ولاء أعلي.. الحقيقة والأكاذيب والزعامة» إن أوباما لم يعلق على محتوى الشريط أو يعبر عن أى رأى بخصوصه، لكن عندما وضح أن جيمس كومى شخصيا هو من سيطلع ترامب على نتائج التحقيقات فى دور روسيا، ويخبره أيضا بمحتوى الشريط واحتمالات تأثير ذلك، نظر أوباما إلى كومى نظرة تحمل معني: «حظا سعيدا» دون أن ينطق بكلمة.
ويواصل كومى أنه فى وقت لاحق من ذلك اليوم تلقى مكالمة من جيه جونسون، وزير الأمن الداخلي، الذى حضر الإحاطة فى البيت الأبيض صباحا، والذى كان صديقا له منذ عملا معا كمدعيين فيدراليين بمانهاتن بمدينة نيويوك فى الثمانينيات. قال جونسون لكومي: أنا قلق حيال خطة إبلاغك الرئيس المنتخب وحدك بمحتوى الملف. فرد كومي: وأنا أيضاً. فسأله: هل قابلت دونالد ترامب؟، ولما كانت إجابة كومي: لا. حذره جونسون قائلاً: توخى الحذر. كن حذرا جدا. الأمور قد لا تسير على ما يرام.
وبرغم قلق كومى من تلك المواجهة المبكرة وغير المريحة مع الرئيس المنتخب لم يكن لديه بديل، فمحتوى الملف معروف بالفعل لكل أجهزة الاستخبارات وأعضاء فى الكونجرس ومسئولين بإدارة أوباما، وفى رأيه لم يكن من العادى أن يذهب إلى ترامب ويخبره بالجوانب المتعلقة بتدخلات روسيا فى الانتخابات الأمريكية بدون أن يتطرق إلى مسألة شريط الفيديو برغم محتواه الحساس والمحرج، كما لم يجد كومى بديلا عن عقد لقاء مغلق وخاص مع الرئيس المنتخب، فمن المستحيل سرد محتوى الشريط على الرئيس المنتخب أمام آخرين، وفى كل الحالات كان الأمر معقداً وحرجا، واستقر كومى على أن يؤكد لترامب أن التحقيقات «متعلقة بالأنشطة الروسية» وليس به هو شخصيا، فالنقطة المهمة بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالى ليس أن ترامب التقى فتيات ليل فى موسكو قبل سنوات، بل إن الأجهزة الروسية قد تستغل ذلك لابتزازه والضغط عليه بوصفه رئيساً لأمريكا.
وكان اللقاء بين ترامب وكومي، الذى كان آنذاك «بطلاً» لدى القواعد الشعبية التى انتخبت ترامب بسبب قراره إعادة فتح تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالى فى قضية البريد الإلكترونى للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون قبل أيام من التصويت، ما أدى إلى تراجع حظوظ المرشحة الديمقراطية بشكل كبير، وتم اللقاء فى «برج ترامب» فى نيويورك قبل أيام من تنصيب ترامب رسمياً رئيساً للبلاد. ويقول كومي: «ظهر ترامب كما كان يظهر على شاشات التليفزيون. كان أقصر بقليل مما كنت أتخيله، وبرتقالى قليلاً، والجيوب البيضاء تحت العين بيضاء، على الأغلب بسبب الكمادات التى يرتديها تحت العين خلال جلسات تسمير البشرة لإعطائها اللون البرونزى (التان). وشعر أشقر لامع بالنظر الدقيق له وجدت أنه شعره فعلاً».
وأخبر كومى ترامب عن محتوى الملف الذى أعده عميل استخبارات بريطانى ل»إف بى آي» حول علاقة ترامب والمقربين منه بروسيا، قائلاً له إن من ضمن ادعاءات الملف أن لدى الحكومة الروسية شريط فيديو لترامب مع فتيات ليل فى أثناء رحلة إلى موسكو خلال مسابقة ملكة جمال العالم 2013. ويقول كومى إن ترامب نفى تماما الأمر، وبدا كأنه يدافع عن نفسه، قائلاً إنه «كيف يكون بصحبة عدد من فتيات الليل وهو يخاف من الجراثيم».
ويستكمل كومي: ضحكت ورددت قائلاً: إن الادعاءات ربما يكون قد تم فبركتها، وإن عمل ال»إف بى آي» هو حماية الرئيس من إجباره أو إكراهه على شيء، وخلال تلك المقابلة طلب ترامب من كومى إخفاء هذه المعلومات «إذا كان هناك احتمال واحد فى المائة أن تأخذها زوجته ميلانيا على محمل الجد».
يوضح كومى أنه على الرغم من أن ترامب أنهى الاجتماع بشكل جيد، إلا أن الاتهامات ضده ظلت عالقة فى ذهنه فعلى الأقل مرتين خلال الأسابيع اللاحقة، سرد ترامب أمام كومى جدولا زمنيا خلال رحلته إلى موسكو، كى يظهر له أنه من المستحيل لشريط كهذا أن يوجد أصلاً، ووفقاً لمذكرات كومي، فقد أخبره ترامب بالبيت الأبيض لاحقاً فى يناير 2017 أنه تحدث مع العديد من الأشخاص الذين كانوا فى الرحلة معه، وقال ترامب لكومى إن هؤلاء الناس «ذكّروه» بأنه لم يقض الليل فى موسكو، موضحاً أنه وصل فى الصباح، وحضر سلسلة من الفاعليات، ثم ذهب إلى فندق للاستحمام واللبس لحضور احتفال ملكة جمال العالم، وبعد الحفل غادر روسيا.
وفى اجتماع آخر فى فبراير فى المكتب البيضاوي، أخبر ترامب كومى أن حكاية فتيات الليل هذه «لا أساس لها أصلاً».
ثم يتحدث كومى عن لقاء ثان بينه وبين الرئيس الجديد فى فبراير 2017، بحضور رئيس طاقم البيت الأبيض السابق رينس بريبوس، ويسرد كومى أنه خلال عشاء مشترك، طلب ترامب منه الولاء الشخصي، ثم ضغط عليه ليترك التحقيق فى قضية اتصالات المستشار السابق للأمن القومى الأمريكى مايكل فلين مع الروس، ثم سأل الرئيس كومى سؤالا مليئا بالإيحاءات حول ما الذى يمكن أن يفعله لإزالة الشكوك عن قضية العلاقات بين أعضاء حملته الانتخابية وروسيا، ويقول كومى إنه خلال تلك اللقاءات لم ير ترامب يضحك أبداً، وهى علامة يصفها بأنها دليل على شعور عميق بعدم الأمان أو الثقة، وعدم قدرته على الظهور بمظهر الضعف أو تقدير روح الدعابة لدى الآخرين.
ولا يتردد كومى خلال صفحات الكتاب فى رسم صورة تطابق بين زعماء المافيا الذين تصدى لهم خلال سنوات عمله، وبين الساكن الحالى للبيت الأبيض، ويوضح أنه بعد اللقاء على العشاء تذكر أيام عمله كمدع فيدرالى يواجه المافيا، حيث «الدائرة الصامتة من الموافقين على كل ما يقوله الرئيس. الهيمنة المطلقة للزعيم. قسم الولاء. سيادة رؤية (نحن مقابل هم). الكذب حول كل الأشياء كبيرها وصغيرها لخدمة بعض قواعد الولاء التى تضع المنظمة الإجرامية فوق القيم الأخلاقية وفوق الحقيقة».
ويسرد كومى فى كتابه «ولاء أعلي» كيف أن سلوك ترامب كان خارجا عن كل قواعد السلوك الرئاسية الاعتيادية، وكم هو جاهل بشأن واجباته الأساسية كرئيس، وكيف أنه استهان عن عمد بالضوابط والتوازنات التى تحمى الديمقراطية الأمريكية، بما فى ذلك الاستقلال الأساسى للقضاء وتطبيق القانون».
لم يستطع ترامب إخضاع كومى أو خطب وده واستمرت سحابة التحقيقات فى الحلقة الروسية فوق رأسه، وعندما أقاله فى مايو 2017 قال لزائرين روس فى المكتب البيضاوى عن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية إنه «مجنون» وإن إطاحته مصدر راحة كبيرة بالنسبة له، وذلك قبل تعيين روبرت موللر ليحل محل كومى على رأس التحقيقات حول العلاقة بين روسيا ومسئولين فى حملة ترامب وتدخلات موسكو فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
لا يقدم كتاب كومى معلومات جديدة عن التحقيقات التى يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالى برئاسة موللر حالياً، وهذا طبيعى بالنظر إلى أن مثل هذه التحقيقات مستمرة وتتضمن مواد ومعلومات سرية، كما يفتقر الكتاب إلى التحليل القانونى المفصل، وربما تعمد كومى هذا، لكنه فى المقابل يقدم شيئا آخر، وهو نوع العلاقة بين رئيس لا تحكمه أى قيم أخلاقية كبري، كما يقول كومي، وبين محقق قانونى لا يحيد عن القانون أو القيم العامة.
هذا التوتر والتناقض ثم الصراع والمواجهة حتى الإقالة، ثم تبادل موجات لم تتوقف من الإهانات، يمنح القارئ تجربة أشبه بمنازلة أو صراع درامى بين الخير والشر، لكن على أعلى مستويات السلطة (الخير والشر هنا ليسا مفهومين ثابتين، ففى نظر أنصار ترامب، كومى هو الشخص الشرير الذى كشف معلومات سرية عن مقابلاته مع الرئيس لم يكن يفترض أن يكشفها، ثم شهد ضده فى أسوأ تجارب الخيانة فى تاريخ البيت الأبيض).
ومن سيرته عبر الكتاب يظهر كومى باعتباره مسئولا حكوميا مستقيما مثل السيف، خادم لمبدأ سيادة القانون واحترام الدستور، صاحب سمعة لا يمكن التشكيك فيها، أو نموذج ال«جى مان»، اختصاراً ل «جفرنمنت مان)، وهو تعبير أمريكى رائج يعنى «المسئول الحكومي» النظيف المستقيم الذى يقف ضد فساد المسئولين مدفوعاً بقيم الدين والعائلة والوطن، فهو كمحام شاب فى أوائل الثمانينات كان جزءاً من الفريق الذى أسقط المافيا فى نيويورك، حيث قام بمقابلة القتلة وأعضاء العصابات الإجرامية، وأكل معهم المكرونة وشرب القهوة «الإسبرسو» لكسب ثقتهم، قبل أن يعطوه معلومات أدت إلى اعتقال زعمائهم على رأس عصابات المافيا.
هذه التجارب الأولى علمت كومى كما يقول فى الكتاب إن «للشر وجها عاديا. إنه يضحك، يبكي، يبرر الجرائم ويصنع مكرونة رائعة. فهؤلاء القتلة كانوا أناساً تجاوزا خطا فى التجربة الإنسانية عن طريق اختيار نمط حياة أخري. فقد قاموا ببناء سردهم الخاص لشرح وتبرير جرائمهم. فلم ير أى شخص منهم نفسه كإنسان سييء»، وبعد تجربة عصابات المافيا، تعلم كومى من عمله كنائب للمدعى العام للتعامل مع قضايا ما بعد 11 سبتمبر 2001 خلال إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن، ثم رئيساً لمكتب التحقيقات الفيدرالى بدءاً من 2013 وحتى إقالته. ويسرد كومى قصصا عن خلافاته مع أعضاء إدارة بوش الابن، ويقدم صورة سلبية عن سياسيين ومسئولين من بينهم وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس وديفيد أدينجتون، المستشار القانونى لنائب الرئيس آنذاك ديك تشيني، ويقول كومى إنه بعد 11 سبتمبر من وجهة نظر هؤلاء فإن «الحرب على الإرهاب تبرر كسر القانون»، ويروى أنه خلال عمله فى وزارة العدل خلال تلك الفترة ضغط ديك تشينى وفريقه من أجل أساليب استجواب قاسية ضد المشتبه فى تورطهم بالإرهاب، إضافة إلى تقنين مراقبة ملايين الأمريكيين على الإنترنت باسم حماية أمريكا، وهى الإجراءات التى رآها كومى مفرطة وغير قانونية ودفعته لمواجهة تشينى ومحاميه على أساس عدم دستورية هذه الإجراءات. ويروى كومى أنه فى إحدى ليالى عام 2004 هرع إلى غرفة المستشفى حيث كان يعالج جون أشكروفت وزير العدل الأمريكى فى إدارة بوش لمنع مسئولى الإدارة من استغلال مرض أشكروفت وإقناعة بالموافقة على إعادة تفويض وكالة الأمن القومى بمراقبة ملايين الأمريكيين، وهى الخطوة التى كان يرى كومى وغيره من مسئولى وزارة العدل الأمريكية أنها ستكون انتهاكاً واضحاً للدستور الأمريكي.
لقد عمل كومى فى ثلاث إدارات أمريكية سابقة، وفى كل الوظائف ولدى كل الإدارات كان معروفاً باستقلاله الكامل ومهنيته، وهو يأخذ تلك الخبرات التى توافرت لديه عبر التعامل مع الإدارات السابقة للحكم على ترامب. لا يذكر كومى ترامب بالاسم إلا فى الفصول الأخيرة من الكتاب، لكن وصوله كان متوقعا فى كل صفحة من الكتاب تقريباً، فما تحدث عنه فى الفصول الأولى من تجربته حول المخاطر التى تتهدد أمريكا من عدم احترام القانون والمؤسسات، ودور المال، والكذب، وهى التهديدات التى قضى كومى معظم حياته المهنية يصارعها كمحام، ولاحقاً كمدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وهى نفس القضايا التى واجهها خلال العمل فى إدارة ترامب، وبنفس المعايير الأخلاقية التى طبقها خلال مسيرته، يصف كومى ترامب وإدارته فى كتابه ب «حريق هائل» يلتهم قيم امريكا ومعاييرها...هذا الرئيس غير أخلاقي، ومتحلل من الحقيقة والقيم المؤسسية. أسلوبه فى القيادة أسلوب مقايضة، مدفوع بالأنا والولاء الشخصى له».
وخلال شهادة كومى أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكى فى يونيو الماضي، لاحظ تشاك شومر زعيم الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ الأمريكى أن الروايات المتناقضة بشكل جذرى فى كثير من الأحيان بين ترامب من ناحية وكومى من ناحية أخرى تطرح السؤال التالي: من يجب أن نصدق؟، ويرد شومر ضمناً بقوله إنه إذا وضعت سجل الرجلين وسمعتهما ومسيرتيهما المهنية والشخصية جنباً إلى جنب من الصعب تخيل شخصين أكثر اختلافاً من ترامب وكومي، وبالنسبة للكثيرين سؤال: من نصدق؟ من السهل الإجابة عنه، فالاختيار كما يقول السيناتور الأمريكى هو بين شخصين: أحدهما لا يتكلم بدون تفكير ويختار كلماته بعناية، بحيث لا تكون هناك أى ضبابية، والآخر يتكلم بدون أن يفكر بلغة فضفاضة وتعبيرات تحمل أوجها كثيرة، وعلاقته واهية بالحقيقة، رئيس يذكر معلومات زائفة أو مضللة بمعدل 6 مرات فى اليوم، ويعانى عقدتى الاضطهاد والعظمة معاً، وينظر للعالم كمعادلة صفرية وبشكل عدمي، فكل خسارة له هى مكسب لطرف آخر وكل مكسب له هو خسارة لطرف آخر. جاهز للتنكيل بأعدائه ومعارضيه. والثانى -وهو كومي- كتب أطروحته فى الجامعة عن السياسة والأخلاق قائلا «الرجل يدخل عالم السياسة من أجل تحقيق العدالة ومنع الأقوياء من التهام الضعفاء»، ولديه شعور عميق بسمعته ونزاهته لدرجة أنه عندما أعطى زميله السابق جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية السابق رابطة عنق هدية، حرص على أن يخبره انها كانت هدية سابقة من شقيق زوجته.
فى 9 مايو 2017 أقال ترامب كومى فجأة، وبرغم أن الرئيس شعر أنه تخلص من عبء ثقيل، لكن الإقالة سببت سخطاً وغضباً فى «أف بى آي» وحتى داخل البيت الأبيض، ويقول كومى فى كتابه إن الجنرال جون كيلى وزير الأمن الداخلى آنذاك، والذى أصبح لاحقاً رئيس طاقم البيت الأبيض، اتصل به بعد الإقالة وقال له إنه يشعر بالغثيان من الطريقة التى أقيل بها كومى من منصبه، كما قال إنه يفكر فى الاستقالة احتجاجاً، فرد عليه كومى متمنياً عليه البقاء فى البيت الأبيض «لأن ترامب يحتاج إلى شخصيات ذات مبادئ مثله» إلى جانبه فى البيت الأبيض.
وإذا كان ترامب تمنى أن تكون إقالة كومى بداية لإغلاق الملف الروسي، فقد حصل على عكس ذلك تماماً، فالمدعى العام الخاص الذى تم تعيينه روبرت موللر، لم يظهر تباطؤا فى متابعة الملف، والأكثر من ذلك أنه فتح تحقيقاً فى الطريقة التى أقال بها ترامب كومي، فالأسباب التى ساقها الرئيس تضاربت مع الوقت، فعند إقالته فى البداية برر ذلك، بأنه بسبب طريقة إدارة كومى للتحقيقات فى الملف الروسي، وبأنه لا يقود مكتب التحقيقات الفيدرالى بشكل فعال، وبعد ذلك بيومين استشهد ترامب بالتحقيق المتعلق بروسيا فى مقابلة أجرتها معه شبكة «إن.بي.سى نيوز» مكرراً نفس الأسباب، لكنه عاد وقال لاحقاً إنه لم يقيله بسبب الملف الروسي، بدون أن يحدد أسباب الإقالة بدقة.
أما كومى فيقول فى كتابه «ولاء أعلي» إنه لا يعلم على وجه الدقة لماذا أقاله ترامب، لكنه يوضح أنه يشكك فى حقيقة أن تكون الإقالة بسبب طريقة إداراته لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ومن المفارقات أن كومي، الذى أراد أن يحمى مكتب التحقيقات الفيدرالى من السياسة ودهاليزها، انتهى به الأمر بوضع «إف بى آي» فى خضم عاصفة سياسية على خلفية انتخابات 2016، كما أنه من المفارقات أيضاً أن يكون المسئول القانونى الذى يفتخر بأنه غير سياسى ومستقل، يجد نفسه فى قلب معركة سياسية يتداخل فيها البيت الأبيض والكرملين، وترامب وهيلارى كلينتون. معركة لم تنته كل فصولها بعد وقد تكون نقطة تحول أخرى فى التاريخ.
فى الحلقة الأخيرة: أسرار الأوراق السرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.