بالرغم من أن قمة الرؤساء والملوك العرب فى الدمام حافلة بالملفات السياسية الساخنة.. فإننا رأينا أنه يجب ألا نغفل إلقاء الضوء على المشهد الاقتصادى العربي.. ولم يكن ذلك ممكناً إلا بلقاء السفير الدكتور كمال حسن على الأمين العام المساعد، رئيس القطاع الاقتصادى فى جامعة الدول العربية الذى رحب بالحديث مع الأهرام . هل لكم أن تعطونا فكرة عن منطقة التجارة الحرة العربية الكبري؟ بدأ التطبيق التدريجى لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى اعتبارا من عام 1998، ومع النجاح الكبير فى المراحل الأولى من التطبيق التدريجى لمتطلبات إقامة المنطقة تم تقليص الفترة الزمنية لإقامة المنطقة لتكون 7 سنوات بدلا من 10، ومن ثم أصبحت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قائمة اعتبارا من أول يناير من عام 2005، وقد حققت فى العام الجارى خطوة جديدة على طريق اكتمال البناء وهو اعتماد قواعد المنشأ التفصيلية لقائمة السلع المتفق عليها، والتى دخلت حيز التطبيق اعتبارا من أول يناير من العام الحالى 2018، كما تمت إزالة الرسوم الجمركية على السلع ذات المنشأ العربي، وكذلك إلغاء القيود الكمية على التجارة إلى غير ذلك من القضايا التى انتهينا منها بالفعل فى اطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبري. ما هى أهم الانجازات التى تم تحقيقها فى إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ؟ النجاح الذى حققته منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى يشمل مجالات متعددة.. ولكن سأشير فى عجالة إلى بعض النجاحات التى حققتها المنطقة والتى يشهد بها القاصى والدانى وهي: أصبحت الرسوم الجمركية صفرية على التجارة البينية للسلع ذات المنشأ العربى اعتبارا من 1/1/2005، بل ان النجاح فى مراحل التطبيق الأولى هو ما دفع الدول العربية الى اختصار فترة التطبيق الى سبع سنوات بدلا من عشر. تم فى دورة المجلس الاقتصادى والاجتماعى رقم 101 اعتماد قواعد المنشأ التفصيلية للسلع المتفق عليها وسوف تدخل حيز النفاذ اعتبارا من 1/10/2018، وهى تتجاوز 90% من إجمالى قواعد المنشأ للسلع العربية، وهناك قرار من المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالانتهاء من الاتفاق على باقى السلع قبل نهاية 2018. وقف العمل بالاستثناءات والرزنامة الزراعية اعتبارا من 1/1/2005 إزالة معظم القيود الكمية على التجارة البينية للدول العربية بناء على الزيارات الميدانية للمنافذ الجمركية للدول العربية. التوقيع على عدد من الاتفاقيات التى من شأنها تسهيل التجارة ومن ثم خدمة المنطقة، أهمها اتفاقية التعاون الجمركي، واتفاقية تنظيم النقل بالعبور( الترانزيت) بين الدول العربية. توشك اللجان الفنية حاليا على الانتهاء من وضع آلية المعالجات التجارية والتى تضم آليات الدعم والإغراق والتدابير الوقائية. إقرار آلية لفض المنازعات فى إطار المنطقة اعتبارا من عام 2004، وجار العمل على تحديثها. الدكتور كمال حسن على مع مندوبى الأهرام
ما هو تأثير تلك الإنجازات على التبادل التجارى بين الدول العربية؟ ترتب على تلك الانجازات ارتفاع التجارة البينية بين دول المنطقة فعلى سبيل المثال ارتفعت الصادرات البينية للدول الأعضاء من 15 مليار دولار عام 1997 إلى نحو 99 مليار دولار عام 2016 وذلك بمعدل نمو سنوى يقدر ب 14% وهو معدل كبير بكل المقاييس ونفس الحال فى جانب الواردات، وبذلك ارتفعت الأهمية البينية للتجارة العربية البينية لتمثل نحو 12% مقابل 5% قبل قيام المنطقة، بل إن التجارة البينية تتجاوز ال45% لبعض الدول غير النفطية، ولولا هيمنة النفط على هيكل الصادرات للدول العربية لتجاوزت نسبة التجارة البينة نسبة ال20% من التجارة الإجمالية، وقد تم اعتماد اتفاقية لتحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية من قبل المجلس الاقتصادى والاجتماعي، وقدمت 10 دول جداول التزاماتها وجار حاليا تصديق الدول عليها تباعا. هل هناك رؤية للانتقال إلى مراحل أكثر عمقا فى التكامل الاقتصادى العربي، ام أن منطقة التجارة الحرة تعد نهاية المطاف؟ إن من بين أهم أهداف منطقة التجارة الحرة، وضع أساس لإقامة تكتل اقتصادى اكثر عمقا، ومن ثم فقد عملت الدول العربية على الإعداد لإقامة الاتحاد الجمركى العربي، وبالفعل قطعنا شوطا فى إطار إقامة الاتحاد الجمركى العربي، حيث أنشئت اللجان الخاصة بمتابعة إقامة الاتحاد وهى لجنة الاتحاد الجمركى والتى أنشأت بدورها لجنتين فنيتين هما لجنة القانون الجمركى العربى الموحد، ولجنة التعريفة الجمركية الموحدة، وجرى عقد 33 اجتماعاً للجنة الاتحاد الجمركى العربي، و31 اجتماعاً للجنة القانون الجمركى العربى الموحد و38 اجتماعاً للجنة التعريفة الجمركية العربية الموحدة. وما هى نتيجة كل تلك الاجتماعات؟ أسفرت تلك الاجتماعات عن الانتهاء من القانون الجمركى العربى الموحد، كما تم صياغة المذكرة الإيضاحية واللائحة التنفيذية للقانون، والانتهاء من توحيد التفريعات الوطنية للتعريفة الجمركية الموحدة ويجرى التفاوض لتوحيد التعرفة الجمركية العربية الموحدة فى ضوء هياكل التعريفة الجمركية المطبقة والمثبتة فى إطار منظمة التجارة العالمية، فضلا عن إعداد دراسات ستفيد فى وضع تصورات العمل للمرحلة القادمة لبرامج عمل الاتحاد الجمركى العربى بما فيها أسس وضوابط السلع المراد حمايتها فى إطار الاتحاد الجمركى العربى وقوائم السلع المقيدة والمحظورة وخيارات التعريفة وحماية الصناعات المهمة وغيرها من القضايا المتعلقة بالاتحاد الجمركى العربى وستوجه المرحلة القادمة لصياغة مسارات تجريبية للبنية الفنية للاتحاد الجمركى العربى الموحد واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من قبل الدول المؤهلة، كما انتهينا من إعداد نموذج جمركى عربي، وكذا مشروع دليل الإجراءات الجمركى العربى الموحد. وماذا عن العقبات أمام التكامل الاقتصادى العربي؟ إن الإشارة إلى تلك الانجازات بالطبع لا تعنى أن العمل الاقتصادى العربى المشترك لا يواجه عقبات، هناك عقبات من أهمها تبنى سياسات تجارية حمائية من قبل بعض الدول العربية الأعضاء فى منطقة التجارة الحرة العربية الكبري، الأمر الذى يتطلب آلية محدثة للإخطارات وتعزيز مهام نقاط الاتصال فى المرحلة القادمة، ومن العقبات أيضاً عدم الانتظام فى موافاة الأمانة العامة بالتقارير القطرية الدورية والتى تهدف الى تحقيق الشفافية وعرض كافة المعوقات والقيود غير الجمركية التى تواجهها فى تطبيق أحكام البرنامج التنفيذى للعمل على حلها، وكذلك عدم وجود آلية واضحة للتعامل مع الإجراءات المقيدة للتجارة والقيود غير الجمركية، وتباين البنية التحتية للجودة وسلامة الغذاء بين الدول العربية التى تعتبر من أهم معوقات انسياب التجارة بين الدول العربية والتى يجب التعامل معها خلال المرحلة القادمة من خلال تحديث البنية التشريعية للمنطقة بأعداد ملاحق مكملة للبرنامج التنفيذى للمنطقة وذلك بغرض إدماج بعض الموضوعات ذات الصلة فى الهيكل القانونى لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبري، كذلك عدم التزام بعض الدول أحيانا بقرارات المجلس الاقتصادى والاجتماعي، الأمر الذى دعا القمة العربية إلى أن تطلب من الأمانة العامة وضع آلية لإلزام الدول الأعضاء بقرارات المجلس الاقتصادى والاجتماعى المرتبطة بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبري. وماذا عن التطور الذى حققه الاتحاد الإفريقى فى إقامة منطقة تجارة حرة إفريقية، وكيف تقارنها مع منطقة التجارة الحرة العربية الكبري؟ فى واقع الأمر انه لا يوجد وجه للمقارنة بين المنطقتين، فهناك كيان قائم بالفعل منذ عام 2005 مكتملة أركانه القانونية والتشريعية والفنية، وهو منطقة التجارة الحرة العربية الكبري، فى حين أن منطقة التجارة الحرة الإفريقية ما هى إلا خطوة فى بداية الطريق تحتاج إلى جهد ووقت حتى تتم إقامتها، ومع تقديرنا الكبير لهذه الخطوة إلا ان الحديث عن نجاحها سابق لأوانه لان هناك العديد من المتطلبات التى يجب انجازها، فحتى الآن ما تم من قبل دول الاتحاد الإفريقى ما هو إلا مشروع اتفاق لإقامة منطقة تجارة حرة قارية افريقية، وبالتالى حتى الآن لم تتم المصادقة عليه من الدول ولم يدخل حيز التنفيذ، كما أنه يحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل ومفاوضات مكثفة، حتى يصل إلى ما وصلت إليه منطقة التجارة الحرة العربية الكبري. هل الطريق ممهد أمام إقامة منطقة التجارة الحرة الإفريقية؟ رغم سعادتنا بتلك الخطوة المهمة على اعتبار أن هناك 10 دول عربية أعضاء فى الاتحاد الإفريقى ومن ثم تعد منطقة التجارة الحرة الإفريقية مكملة ومدعمة لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبري، إلا أن هناك صعوبات تواجه منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، من أهمها: عدم وجود بنية أساسية جيدة خاصة الطرق البرية، والسكك الحديدية. عدم وجود خطوط طيران منتظمة بين الدول الأعضاء. انخفاض متوسط دخل الفرد، وهو عامل أساسى فى الارتقاء بالتجارة البينية. التشابه الكبير فى الهياكل الاقتصادية ومن ثم هياكل صادرات الدول الإفريقية. التفاوت فى مراحل النمو والتنمية الاقتصادية للدول الإفريقية.. ولكن مع بذل مزيد من الجهد من الممكن التغلب على تلك العقبات، خاصة فى ظل الإرادة السياسية الداعمة لهذا القرار.