تنعقد قمة الظهران في ظل مشهد عربي تحيط به التعقيدات من كل حدب وصوب، فالقضية الفلسطينية، قضية العرب المحورية التي تسعي إسرائيل وبعض القوي الدولية إلي طمسها والقضاء عليها، تفرض نفسها بقوة علي الأولويات العربية، وقد عادت من جديد انتفاضة الشعب الفلسطيني ومسيراته للعودة، التي تثبت أن الحقوق لا تموت وأن المقاومة هي السبيل لاستعادة وفرض الحقوق. وهذه التطورات والتحديات علي صعيد القضية الفلسطينية تفرض نفسها علي أولويات القمة التي يمكن وصفها بأنها واحدة من أهم وأخطر القمم العربية، فضلا عن التطورات الخطيرة الأخري علي صعيد ما تتعرض له عدة دول عربية من تحديات وجودية، وكذلك ملف الإرهاب، وملف التدخلات الخارجية إقليمية ودولية . وقد تعرضت العاصمة السعودية الرياض عشية استقبالها الاجتماعات التحضيرية للقمة التي تعقد في الظهران الأحد المقبل لعواصف وبرق ورعد، مثلما هو الحال في معظم الدول العربية التي تعصف بها أنواء سياسية واجتماعية واقتصادية عاتية، وهذا يقودنا إلي التحديات والمخاطر التي تعصف بالأمة العربية وبالعمل العربي المشترك، ثم انهمر بعد الجو العاصف في الرياض الغيث فاستبشر الناس وتفاءلوا خيرا. وتعقد قمة الظهران في ظل تحديات مصيرية، وأولها القضية الفلسطينية، والتي تواجه تصعيدا إسرائيليا إجراميا، مدعوما بانحياز أمريكي غير مسبوق، يتعارض مع كل ما كانت تنادي به الولاياتالمتحدة. ثم تأتي كارثة تمزيق وتقطيع أوصال الدول العربية الواحدة تلو الأخري، وكذلك ملف الخلافات العربية - العربية الذي انزلق إلي طور خطير للغاية، حيث استعانت بعض أطراف الخلاف بقوي إقليمية وأخري دولية، وهو الأمر الذي يضرب العمل العربي المشترك في الصميم ، الأمر الذي فتح الباب واسعا ليتحول المشهد العربي إلي ساحة للأطماع والنفوذ وتصفية الحسابات للقوي الدولية والإقليمية، وما المشهد السوري إلا نموذج متكامل الأركان لهذه التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن العربي، والأمر في ليبيا لا يختلف كثيرا، فقد تكالبت علي ليبيا جماعات وتنظيمات من مختلف أنحاء ومشارب العالم، بعضها مسلح وبعضها إرهابي أو استخباراتي أو اقتصادي، وكل منها ينتظر لحظة تقسيم الغنائم. أما اليمن فما زالت أوضاعه تستعصي علي الحل، وتتفاقم أزمته الإنسانية التي أصبحت أكبر كارثة إنسانية في العالم وفقا لوصف منظمات الأممالمتحدة والمسئولين الدوليين. أما خطر الإرهاب الذي أصبح وباء يجتاح العالم العربي فإنه سيكون مطروحا بقوة في أجندة أعمال قمة الظهران التي ينتظر أن يكون لها قرارات حاسمة في درء هذا الخطر. ومن المخاطر التي سيكون علي القمة النظر فيها قضية تغليب المصالح القطرية الضيقة علي المصالح الجماعية المشتركة والتباطؤ في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في القمم السابقة. إن قمة الظهران تمتلك بعض عوامل النجاح، التي في الحقيقة يمكن أن تكون كذلك عوامل فشل، وتفسير ذلك أنه حينما تصل الأزمة إلي حافتها فقد يكون ذلك دافعا وحافزا لإيجاد الحل وإنقاذ الوضع، ولكن الأمر يبقي محفوفا بالمخاطر، حيث يخشي أن يتم تجاوز الحافة إلي الهاوية إن لم تتوافر الحكمة والحنكة في التعامل مع مثل هكذا أوضاع حساسة وحرجة. وبناء عليه فإنه تقع علي عاتق المملكة العربية السعودية مسئولية كبيرة، وكل الأمل معقودا علي حكمة المجتمعين في الظهران من القادة العرب ليفتحوا سبيلا جديدا أمام الشعوب العربية، وليشرعوا نوافذ الأمل، بعد أن وصلت الشعوب إلي أقرب ما يكون لحالة من اليأس الكامل من العمل العربي المشترك، وعلي القادة جميعا تقع مسئولية إعادة الثقة في جدوي هذا الطريق، من خلال العمل بكل شجاعة لبناء إرادة جماعية للعمل العربي المشترك، فلا يمكن تصور أن منطقة جغرافية تمتد إلي ما يقرب من 14 مليون متر مربع وأن عددا من السكان يقاربون 400 مليون ، تجمعهم مشتركات اللغة والدين والعادات والتقاليد، تفتقد إلي صوت سياسي واحد يعبر عن آمال الشعوب، وإلي تفعيل كيان سياسي واحد يحمي مصالحهم، ومن غير المتصور أو المقبول أن يتم إنفاق مليارات الدولارات هباء منثورا، في الوقت الذي يمكن فيه إنفاق نصف هذه الأموال أو ربعها في رفع درجة مناعة المنطقة ضد جميع المخاطر التي تحيط بها. إن معاناة ملايين اللاجئين والنازحين والمشردين العرب والأرواح التي أزهقت يجب أن يكون علي رأس أولويات هذه القمة. إن تأمين وتحصين الجسد العربي من الإرهاب يجب أن تكون كذلك في مقدمة الأولويات، وقبل كل ذلك حل الخلافات العربية العربية، التي تنخر في الجسد العربي . الأجواء مهيأة لإخراج قمة عربية مميزة ومؤثرة وفاعلة إذا توافرت الإرادة وحسن النوايا، فليقتنص المجتمعون في الظهران عوامل النجاح ويسخرونها في مصلحة البلاد والشعوب، وليدع المجتمعون الخصام والنزاع والشقاق جانبا، ولينظروا إلي الواقع الأليم الذي تمر به هذه الأمة، والمستقبل المجهول الذي ينتظرها إن لم يسارعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.