تراجع سعر الدولار أمام الجنيه اليوم في البنوك    التموين تكشف موعد عودة البطاقات المتوقفة بسبب ممارسة الكهرباء    شروط مهينة، إسرائيل قدمت طلباتها لواشنطن لإنهاء الحرب في لبنان    ترحيل كهربا من بعثة الأهلي في الإمارات وخصم مليون جنيه من مستحقاته    15 صور لاحتفالات لاعبي الزمالك مع زوجاتهم بالفوز على بيراميدز    طقس اليوم: مائل للحرارة نهارا ومعتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 29    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    صندوق الإسكان الاجتماعي يكشف شروط الحصول على شقة في الإعلان الجديد (فيديو)    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    الصحة: تقديم الخدمة لأكثر من 2.4 مليون حالة بقوائم الانتظار    فصائل عراقية تعلن شن هجوم على موقع عسكري إسرائيلي في الجولان    الزمالك ينتقد مستوى التحكيم في مباراة بيراميدز.. ويحذر من كارثة بنهائي السوبر.. عاجل    اللواء وائل ربيع: بيان الخارجية بشأن فلسطين قوي وجاء في توقيت مناسب    مقتل سائق «توك توك» بسبب خلافات الأجرة بعين شمس    حظك اليوم برج القوس الاثنين 21 أكتوبر 2024.. مشكلة بسبب ردود أفعالك    علي الحجار يستعد لتقديم موهبة جديدة في حفله بمهرجان الموسيقى العربية    أبرزهم هشام ماجد ودينا الشربيني.. القائمة الكاملة للمكرمين في حفل جوائز رمضان للإبداع 2024    عمرو مصطفى يكشف ذكرياته مع الراحل أحمد علي موسى    المتحف المصري الكبير يفتح أبواب العالم على تاريخ مصر القديمة    مشعل يرثي زعيم حماس يحيى السنوار.. ماذا قال؟    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    «زي النهارده».. تدمير وإغراق المدمرة إيلات 21 أكتوبر 1967    طريقة عمل الكريم كراميل، لتحلية مغذية من صنع يديك    حادث سير ينهي حياة طالب في سوهاج    ناهد رشدي وأشرف عبدالغفور يتصدران بوسترات «نقطة سوده» (صور)    المندوه: السوبر الإفريقي أعاد الزمالك لمكانه الطبيعي.. وصور الجماهير مع الفريق استثناء    الاحتلال الإسرائيلى يقتحم مدينة نابلس بالضفة الغربية من اتجاه حاجز الطور    حسام البدري: إمام عاشور لا يستحق أكثر من 10/2 أمام سيراميكا    إصابة 10 أشخاص.. ماذا حدث في طريق صلاح سالم؟    6 أطعمة تزيد من خطر الإصابة ب التهاب المفاصل وتفاقم الألم.. ما هي؟    «العشاء الأخير» و«يمين في أول شمال» و«الشك» يحصدون جوائز مهرجان المهن التمثيلية    إغلاق بلدية صيدا ومقر الشرطة بعد التهديدات الإسرائيلية    هيئة الدواء تحذر من هشاشة العظام    نقيب الصحفيين يعلن انعقاد جلسات عامة لمناقشة تطوير لائحة القيد الأسبوع المقبل    قودي وذا كونسلتانتس: دراسة تكشف عن صعود النساء في المناصب القيادية بمصر    أحمد عبدالحليم: صعود الأهلي والزمالك لنهائي السوبر "منطقي"    حزب الله يستهدف كريات شمونة برشقة صاروخية    مزارع الشاي في «لونج وو» الصينية مزار سياحي وتجاري.. صور    للمرة الرابعة تواليا.. إنتر يواصل الفوز على روما ولاوتارو يدخل التاريخ    واحة الجارة.. حكاية أشخاص عادوا إلى الحياه بعد اعتمادهم على التعامل بالمقايضة    تصادم قطار بضائع بسيارة نقل في دمياط- صور    كيف تعاملت الدولة مع جرائم سرقة خدمات الإنترنت.. القانون يجب    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    ملخص مباراة برشلونة ضد إشبيلية 5-1 في الدوري الإسباني    تصادم قطار بضائع بسيارة نقل ثقيل بدمياط وإصابة سائق التريلا    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    النيابة العامة تأمر بإخلاء سبيل مساعدة الفنانة هالة صدقي    نجم الأهلي السابق: هدف أوباما في الزمالك تسلل    وفود السائحين تستقل القطارات من محطة صعيد مصر.. الانبهار سيد الموقف    قوى النواب تنتهي من مناقشة مواد الإصدار و"التعريفات" بمشروع قانون العمل    نائب محافظ قنا يشهد احتفالية مبادرة "شباب يُدير شباب" بمركز إبداع مصر الرقمية    عمرو أديب بعد حديث الرئيس عن برنامج الإصلاح مع صندوق النقد: «لم نسمع كلاما بهذه القوة من قبل»    «شوفلك واحدة غيرها».. أمين الفتوى ينصح شابا يشكو من معاملة خطيبته لوالدته    جاهزون للدفاع عن البلد.. قائد الوحدات الخاصة البحرية يكشف عن أسبوع الجحيم|شاهد    بالفيديو| أمين الفتوى: لهذا السبب يسمون الشذوذ "مثلية" والزنا "مساكنة"    مجلس جامعة الفيوم يوافق على 60 رسالة ماجستير ودكتوراه بالدراسات العليا    جامعة الزقازيق تعقد ورشة عمل حول كيفية التقدم لبرنامج «رواد وعلماء مصر»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام الشارقة.. رسالة فنية راقية لكل المسرحيين العرب
كتاب الله.. مسرحية تعرض فضاء جديدا للتعايش والتسامح والتعارف والحوار!
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 03 - 2018

خمسة أيام من المتعة قضيتها في قلب فاعليات أيام الشارقة المسرحية في حضور250 ضيفا ومشاركا من العديد من الدول العربية و13 عرضا مسرحيا تتنافس فيما بينها لتنال الجوائز الكبري, والواقع أن أيام الشارقة المسرحية أصابتني بنوع من المتعة الخاصة, لما لها من بعدين- بحسب أحمد بورحيمة, مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام- مدير أيام الشارقة المسرحية, البعد الأول محلي والآخر عالمي, فمن حيث العروض يتمتقديم عروض مسرحية محلية وفيما يتعلق بالمحور الفكري فهو مفتوح, حيث يوجد علي هامش الأيام ملتقي أوائل المسرح العربي في دورته السابعة الذي يأتي انطلاقا من حرص الإمارات, وخاصة الشارقة علي تبني المواهب العربية الشابة في الساحة المسرحية وتنمية قدراتها وإمكاناتها.
أبورحيمة يلفت النظر في مؤتمر صحفي قبل يوم واحد من افتتاح الفاعليات إلي دور الأيام في تبني وتشجيع الكتاب المسرحيين من خلال جائزة التأليف المسرحي وقيمتها100 ألف درهم, التي أصبحت ذات بعد خليجي أكثر مما هو محلي, وذلك انسجاما مع رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي, حاكم الشارقة, بأهمية دور الكاتب والنص في الحراك المسرحي, كما شهدت هذه الدورة احتفاء بالنساء في المسرح العربي من خلال مهرجان مشاهدات نسوية, هذا وتوج في حفل الافتتاح الفنان المصري القدير محمد صبحي بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثانية عشرة, كما تم تكريم الفنان الإماراتي المبدع محمد العامري, بوصفه شخصية المهرجان, وقد حفل البرنامج المصاحب لالأيام بطائفة متنوعة من البرامج الثقافية التي نظمت علي مدي فترتي الظهيرة والمساء, ومن أبرزها الملتقي الفكري الذي يجيء هذه السنة تحت عنوان النقد المسرحي العربي: الترجمة والتثاقف بمشاركة مجموعة من الباحثين العرب, وغير ذلك من ندوات تبحر في قضايا جوائز المسرح بين النمطية والتحديث, وتناص أم تلاص في الإخراج المسرحي والفن يورث؟ عرض تاريخي حول عائلات المسرح العربية, والكتابة المسرحية حاضرا: ما الذي ترويه, فضلا عن سهرات أخري حول مسرحة السيرة الذاتية.. ذاكرة عربية و الثنائيات المسرحية بين الحضور والغياب و المسرح حياة.. شهادات نسوية, وأبو الفنون والشعر.. هل غادر الشعراء خشبة المسرح,و ضد النسيان.. مسرحيات عربية خالدة.
كتاب الله: الصراع بين النور والظلام
انطلقت الدورة الثامنة والعشرون من أيام الشارقة المسرحية في ليلة الثالث عشر من مارس الحالي, مع عرض مسرحي بعنوان كتاب الله للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة, الذي استعرض عبر خمسة مشاهد سير علماء المسلمين الأوائل الذين نبغوا في شتي مجالات العلوم, ونقل الغرب عنهم علمهم وفكرهم أمثال( جابر بن حيان ويعقوب بن إسحاق الكندي والحسن بن الهيثم والخوارزمي والرازي والفارابي وأبو الريحان البيروني), وهي رؤية خاصة يبني بها كل أزمنة الواقع الإسلامي, ويعطيه ما يستحقه من عناية أدبية وفنية, تركز علي سبب أفول الحضارات, وتمثل المسرحية علامة بارزة في فعل الكتابة عن حالة وضعية الأمم وحالات الشعوب, وهي مستوحاة من التاريخ والأسطورة معا, وتقوم الفكرة الأساسية في النص علي الإجابة عن سؤال: لماذا هذا السقوط المتكرر للحضارة الإسلامية, ويعرض الكاتب هنا لموضوع معاصر يتعلق بالإرهاب, ومن ثم يقوم النص علي عرض الصراع بين النور والظلام باعتباره نزاعا بين المقدس وبين من تلطخت أيديهم بدم الأبرياء, لتبدو معادلة الصراع واضحة في هذا النص المسرحي, لأنها مبنية علي أحداث تقع في الحاضر, بحيث يمكن القول إن التجربة المسرحية عند الدكتور القاسمي قد صارت موضوعا إسلاميا يدافع عن تجربة الإسلام الوسطي, ويدافع في الوقت نفسه عن تحرير المرأة من قيوده, مستمدا زاده من القرآن والأحاديث النبوية, والعودة إلي التاريخ لرصد ما يجري في العالم حاليا, للكشف عن طريقة التعامل مع الأسري والسبايا.
وفي مسرحية كتاب الله: الصراع بين النور والظلام, استطاع المخرج والممثل السوري الكبير جهاد سعد أن يصل إلي معادلة صعبة تكمن في قدرة العرض علي تجاوز أي تصور قبلي, ليحقق في النهاية متعة بصرية وقلقا فكريا, من خلال لوحات متناغمة تضيء علي الجسد والفكرة, حيث اعتمد علي جمالية الصور والتعبير الحركي, وعلي ترجمة الحركات بالصورة في سبيل تفسير النص, وتقديم مضمونه بما يليق بجرأة التطرق إلي موضوع الإرهاب, وتمكن سعد من أن يحول النص المسرحي إلي رسالة فنية راقية عن الاسلام من خلال المسرح نفسه, كي يتحول العرض المسرحي في النهاية إلي رسالة المسرحيين العرب للجميع, وذلك بفضل أداء مجموعات متنوعة من الممثلين: زعيم النور- أحمد الجسمي و زعيم الظلام- عبد الله المسعود, الحسن بن الهيثم- رائد الدلاتي, يعقوب بن إسحاق الكندي- محمود النجار, جابر بن حيان- جهاد سعد مخرج العمل, وبمساعدة فراس نعناع وريمي, وبفضل الموسيقي الرائعة لإبراهيم الأميري, وأعمال الجرافيكس لرعد القصاب, نجح الجميع في تسليط أضواء كاشفة علي سير علماء المسلمين الأوائل, الذين جاء الغرب لينهل من علمهم, بعد أن قدموا نماذج فريدة في الاشتغال بالعلم والمعرفة والابتكار ليضيئوا سماء البشرية.
وفي هذا الصدد أكد الفنان السوري جهاد سعد, أن المسرحية جمعت بين جملة من العناصر الناجحة من الكلمة إلي الرقص والحركة مرورا بالمعني والموضوع, وانتهاء بالصراع بين الخير والشر مما كتب لها النجاح علي خشبة المسرح, وذلك بفضل تركيز سعد علي البعد البصري في مآل ومصير ونهاية غربان الظلاميين, والتكفيريين سكان العتمة والكهوف إلي الموت طال الزمان أم قصر, وانتصار النور علي الظلام مصدره القرآن كتاب الله, هذا ما أرادت قوله مسرحية كتاب الله: الصراع بين النور والظلام لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلي, حاكم الشارقة, الذي يمثل المسرح بالنسبة له نوعا من التحدي والتمرد, والأمل والخلاص والتجدد في الوقت نفسه, كما انه يمثل له فضاء للتعايش والتسامح والتعارف والحوار, كما هو مدرسة للأخلاق والحرية, ورسالة محبة وسلام وجمال, لأنه كما يقول سموه: المسرح يشكل عامل توحد إنساني, يستطيع من خلاله الإنسان أن يغلف العالم بالمحبة والسلام, ويفتح آفاق حوارات بين مختلف الأجناس والأعراق والألوان علي اختلاف معتقداتهم الإيمانية.
المسرحية التي جاءت بفكرة مبتكرة وجريئة لتقول لنا بلغة صافية, هادئة, واضحة وضوح الحقيقة ان الشرق والغرب انجذبا بالمعرفة واليقين إلي روح الإسلام وروح الثقافة العربية, وتذكرنا بأعلام الثقافة العربية الإسلامية, ودورهم التنويري في بناء الحضارات والشعوب, أمثال: جابر بن حيان الأزدي, أول من اخترع جهازا لعملية التقطير, يعقوب بن إسحاق الكندي, أول من وضع سلما للموسيقي العربية, الحسن بن الهيثم, العالم الموسوعي في الفيزياء والبصريات, وأول من أسس علم الضوء, في وقت كان فيه الظلام يخيم علي ثقافات لم تكن تعرف نور القرآن, وكذلك أبوبكر الرازي أول من ابتكر خيوط الجراحة وصنع المراهم, ثم أبونصر الفارابي, الذي لقب ب المعلم الثاني بعد أرسطو, ثم أبوالريحان البيروني أول من عرف الكثافة النسبية لمعادن مثل الحديد والزئبق والزمرد واللؤلؤ, والأخير هو محمد الخوارزمي, من أوائل علماء الرياضيات, وبالعودة إلي سيرة هذا العالم الجليل تحديدا في الموسوعة الحرة نعرف أن الخليفة العباسي المأمون قربه إلي بلاطه, وولاه بيت الحكمة, وعهد إليه برسم خريطة للأرض عمل فيها أكثر من سبعين جغرافيا.
يمكنني القول إن العمل المسرحي الجديد لصاحب السمو حاكم الشارقة, يعد بمثابة جرس إنذار للغرب والشرق بأن هذه الأمة هي أمة معرفة وفكر وعلم, فهؤلاء العلماء الذين تذكر بهم المسرحية يجمع الواحد منهم بين الفلسفة والطب والفلك, والبعض يجمع بين التاريخ والأدب واللغات والبعض يجمع بين الصيدلة والموسيقي والحساب, كما تقول لنا المسرحية إننا نستطيع القضاء علي الجهل والخرافة والتعصب والتكفير والإرهاب بالنور, وبحسب النص: لنجعل النور في كل حياتنا سلوكا وثقافة ومبدأ وعملا وتربية, نور في القلب, ونورا في الروح, ونورا في العقل, كما تدعو المسرحية في سياقها العام إلي إشراك المرأة في الحياة والعمل والفكر والإنتاج والمشاركة هنا تعني الاحترام, إذن هي مسرحية تنويرية بالمقام الأول والأخير, وتأتي في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلي مسرح التنوير, وثقافة التنوير, وفكر التنوير نحو القضاء الكلي علي الظلام والظلاميين الذين يتاجرون بالدين ويختطفونه ويفرغونه من مضامينه الإنسانية السمحة, ويفسرون النصوص وفق ما يتطابق مع عقلياتهم المعتمة المريضة, لذا فقد شهد الصراع بين المجموعات تجسيدا للعصر الذي تمر به الأمة الإسلامية, ليختتم العرض, بعد دعوة مجموعة النسوة اللاتي يرتدين اللون الأبيض ليشاركن في بناء الأمة والجميع ينشد في تحد قائلين:
برسالة السماء ومناهج السماء
ننشر الرخاء ننشر الإسلام
بالعلم والإيمان نحمي الأوطان.
صولو.. مونولوج الذات الممسوخة
يأتي العرض المسرحي المغربي صولو الفائز بجائزة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي في سياق طرح درامي مقتبس عن رواية ليلة القدر للأديب الكبير الطاهر بن جلون لتخضع في صياغتها الإخراجية لمسار روائي في نقل قضايا تحرر الذات, وتثير في الوقت نفسه عدة أسئلة وجودية تشغل الإنسان, انطلاقا من معاناة المرأة من سلطة المجتمع بكل تجلياتها, وهي في ذلك لا تجيب عن الأسئلة الجوهرية التي ترتبط في مستواها الأول ب زهرة أحمد بطلة الرواية, لكنها تبقي في مستواها الثاني كأسئلة تربط إلي حد كبير بالمرأة نفسها ككيان أنثوي يعاني واقعا عربيا متردا كما تهيمن علي أحداث الرواية, لكن بقراءة أكثر شمولية تقودنا حتما إلي أن المسرحية هي في حد نفسها عبارة عن بحث صوفي عن تحرر الإنسان.
بين خيوط من الظل والنور وفي زمرة الأسئلة التي تطرحها صولو نجد المرأة نفسها في قلب مجتمع ذكري عنصري يرفض إنجاب البنات, وعندما تجبر علي أن تكون ذكرا في لباسها وطريقة تفكيرها, وحتي نمط العيش الذي تحياه تجدها تقتل أنوثتها الفطرية التي انتهكت بالأساس في عملية ختان قاسية إلي حد بعيد, حين تعيش برغبة أبيها الذي يريدها ذكرا رغما عنها لتصبح في النهاية أحمد بدلا من زهرة, عبر ديكور بسيط للغاية يتواءم مع تبدلات الصراع النفسي وفق الحالة العامة للمسرحية, خصوصا الصراع الداخلي لدي زهرة أو أحمد الذي جاء بطريقة قصدية ليتيح حرية الحركة للشخصيات عبر منصة تقف خلفها بطلة العرض آمال بن حدو بين حاجزين خشبيين, مخاطبة هاجر الحامدي وسعيد الهراسي اللذين شاركاها الأداء بنعومة.
محمد صبحي..40 عاما من المسرح
تقديرا لتجربته الإبداعية الثرية التي تمتد لأكثر من40 عاما علي خشبة المسرح وتثمينا لدوره المشهود في تطوير وإغناء الحركة المسرحية عبر العديد من العروض المبدعة والراسخة في ذاكرة جمهور المسرح, فاز الفنان المصري محمد صبحي, بجائزة الشارقة في الإبداع المسرحي, والتي تسلمها من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي, الذي أسس تلك الجائرة عام2007 بتوجيهات خاصة استكمالا لجهود الشارقة الداعمة والمحفزة لمبدعي المسرح العربي المتميزين في اختصاصاتهم المتعددة, وفي دورتها الثانية عشرة2018, وفي مناسبة إعلان الجائزة قال عبد الله العويس, رئيس دائرة الثقافة في الشارقة: إن المسرحي المصري محمد صبحي, رمز للفنان المسرحي المثقف والمستنير والجدير بالاحترام, ولقد أثري الوجدان العربي بروائعه المسرحية, ممثلا ومخرجا ومؤلفا, وعزز موقع الفن المسرحي ومكانة مبدعيه في المجتمع, برؤاه الفنية والفكرية المبتكرة والملهمة والهادفة إلي نشر وتعزيز القيم السامية وصون كرامة الإنسان وحريته, وأضاف العويس: آمن صبحي بالدور التربوي والتعليمي للفن المسرحي, وبمسئولية الفنان تجاه مجتمعه, فلم يقصر جهوده علي مجاله المهني, ووظف إمكاناته ورصيده الثقافي لطرح العديد من المبادرات والمشاريع الاجتماعية والإنسانية البناءة والهادفة والمشهودة والمشكورة.
وتعكس السيرة الذاتية للفنان محمد صبحي المولود عام1948, مسارا حياتيا وفنيا وملحميا, فبحسب قوله في ندوة تكريمه بالحصول علي الجائزة عندما سأله محاوره الكاتب والناقد المسرحي إبراهيم الحسيني, مقرر الندوة, عن خطواته الأولي نحو فن المسرح, قال: لقد بدأت حياتي عاملا في شباك تذاكر إحدي الصالات بالقاهرة, حين كنت طالبا, وفي غضون سنوات قليلة اقتربت من عالم المسرح الذي انخرطت فيه منذ سنوات الطفولة في المدرسة الإعدادية ثم الثانوية, ليستطرد صبحي رحلة حياته المفعمة بالمواقف والمفارقات المذهلة في رحلة المسرح التي بدأت منذ التحاقه بمعهد الفنون المسرحية ليشكل مع زميل دراسته لينين الرملي ثنائيا فريدا وخصبا منذ تزاملا معا في المعهد, ومن ممثل صغير حين ظهر للمرة الأولي, بمسرحية( كومبارس الموسم) التي عرضت1968, إلي أن صار خلال فترة زمنية ليست بالطويلة من أشهر فناني المسرح العربي, حيث درس صبحي التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية, قبل أن يعمل معيدا به عقب تخرجه عام1970, لكنه خرج بعد عدة سنوات مفضلا صناعة الفن, وطوال حياته كان يرفض تقديم النوعية السهلة من الفن, تلك التي تدغدغ أحاسيس الناس وتغازل أفكارهم وتملؤهم بالضحك من دون أن يكون لها تأثير إيجابي علي أفكارهم, وبالتالي محاولة تغيير واقعهم الذي يعيشونه, كانت تفضيلاته تتجه دائما إلي الفن الجاد وهذه النوعية من الكوميديا الراقية ومن دون أي ابتذال, لذا فقد أثرت معظم أعماله في أجيال كثيرة طوال أكثر من نصف قرن من الزمان.
وحول بعض الشخصيات التي لعبها في أعماله يقول: كثيرة هي تلك الأفكار التي ضمنها وحملها لهذه الشخصيات التي تبحث في معظمها عن بث القيم الإنسانية العليا داخل النفوس, وتشريح المجتمع بعيوبه ومميزاته, وبالتالي تشريح الشخصية الإنسانية نفسها بكل ما يعتمل وما يخلتج داخلها, لذا يبدو الحديث عن مسرحي في نوعية مختلفة عن السائد من الفن المسرحي, فقد قدمت لرجل الشارع العادي عروضا مسرحية تبعد عن الألغاز والتجريد, وفي الوقت نفسه لم أقع في فخ الابتذال, حيث قدمت كوميديا راقية تستطيع الأسرة أن تشاهدها من دون خدش حيائها ولو بجزء بسيط, وقد راهنت طوال الوقت علي معادلة صناعية الضحك والأفكار من دون اللجوء إلي أساليب تبالغ في جديتها وتعقيدها الفكري أو تهبط وتتدني لتصبح رخيصة ومبتذلة في استجلاب الضحك.
وفي هذا الصدد تكمن قوة صبحي- بحسب إبراهيم الحسيني- باعتباره مسرحيا تضعه في مكانة متميزة وخاصة به, وهذه القوة لم تأت من فراغ, بل أتت من عمل جاد ومثابرة شديدة وتواصل في التجربة جعله يتمكن من معرفة أسرار اللعبة المسرحية, فهو واحد من القلائل الذين يجيدون صناعة كيمياء الضحك وكذا صناعة الألعاب المسرحية, وتشهد تجربته الممتدة وخشبات المسارح المختلفة بذلك, فالرجل إجمالا تتوافر له تجربته متميزة علي عدة مستويات, أولها تحقيقه تلك المعادلة التي ذكرناها, وثانيها تنوع وغني هذه التجربة بالأفكار وبثها لكثير من القيم الإنسانية والمسرحية, القيم الإنسانية مثل دعواته الدائمة في هذه الأعمال للتمسك بالصفات النبيلة والتقاليد الأخلاقية التي ورثها لنا الآباء والأجداد, والدعوة للتحرر من غير فوضي, والتمسك بالحرية ورفض كل أشكال الاستغلال, وما إلي ذلك من معان أخري, ونقصد بالقيم المسرحية هنا تعامله مع فن المسرح باحترام شديد للأصول والقواعد المنظمة له, فالرجل عادة يذهب قبل فتح الستار بساعتين أو ثلاث يقضيها في الانشغال بالعرض, ولا يقتصر انشغاله علي دوره فقط, بل يمتد ليشمل كل الأدوار في العرض.
أما علي مستوي التنوع فيرشدنا الحسيني إلي ذلك من خلال عدة مسارات أساسية تمتلئ داخلها بالكثير من التقسيمات والتفاصيل الصغيرة, بدأها صبحي من استديو80 الذي شاركه فيها رفيق الدرب لينين الرملي, وقدما من خلاله مجموعة من أنجح أعمالهما معا, نذكر منها المهزوز, علي بيه مظهر, انتهي الدرس ياغبي, إنت حر, الهمجي, بالعربي الفصيح, تخاريف, وجهة نظر.. ومن خلال هذه التجربة صنعا جزءا كبيرا من مجدهما المسرحي معا, إلي جانب ذلك كانت تجارب صبحي في المسرح العالمي واضحة جلية ولها تفردها ومكانتها الكبيرة التي قدم من خلالها هاملت, طبيب رغم أنفه, أوديب ملكا, روميو وجوليت, زيارة السيدة العجوز, كارمن وكلها مسرحيات جادة ومشهورة في تاريخ المسرح العالمي, ويضاف لها في سجله تجربته الأخيرة التي وضع لها عنوانا كبيرا هو المسرح للجميع, وقام فيها بمسرحة بعض أفلام التراث السينمائي وتشمل عروض كارمن, لعبة الست, غزل البنات التي مزج فيها التمثيل بالغناء بالاستعراض, ولم يتخل عن ميزته الأساسية في تقديم الكوميديا الجادة والراقية.
محمد العامري.. شاعر التغريب المسرحي
وفي أيام الشارقة الأولي شاهدت أيضا تكريم المسرحي الإماراتي محمد العامري تقديرا لما بذله من جهد إبداعي مميز, خدمة للمسرح المحلي والعربي, والعامري من مواليد1971, ويعد من أبرز الأسماء التي ظهرت في العقدين الأخيرين في المشهد المسرحي المحلي, وهو يعد من تلامذة رائد حركة التجريب المسرحي في الإمارات, الفنان عبد الله المناعي, الذي قدمه للمرة الأولي كممثل في مسرحية كوت بومفتاح1989, وبالنسبة للعامري فإن أيام الشارقة المسرحية كتظاهرة فنية تأسست عام1984, والتي تابعها منذ بداياتها, هي الأكاديمية التي صقلت خبرته وعلمته أبجديات العمل المسرحي, ويحسب للعامري أنه أحدث نقلة نوعية في أسلوبية الإخراج المسرحي, حتي أنه يمكن اعتبار تجربته فاصلة بين مرحلة وأخري في تاريخ المسرح الحديث في الإمارات, فلقد طور تجربته بالالتزام والمثابرة, واستمر بلا انقطاع, وآمن بمشروعه, وعمل بمسئولية وحرص شديد علي الارتقاء بخبراته المهنية ووسائل عمله, حتي وصل إلي هذا الموقع المميز محليا وعربيا.
جدير بالذكر أن الملحمة المسرحية داعش والغبراء من تأليف الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كانت من أبرز العروض التي أخرجها العامري عام2016, وعلي مدي ثلاث عشرة دورة من أيام الشارقة المسرحية قدم العامري16 عرضا, حصد من خلالها عشرات الجوائز في مجمل فنيات العرض المسرحي, وذلك منذ ظهوره للمرة الأولي عبر مسرحية حطبة التوبة-2001 ومن خلال مسرحية آه ياقلبي-2005, تأليف أحمد بورحيمة, وحصل العامري علي الجائزة الأولي في هذه التظاهرة, ومن بينها جائزة أفضل عرض, وتتسم تجربة العامري الحاصل علي أكبر الجوائز منذ بدأ مشواره مع فرقة مسرح الشباب بالتنوع والتعدد, فإلي جانب شغله في الإخراج المسرحي توج بعدة جوائز في مجال السينوغرافيا, كما شارك ممثلا وكاتبا لمسرحيات من تأليفه تراب الشهادة حطبة التوبة هبص ليحقق علي الصعيد العربي حضورا لافتا, خاصة في مهرجان المسرح الخليجي الذي حقق عدة جوائز دورات مختلفة منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.