لا يقاس الالم بالاجهزة. و لا تقاس المعاناة بالبيانات و الاحصاءات. لكن ميزة السينما و قدرتها الاكبر تكمن في قدرتها علي ترجمة المشاعر الدقيقة التي يمر بها الانسان. يشرحها و يغوص فيها، يتأمل عمقها و يترجمها للاخرين. و يجعل كل صرخة اه يشعر بها المتفرج كأنه يتالم بها شخصيا. كثيرة كانت الافلام التي تتكلم عن المرأة في مهرجان الاقصر السينمائي السابع للسينما الافريقية. والكثير منها الذي حكي عما يجيش في صدرها من هموم. رأينا الندوب و الخدوش و الجروح التي لحقت بقوارير القارة السمراء فبدت و كأن القارة كلها تنزف معها. في عيد الام لدينا شاهدنا امهات افريقيات ثكلي و حزاني و مقهورات. لم اتأسي في حياتي منذ فترة كما تأسيت و أنا اشاهد الفيلم التسجيلي ماما كولونيل للمخرج ديودو حمادي من الكونغو الديموقراطية. حيث تابعنا من خلاله الجهد الانساني العظيم الذي تقوم به شيدة تترأس وحدة للشرطة هماك مهمتها حماية الاطفال والنساء اللذين يتعرضوا للاعتداء الجنسي. لا تستطيع مقاومة دموعك و انت تري الانتهاك الذي تتعرض له هؤلاء النسوة بمنتهي الوحشية. كانهن وقعن وسط حديقة حيوانات مفترسة لا وسط مجتمع بشري. تحاول العقيد اونورين او ماما كولونيل التي انتقلت لمدينة كيسانجاني موطن هذا التوحش ان تحميهم وتزود عنهم و تجعلهم يعيشون في عوالم اكثر انسانية ، بتحسين مستوي معيشتهم و الاماكن التي يقيمون فيها. تبدو ماما كولونيل كمن يطهر الجرح بانسانيتها ورقتها وقدرتها علي الحنان و بث الامل. لكن الواقع مرير ورؤيته أمر. فيلم " حدود" للمخرجة ابولين تراوري هو ملحمة نسائية بكل المقاييس. فهو يحكي عن رحلة تقوم بها اربعة من النساء من السنغال حتي نيجيريا و هم يمرون بخمس بلاد هي السنغال ثم مالي ثم بوركينا فاسو ثم بنين حتي الوصول الي نيجيريا. كل تلك البلاد تنتمين الي الاتحاد الاقتصادي لبلاد غرب افريقيا. و تبدو المشاكل واحدة في كل تلك البلاد، لكنها عويصة و مستعصية علي الحل. الاربعة سيدات يعملن تاجرات شنطة كما نطلق عليهم بالتعبير المصري. يواجهن كل مرة الشرطة الفاسدة علي الحدود في كل بلد. حيث يضع كل ضابط قوانينه علي المساكين من العابرين من ركاب الاتوبيسات. فلابد ان يأخذ رشوة. في بلد ما يقبل الرشوة المالية. و في بلد اخر لا يقبل مسئول الحدود الرشوة الجنسية. احدي البطلات يتم احتجازها بعد تفتيشها و العثور معها علي ادوية مهربة و ممنوعة. فتحتجز و يغتصبها احد الجنود بدون ارادتها فتقتله و تسرق سلاحه. و تصبح مطلوبة في كل بلاد غرب افريقيا. فتتخفي دائما وراء نقاب و زميلاتها يضعنها في صندوق حديد لاخفاءها. و يتم الهاء ضباط الحدود لمرور الصندوق. اما عن الطرق بين تلك البلاد فحدث و لا حرج. فرغم الطبيعة الخلابة التي انعم الله بها علي القارة الافريقية الخصبة والنضرة. الا ان الطرق غير امنه بأقصي الصور. تارة غير مخططة بشكل كافي فتصبح طرق موت فريسة اصطدام السيارات و سريان الدم علي الاسفلت. وتارة غير مؤمنة فيصبح المسافرون لقمة سائغة لقطاع الطرق و اللصوص. و لا تواجه سيدات هذا الفيلم المشاكل الخارحية فقط، لكن كل منهن محملة بالماضي المرير و الاعباء الاجتماعية و المشاكل الاسرية التي لا تنتهي. السيدة الايفوارية هي ام تتولي مصروفات اسرتها بعد ترك زوجها لها. و الفتاة الشابة استغلها خطيبها لنقل الادوية الممنوعة و المهربة و هي لم تكن تعرف. فعرضها لكل ما قاسته طوال الرحلة. فينتهي الفيلم وهي تدخل عليه لتقتله انتقاما و تبلغ عن نفسها. الفيلم جسد وطأة مع تعانيه النساء في افريقيا باعتبارهم الطرف المستضعف في المعادلة. وهناك الفيلم الكيني الهروب والذي يحكي عن ام تتخلي عن ابنتها الوحيدة بسبب الفقر وتتركها لرجل غني، لتجد الفتاة نفسها تصبح عبدة جنسية في قبضة عصابات الكارتيل التي لا ترحم. وهناك فيلم كيني اخر للمخرجة ايفا مونيري التي تحكي عن حياتها و بنات من اقاربها كلهن يحملن اسم واثيرا مثل جدتهن و كما جرت العادة. و يحكي الفيلم عن كيفية تداخل الثقافة الشعبية مع التاريخ الشخصي وتاريخ كينيا المنسي. وكيفية تأثير ماضينا في حياتنا من خلال تسليط الضوء على حياة «إيفا» التى تركت وطنها كينيا فى سن مبكرة جداً وعاشت فى ثلاث قارات مختلفة، الأمر الذى جعلها تشعر بأنها بلا جذور، لتبدأ رحلة البحث عن إرث جدتها الراحلة من جهة والدها «وثيرة» ويقودها البحث إلى ألمانيا، وويلز، وكينيا. أما فيلم «إلا منطقتى» إخراج «كيرت أورديرسن» من جنوب أفريقيا، فيستكشف أوجه التشابه بين التاريخ وتأثير بيئتنا المتحضرة الحالية. وشاركت تونس بفيلمين في المسابقة هما «الأخت الشجاعة» إخراج لطيفة دوغرى وسالم طرابلسى، وتدور أحداث الفيلم حول شخصية تُدعى هدى تحلم بأن تصبح ممثلة، بعدما كانت بطلة سابقة فى رياضة الملاكمة، حيث اعتزلتها نتيجة الإحباط الذى أصابها بعدما تخلت عنها شقيقتها مروة للعمل فى فرنسا. وفيلم تونسي اخر هو " بنزين" اخراج سارة عبيدي الذي يتابع قصة ام مكلومة لا تستطيع ان تواصل حياتها بطبيعية نتيجة هجرة ابنها هجرة غير شرعية الي ايطاليا. و يعاود الفيلم مرة بعد اخري احساس المرارة بحلق الام. و الحيرة التي تعيشها بسبب الروايات المتضاربة حول مصير ولدهما الوحيد. ومن المغرب فيلم «صمت الزنازين» إخراج محمد نبيل، ويتناول أوضاع النساء السجينات فى المغرب. لمزيد من مقالات د.أحمد عاطف;