انتهت الانتخابات السودانية التي أنفق في التحضير لها جهد كبير وأموال طائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات ووقت ثمين دون أن تحرز علي مايبدو تغييرا في المشهد السياسي السوداني المنقسم علي نفسه وبدون كذلك أي مؤشرات علي خلق واقع جديد يستطيع ان يتحدي شبح التقسيم المقبل لجنوب السودان الذي يواجه استفتاء تقرير المصير بعد ثمانية أشهر من الآن إذا استمر الوضع الحالي كما هو عليه دون تغيير إيجابي ودون بادرة أمل في نقل السودان إلي وضع جديد. فيواجه السودان الآن مجموعة من التحديات والضغوط الهائلة التي تعرقل مسيرته نحو الاستقرار والوحدة وفي مقدمتها قضية وحدته المهددة وقضية دارفور المعلقة وقضية المحكمة الجنائية المهيمنة والتي حتما لن يستطيع طرف واحد أو طرفان حلها أومواجهتها جميعا. وقد أشارت النتائج الأولية للانتخابات السودانية إلي فوز كاسح للرئيس السوداني عمر البشير وحزبه في شمال السودان وفوز كاسح لرئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت وحزبه في الجنوب وهوأمر كان متوقعا حيث لم تكن هناك منافسة بالمعني الحقيقي في هذه الانتخابات وخاصة بعد انسحاب عدد من أبرز مرشحي الرئاسة في الشمال واحزاب رئيسية لكن أحزاب المعارضة التي خاضت الانتخابات قالت إنها فوجئت بحجم التزوير الذي تم وقد أعلن حزبا المؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي عشية إعلان النتائج رفضهما لها وإدانتهما الواسعة لماحدث بها من تزوير وعزز موقف هذين الحزبين وتقارير المراقبين الدوليين مركز كارتر والاتحاد الأوروبي بأن الانتخابات السودانية لم تف بالمعايير الدولية. في السودان هناك عالمان أو معسكران في السياسة معسكر المؤتمر الوطني وأنصاره وهوفي أغلبه الأعم يري هذه الإنتخابات تجربة فريدة لايهدونها فقط للشعب السوداني وإنما للمنطقة والعالم ومعسكر المعارضة وأنصارها وهوفي أغلبه الأعم يري الانتخابات مهزلة وجريمة بحق الشعب السوداني وأنها ستكون لها نتائج مروعة علي مستقبل السودان وجيرانه أيضا. وهذان المعسكران يبدوان الآن منقسمين أكثر من أي وقت مضي... بعد أن أشعلت هذه الإنتخابات حدة الخلافات بينهما وعمقت الانقسامامات وكل فريق منهما يدعي أنه هو وحده يمثل الإجماع الوطني وأن له الأغلبية في الشارع السوداني. يقول المحلل السياسي السوداني الدكتور خالد التيجاني النور: عن العملية الانتخابية إنها أديرت للأسف بطريقة حولتها من فرصة سانحة للتغيير نحوالأفضل إلي أزمة جديدة من أزمات السودان مؤكدا أن النظام السياسي في السودان يقوم علي المقايضات والمساومات والصفقات بين القوي السياسية وليس متوقفا أومعبرا عن إرادة الجماهير وأن الجدل الدائر حاليا هولمحاولة تعظيم هذه الصفقات مشيرا إلي وقوع أخطاء فادحة في العملية الانتخابية وأداء بائس لمفوضية الإنتخابات. مفاجآت انتخابية وكانت أعداد كبيرة من المواطنين السودانيين قد فوجئوا في اليوم الأول من الانتخابات بمفاجآت مدهشة منها أن المرشحين الذين عليهم الاختيار من بينهم ليسوا مرشحي دائرتهم وانهم لم يروهم اويسمعوا عنهم ربما من قبل, أو ان رموز مرشحيهم قد تم خلطها انهم غير مسجلين في كشوفات الناخبين. وقد فوجيء بعض المرشحين ان أسماءهم ليست موجودة مطلقا واعتبرت المعارضة ذلك ليس فقط مؤشرا للتزوير وإنما تعبير عن فشل وإخفاق مريرين لمفوضية الانتخابات بينما اعتبرتها المفوضية أخطاء فنية ولوجستية, إلا أن كثرة الشكاوي ضد هذه الأخطاء أدت إلي اتخاذ المفوضية قرارا بإعادة الانتخابات بعد شهرين في عدد من الدوائر إلا أن الجيد في هذه الانتخابات أنها لم تؤد حتي الآن علي وقوع أعمال عنف إلا باستثناءات قليلة وهوالأمر الذي جاء مخالفا لتوقعات وتحذيرات ومخاوف كثيرة داخلية وخارجية. نتائج متوقعة ويري المحلل السياسي السوداني ضياء الدين بلال أن نتائج الإنتخابات كانت متوقعة وخلت من المفاجآت باستثناء أن الفوارق كانت كبيرة جدا لصالح حزب المؤتمر الوطني, بينما أهملت أحزاب المعارضة مرحلة التسجيل الإنتخابي ولم تبذل مجهودا لكشف التزوير الذي تزعمه فيه. ويري بلال: أن المحصلة النهائية للانتخابات أنها سترفع حدة الاستقطاب والتوتر والتجاذب السياسي في السودان وهذا تأثير سلبي لها أما التأثير الإيجابي فإنها ستعد خطوة متقدمة نحوالتحول الديمقراطي يصعب التراجع عنها. وقد شمل الانقسام الشارع السوداني أيضا الذي كان بين مشارك في الانتخابات ومقاطع لها والسواد الأعظم منه يتطلعون إلي الحياة الكريمة وحل مشكلات البلد المتراكمة...' نريد لقمة العيش, نريد التعليم, نريد الرعاية الصحية.. وليحكم البلاد من يشاء فالامر لايعنينا' هو ذاك لسان حال عشرات السودانيين الذين التقتهم الأهرام في حي الحاج يوسف شرقي العاصمة الخرطوم. الحي الذي يمتاز بكثافة سكانية عالية من مواطنين سودانيين نزح اغلبهم هربا من ويلات الحروب الاهلية في الجنوب ودارفور ليقطنوا بيوت الطين والصفيح واتفقوا جميعا علي مايبدو دون تنظيم علي عدم اكتراثهم بالعملية الانتخابية برمتهاعلي الرغم من تمتع بعضهم بوعي سياسي عال. ينحدر مستوي المعيشة في الحي الصاخب بالحركة والسكان والذي يعتبر نموذجا للعيش المشترك بين السودانيين علي اختلاف اعراقهم واديانهم ويبعد الحي كيلومترات قليلة من وسط العاصمة السودانية ويقع فوق ارض صحراوية مغبرة وسط الركام وبقايا حركات النزوح الكثيفة خلال الحروب الاهلية بين الشمال والجنوب وفي دارفور. قرار المقاطعة الذي اتخذ بشكل فردي من ابناء الحي لايرتبط بقرارت الاحزاب السياسية وانما هواحجام ذاتي عن المشاركة في الانتخابات التعددية الاولي منذ نحو ربع قرن في السودان. الجنوبي جوزيف الذي قاتل في صفوف الجيش السوداني سابقا وبقي في الخرطوم بعد تسريحه يقول لا اعرف شيئا عن السياسة وابحث عن لقمة العيش ولا يعنيني من سينجح في الجنوب أو الشمال. اما يونس حسبوالعامل في ورشة فيقول انه لن يذهب للتصويت لان الوقت الذي سيقضيه هناك عبثي مضيفا أكل العيش أهم من الانتخابات معتبرا أن الانتخابات لا تمثل سوي مظهر للتحول من العسكرية الي الديمقراطية. آدم بابيكا النازح من دارفور يقول' الحالة صعبة ولدينا أطفال نبحث عن لقمة عيشهم لذلك فانني غير مهتم بالانتخابات ولم اقم بالتسجيل فيها اصلا'. اما كريس القادم من بحر الغزال جنوب السودان فقد كان أكثر حدة في رفض المشاركة وهو يعلن عدم اهتمامه بما ستئول اليه نتائج الانتخابات لانها لن تغير في واقع السودان شيئا بحسب قوله. ويوافقه الرأي صديقه الدارفوري الرشيد الذي قال ان اعدادا كبيرة لم تقم بالتسجيل للانتخابات لان الناس تعلم انها لن تقدم اوتؤخر في اوضاعهم وانه لا يوجد فرصة للتغيير.