منذ تولى الرئيس ترامب رئاسة أمريكا وهو يعد باتخاذ قرارات لمصلحة الاقتصاد الأمريكى يرى الخبراء أنها قد تهدد النظام التجارى العالمى حيث يرى ترامب أن اتفاقات منظمة التجارة العالمية تسببت فى خسائر كبيرة للاقتصاد الأمريكى مما يتطلب إعادة النظر فى هذا النظام متعدد الاطراف، وهو ما يعكسه عدم تعيينه مندوبا دائما لبلاده لدى منظمة التجارة العالمية حتى الآن. وأخيرا وتنفيذا لوعوده، أعلن ترامب قرارا بفرض جمارك بنسبة 25% على واردات امريكا من الصلب و10% على واردات الألومنيوم تستمر لفترة طويلة، وقد استند الرئيس الأمريكى فى فرض تلك الرسوم الى زعم أن تلك الواردات تهدد الأمن القومى الأمريكى مستعيناً بالقسم 232 من القانون التجارى لعام 1962. وألمح ترامب الى إمكانية استثناء بعض الدول من هذه الرسوم مثل كندا والمكسيك اللتين يربطهما اتفاق ثلاثى مع أمريكا (اتفاقية النافتا) وبشرط موافقتهما على إعادة التفاوض على هذا الاتفاق الذى يرى أنه صفقة سيئة للولايات المتحدةالأمريكية نتيجة تسببه فى نقل الوظائف والأعمال لكندا والمكسيك، ملمحا أيضا لاستثناء أستراليا لوجود فائض تجارى معها لمصلحة أمريكا، كما نوه الى أن هذه الرسوم يمكن زيادتها أو تخفيضها على صادرات بعض الدول. هذه التصريحات الامريكية أثارت حفيظة الشركاء التجاريين فور إعلانها حيث أطلقوا بدورهم تحذيرات من ان هذه الإجراءات أحادية الجانب، ولا تستند الى قواعد منظمة التجارة العالمية، وقد تؤدى إلى هزة فى الأسواق العالمية وتعقيد عمليات الإنتاج وإطلاق إجراءات انتقامية يمكن أن تتصاعد بسرعة ضد المنتجات الأمريكية مما ينذر بحرب اقتصادية عالمية. وهناك العديد من الدول التى شككت فى تبرير ترامب بأن هذا الاتجاه يستهدف حماية الأمن القومى الأمريكى مؤكدين أنه قرار اقتصادى بحت، ولذا أعلنت تلك الدول عن نيتها فى اتخاذ إجراءات حمائية، ومن هذه الدول الاتحاد الأوروبى (ألمانيا، إنجلترا، فرنسا)، الصين، البرازيل، تركيا، اليابان، وكندا وعلى سبيل المثال أعد الأوروبيون مسودة مقترحات لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات دول الاتحاد من بعض المنتجات الأمريكية مثل البرتقال والتبغ وغيرهما من منتجات ينتج معظمها فى مناطق خاضعة لسيطرة الجمهوريين، مما أثار حفيظة الرئيس الأمريكى حيث هدد الأوروبيين بأنه سيرد بفرض ضريبة بنسبة 25% على السيارات الأوروبية. وفى إطار منظمة التجارة العالمية، هناك شعور بالقلق من الخطط الأمريكية لفرض رسوم جمركية على الصلب والألومنيوم، حيث أعلن مدير عام منظمة التجارة العالمية روبرتو أزفيدو الأسبوع الماضى أن المنظمة تراقب الوضع عن كثب. وحول الموقف المصرى أكدت وزارة التجارة والصناعة أنها تدرس تأثير القرار الأمريكى على صادراتنا من الصلب والألومنيوم للسوق الأمريكية حيث نأمل فى استثناء مصر من هذا القرار فى حالة تطبيقه نظراً لصغر حجم صادراتنا والتى تمثل نسبة ضئيلة من الواردات الأمريكية، وبالتالى لا يمكن اعتبارها تشكل تهديداً للأمن القومى الأمريكي. ولاشك أن القرار الأمريكى يخالف قواعد منظمة التجارة العالمية والتى تستوجب إخطار المنظمة باتجاه أمريكا لاتخاذ هذا القرار كنوع من الشفافية، كما أنه مخالف لجداول التزامات أمريكا فى منظمة التجارة العالمية من حيث الرسوم الجمركية الواجب تطبيقها. كذلك فإن القرار معيب أيضا حيث المح ترامب بإمكانية استثناء بعض الدول، وهو ما يخالف مبدأ الدولة الأولى بالرعاية والذى يتطلب تطبيق أى اجراء على جميع الدول الأعضاء بالمنظمة دون استثناء، وحتى فى حالة لجوء أمريكا إلى المادة 21 من اتفاقية الجات لعام 1994 والتى تمنح استثناءات للدول لفرض إجراءات لحماية الأمن القومي، فان ذلك قد يشجع دولاً أخرى على اللجوء إلى هذه المادة فى أى وقت وبصورة متكررة مما يفرض مزيدا من الحمائية على التجارة الدولية ويقوض النظام التجارى العالمي. ورغم تفهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة للمشكلات الاقتصادية التى تواجهها واشنطن الا انها مصممة على الدفاع عن مصالحها التجارية، وتحاول التوصل الى حل مرض لجميع الأطراف، والا فسوف تلجأ الى نظام تسوية المنازعات بمنظمة التجارة العالمية مما يتطلب فترة زمنية طويلة تزيد على ثلاث سنوات لحسم الخلاف مما يسبب ضررا لصناعات الصلب والألومنيوم فى دول العالم، بل على الاقتصاد العالمي، وخلال تلك الفترة قد تفرض بعض الدول المتضررة إجراءات انتقامية ضد المنتجات الأمريكية للضغط على ترامب للعدول عن القرار، مما ينذر بحرب اقتصادية لا يعلم أحد الفائز فيها، وفى النهاية سيكون الخاسر هو الاقتصاد العالمى.
خبير فى قضايا منظمة التجارة العالمية لمزيد من مقالات د. أشرف مختار