غدا، ونحن نحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح، نصلى من أجل كل أسر شهداء الوطن الذين فقدوا أحباءهم بسبب الهجمات الإرهابية الغادرة التى حدثت خلال العام الماضى، ونصلى من أجل حماية إلهية لبلادنا الحبيبة مصر من كل قوى الشر. أيضاً نتذكر إخوتنا الفلسطينين ونصلى من أجلهم حتى يحصلوا على حقهم المشروع فى العيش فى وطن مستقل عاصمته القدسالشرقية. نحن نتضرع إلى الله القدير لأنه هو مُجرى العدل والقضاء لجميع المظلومين, وهو قادرا أن يوقف معاناة شعوب فلسطين واليمن وسوريا ، ونحن نثبت أعيننا على رئيس السلام ليمنح سلامه لكل شعوب المنطقة. واليوم نحتفل بميلاد المسيح، واذا قارنا السياق الذى وُلد فيه المسيح بالسياق الذى نعيشه الآن فى عالمنا فإننا سنجد تشابها كبيرا بين السياقين. فالنبى أشعياء تنبأ بمجىء المسيح قائلاً «اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.» ، وأضاف قائلا «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا» (اش 9 : 2، 6)والظلمة التى ذكرها أشعياء، هى ظلمة الشر الذى كان يعيش فيه شعب إسرائيل، وهى ظلمة البعد عن الله ، وايضا ظلال الموت تعنى أنهم فقدوا معنى الحياة لأن خطاياهم صارت فاصلة بينهم وبين الله ، لقد كانوا بحاجة إلى مخلص يخلصهم من خطاياهم، وكانوا أيضا بحاجة الى مصالحة مع الله، لذلك الله من رحمته ومحبته أشرق بنوره عليهم عندما ولد المسيح ليخلصهم ويصالحهم مع الله. ومع ذلك لم يدرك الشعب أن المسيح جاء، ووصف يوحنا ذلك بقول «كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ.» يو 1: 9-11 والآن دعونا نتامل فى بداية قصة ميلاد المسيح والتى قرأناها اليوم وتحكى أن الله أرسل ملاكه جبرائيل للعذراء مريم ليبشرها بولادة المسيح، ويُذكر أن العذراء كانت فتاة صغيرة لايتعدى عمرها 16 عاماً وكانت مخطوبة، وربما كانت هذه هى المرة الأولى التى ترى فيها العذراء ملاكاً، فاضطربت وخافت عندما قال لها» سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ» (لو1 :28) فحاول الملاك أن يهدئ من روعها فقال لها «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ.هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لو 1 :30-33) احبائى لقد جاءت هذه الرسالة الإلهية التى حملها الملاك جبرائيل للعذراء محققة لنبوة النبى أشعياء التى تنبأ بها قبل ميلاد المسيح بثمانية قرون حيث قال « يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل.» (أش 7 :14) لا شك أن قول الملاك للعذراء كان صعب الفهم وكان غريباً بل وصادما « فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟»» (لو1 : 34)،لقد أدركت العذراء خطورة هذا الأمر فإذا حملت وهى لم تتزوج بعد فإن الجميع سينظرون اليها كزانية تستحق الرجم حسب شريعة موسى، وإذ هى تتفكر كيف ستواجه هذه الفضيحة، أجابها الملاك موضحاً كيف يتم ذلك بقوله « اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ» (لو 1 :35) ، لكنى أعتقد أن توضيح الملاك هذا لم يساعد العذراء أن تفهم كيف ستحمل وهى عذراء، فما معنى أن يحل عليها الروح القدس وما معنى أن قوة العلى تظللها، ومع ذلك صدقت العذراء مريم وآمنت برسالة الله لها فقالت « هُوَذَا أَنَا عبد الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1 :38) . لقد أمنت واستسلمت لمشيئة الله دون ان تعرف ماذا سيحدث لها وماذا سيحدث للبشرية كلها نتيجة لهذا التسليم ولهذه الثقة فى قول الله. أحبائى إن أهم مانحتاج اليوم أن يكون لنا الثقة والتسليم التى كانت لدى العذراء مريم حتى لو لم نعلم إلى أين يقودنا الرب أو ماذا سيحدث لنا فى المستقبل فقط علينا أن نثق ونسلم له، وعندما نقول مع العذراء «هوذا أنا عبد الرب. ليكن لى كقولك» سيأتى الوقت الذى نرنم معها ايضا ترنيمتها الجميلة» تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي ،لأنه نظر إلى اتضاع عبدته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني، لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه». أحبائى إن إيمان وطاعة العذراء مريم ساعداها ان تختبر الفرح والابتهاج والخلاص والمصالحة مع الله. لمزيد من مقالات ◀ المطران د.منير حنا أنيس