قالوا لي ونحن نجلس في صحن جامع صغير متواضع في قرية أعمامي وأخوالي في جزيرة «الشعير» وسط نيل القناطر الخيرية في يوم جمعة. في مفاجأة لم أحسب حسابها في حياتي كلها: قم يا سيدنا.. أنت الإمام اليوم.. بعد أن غاب إمام المسجد الذي ذهب لشأن من شئونه.. والمصلون هنا يريدون منك أن تحدثنا عن سؤال واحد هو: لمن تسجد المرأة؟ طبعا: لن تسجد المرأة.. بعد الله؟ تمالكت نفسي قليلا وقلت لهم: أنا لم أتعود علي إلقاء الخطب.. إلا إذا وضعت أمام عيني وفي ليلة سابقة كل النقاط التي سأتحدث فيها وكل المراجع.. فما بالكم بحديث في التشريع السماوي من خلال كل ديانات السماء التي نزلت علي الإنسان من عهد سيدنا آدم عليه السلام مرورا بكل أنبياء الله الذين حملوا الرسالات إلي بني الإنسان.. من وصايا سيدنا آدم لولديه.. إلي صحف إبراهيم وموسي.. إلي أناجيل عيسي بن مريم.. إلي قرآن خاتم الأنبياء والرسل وأعني به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. وهم أصحاب آخر الرسالات السماوية الثلاث التي نزلت علي بني الإنسان.. قالوا في حزم: هذا شأنك أنت.. المنبر أمامك.. والمصلون في انتظارك؟ صعدت درجات المنبر قصير القامة.. وأنا أحسب خطواتي.. وأحاول أن أتذكر ما قرأته ليلة البارحة.. وما قرأته من قبل بنفس العنوان: لمن تسجد المرأة؟ وجدتني أقول مسترسلا نازعا رداء الخوف والوجل.. فالبيت بيت الله.. وما نحن إلا العابدون المخلصون المصلون الشاكرون فضل الله علينا.. ويكفي أننا وقوف الآن علي منبر قصير القامة.. وأمامنا جمع من المصلين والزهاد والركع السجود وهم فى الأول وفى الآخر.. قوم بسطاء في قرية مصرية من قري مصر المحروسة التي تعرف ربها وتصلي فرضها وترضي برزقها. وجدتني أقول: اسمحوا لي أن أبدأ بأول كتاب نزل من السماء.. إلي بني الإنسان.. إنه التوراة التي نزلت علي سيدنا موسي عليه السلام.. تري من في هذا الزمان يستمع وينفذ وينصاع ويرضي ويقبل رسالات التوراة التي تقول: «متي خرجت الزوجة من بيت أهلها، ودخلت بيت زوجها.. صار له عليها حق الطاعة التامة والامتثال الكامل.. فعليها ألا تخالفه في شيء مما يطلبه منها.. بل تذعن له كما تذعن الجارية لسيدها..» ثم من في زماننا هذا يستمع إلي تعاليم بولس الرسول كما جاءت في الإصحاح الخامس: «أيتها النساء.. اخضعن لرجالكن كما للرب.. لأن الرجل هو رأس المرأة.. كما أن المسيح هو رأس الكنيسة..» وأين هي تلك المرأة في زماننا هذا التي قال فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم: «تلك التي تطيع زوجها إذا أمر.. وتسره إذا نظر.. وتحفظه في غيابه في عرضه وماله؟» وأين هي المرأة أيها السادة الأفاضل.. التي تعيش بيننا الآن والتي قال فيها الامام الغزالي: عليها طاعة الزوج مطلقا في كل ما طلبه منها في نفسها.. مما لا معصية فيه؟ والطاعة التي نريدها وننشدها كما تعلمون.. ليست مجرد نعم حاضر.. أنت الآمر الناهي.. وليس علينا إلا السمع والطاعة.. ولكنها طاعة فرضها الله.. لكي يصلح الانسان وتصلح الأرض.. يسألونني: ولماذا جعل القرآن الكريم الرجال قوامين علي النساء؟ قلت: قال تعالي: «الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله».. سورة النساء الآية 34. وقد جاءت الآية الكريمة لتوضح قوامة الرجل علي المرأة لأمور عديدة في كتاب التفسير للكشاف: عبادة الرجل في الدين كاملة، أما المرأة تحكمها أمور الحمل والولادة. كذلك الشهادة في الزنا لاتقبل إلا من رجل. كذلك الشهادة علي عقد الزواج. والجهاد في سبيل الله فرض علي الرجال. وهي ليست مطالبة بالنفقة، فهي من اختصاص الرجل. تخرج المرأة بإذن وتصوم بإذن.. فهو أي الرجل يكلف بأمور لم تكلف بها المرأة.. والإنفاق في الآية الكريمة يعود علي الرجال وليس على المرأة، فالرجل يستطيع تحمل المشقةفى العمل لقوته البدنية. كذلك جاءت النبوة للرجال. قال تعالي: «ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا...» سورة الأنعام الآية 9. (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي» سورة آل عمران الآية 36. «إني وجدت امرأة تملكهم..» سورة النمل الآية 23. وقد تعجب الهدهد عندما وجد الملكة بلقيس تحكم مملكة سبأ وهي امرأة وأبلغ سيدنا سليمان بالأمر. وفي حديث للرسول الكريم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري. أما التفضيل في الآية الكريمة فجاء لمقدار الطاعة، من يطع ويتق الله ويعمل بتعاليمه هو الأفضل عند الله سواء كان رجلا أو امرأة. وقد جاءت بعض أحاديث الرسول لتؤكد ضرورة طاعة المرأة لزوجها وقوامة الرجل علي المرأة. أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة. أيما امرأة أطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شاءت عن الإمام أحمد. يسألونني وقد أصبحت أماما في نظرهم وانا مازلت واقفا علي المنبر: هل صحيح أن مصر هي التي منحت المرأة وسام التحضر والتنور دون حضارات العالم كله؟ قلت: هذا صحيح تماما.. تعالوا نقرأ ما كتبه عمنا وأستاذنا الكبير عباس محمود العقاد الذي قال في كتابه المرأة في القرآن الكريم: أما المكانة التي تحسب من عمل الآداب والشرائع أو الحضارات فقد كانت معدومة في عصور الحضارة الأولي جميعا، ما خلا حضارة واحدة، هي الحضارة المصرية. فشريعة «مانو» في الهند لم تكن تعرف للمرأة حقا مستقلا عن حق أبيها أو زوجها أو والدها في حالة وفاة الأب والزوج، فإذا انقطع هؤلاء جميعا وجب أن تنتمي إلي رجل من أقارب زوجها في النسب ولم تستقل بأمر نفسها في حالة من الأحوال. وأشد من نكران حقها في معاملات المعيشة نكران حقها في الحياة المستقلة عن حياة الزوج، فإنها مقضي عليها بأن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه علي موقد واحد، وقد دامت هذه العادة العتيقة إلي القرن السابع عشر، وبطلت بعد ذلك! بل إن شريعة حمورابي التي اشتهرت بها بابل في العراق.. كانت تحسبها في عداد الحاجيات المملوكة للرجل، ويدل علي غاية مداها في تقدير مكانة الأنثي أنها كانت تفرض علي من قتل بنتا لرجل آخر أن يسلمه بنته ليقتلها أو يملكها إذا شاء أو يعفو عنها، وقد يضطر إلي قتلها لينفذ حكم الشريعة المنصوص عليها!. مازلت أتحدث: دعوني أنقل لكم ما قاله أستاذنا عباس محمود العقاد عن المرأة المصرية في كتابه المرأة في القرآن.. قال: لقد انفردت الحضارة المصرية بإكرام المرأة.. ومنحتها حقوقا شرعية قريبة من حقوق الرجل.. حق لها أن تملك وأن ترث وأن تتولي أمر أسرتها في غياب من يعولها. ودامت للمرأة المصرية هذه الحقوق علي أيام الدول المستقرة بشرائعها وتقاليدها، تضطرب مع اضطراب الدولة وتعود مع عودة الطمأنينة إليها، بيد أن الحضارة المصرية زالت وزالت شرائعها معها قبل عصر الاسلام، وسرت في الشرق الأوسط يومئذ غاشية من كراهة الحياة الدنيا بعد سقوط الدولة الرومانية بما انغمست فيه من ترف وفساد ومن ولع بالملذات والشهوات فانتهي بهم رد الفعل إلي كراهة البقاء وكراهة الذرية، وشاعت في هذه الفترة عقيدة الزهد والإيمان بنجاسة الجسد ونجاسة المرأة، وباءت المرأة بلعنة الخطيئة فكان الابتعاد منها حسنة مأثورة لمن لا تغلبه الضرورة. ومن بقايا هذه الغاشية في القرون الوسطي أنها شغلت بعض اللاهوتيين إلي القرن الخامس للميلاد، فبحثوا بحثا جديا في حقيقة المرأة، وتساءلوا في مجمع «ماكون»: هل هي جثمان بحت؟ أم هي جسد ذو روح يناط بها الخلاص والهلاك؟ وغلب علي آرائهم أنها خلو من الروح التاجية، ولا استثناء لإحدي بنات حواء من هذه الوصمة غير السيدة العذراء أم المسيح عليه الرضوان. وقد غطت هذه الغاشية في العهد الروماني علي كل ما تخلف من حضارة مصر الأولي في شأن المرأة، وكان اشتداد الظلم الروماني علي المصريين سببا لاشتداد الإقبال علي الرهبانية والإعراض عن الحياة، ومازال كثير من النساك يحسبون الرهبانية اقترابا من الله وابتعادا من حبائل الشيطان، وأولها النساء. مازال عمنا وأستاذنا عباس محمود العقاد.. يتكلم: وكانت المرأة عند اليونان الأقدمين مسلوبة الحرية والمكانة في كل ما يرجع إلي الحقوق الشرعية، وكانت تحل في المنازل الكبيرة محلا منفصلا عن الطريق، قليل النوافذ محروس الأبواب، واشتهرت أندية الغواني في الحواضر اليونانية لإهمال الزوجات وأمهات البيوت وندرة السماح لهن بمصاحبة الرجال في الأندية والمحافل المهذبة. وخلت مجالس الفلاسفة من جنس المرأة، ولم تشتهر منهن امرأة نابهة، إلي جانب الشهيرات من الغواني أو من الجواري الطليقات. وقد كان أرسطو يعيب علي أهل «إسبرطة» أنهم يتساهلون مع نساء عشيرتهم، ويمنحونهن من حقوق الوراثة والبائنة وحقوق الحرية والظهور ما يفوق أقدارهن، ويعزو سقوط «إسبرطة» واضمحلالها إلي هذه الحرية للمرأة وهذا الاسراف في الحقوق! ينقذنا مؤذن الجامع الصغير من حيرتنا.. بآذان صلاة الجمعة.. ولكن مازال السؤال بلا جواب: لمن تسجد المرأة؟ الجواب هنا للإمام الغزالي: لزوجها بعد ربها.. ومازال السؤال معلقا.. والحوار لم ينقطع.. ومن عنده كلام آخر.. فليتفضل!{ أيما امرأة أطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شاءت عن الإمام أحمد. Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى;