قد يكون وقوع سلاح نووي في يد إحدي جماعات الإرهاب خطرا محتملا, يعتقد كثيرون أن فرص وقوعه لاتزال ضئيلة ومحدودة برغم خطورة آثاره الكارثية علي أمن العالم واستقراره. لكن تفرد اسرائيل بترسانة نووية ضخمة يقدر الخبراء أنها تحوي الآن500 رأس نووي, لا تخضع للتفتيش أو الرقابة الدولية, ولا تندرج ضمن الدول الموقعة علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية, يشكل خطرا قائما وموجودا يهدد منطقة الشرق الأوسط, ويدفع دولها إلي سباق تسلح نووي, ويزيد من فرص امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل.. وبرغم هذا الخطر القائم والمحدق بمنطقة هي أخطر المناطق الاستراتيجية في العالم, اختار مؤتمر الأمن النووي, الذي أنهي أعماله في واشنطن قبل يومين, أن يتجاهل هذا الخطر الداهم تحت ضغوط الولاياتالمتحدة, التي حددت للمؤتمر موضوعا واحدا هو خطر استحواذ أي من جماعات الإرهاب علي سلاح نووي لتحاصر رغبة مصر وتركيا وعدد آخر من الدول, طلبت من المؤتمر أن يناقش ابتزاز إسرائيل النووي في ظل ممارساتها التي تتسم بإرهاب الدولة. والمؤسف أن تستمر اسرائيل في خداع العالم تحت ذريعة الغموض النووي التي يعرف الجميع أنها ذريعة كاذبة ومضللة, علي الأقل منذ تكشفت أسرار ما يجري في أقبية مفاعل ديمونة بالحقائق والأرقام والصور, عندما أطلق الاسرائيلي فانونو الذي كان يعمل ضمن الطاقم الفني في المفاعل شهادته للتاريخ التي نشرتها صحيفة الجارديان قبل عدة سنوات.. ومع ذلك لاتزال إسرائيل تستخدم هذه الذريعة الكاذبة للإفلات من رقابة الوكالة الدولية للطاقة علي منشآتها النووية, يساندها في ذلك المعايير المزدوجة للولايات المتحدة التي تحرص علي تفرد إسرائيل بامتلاك السلاح النووي, بينما تطارد إيران التي وقعت علي اتفاقية الحظر, وتحاصرها بالعقوبات لمجرد أنها استخدمت حقها في تصنيع الوقود النووي الذي تنص عليه معاهدة الحظر, دون أن يثبت حتي الآن, طبقا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة, أن مشروعها لتخصيب اليورانيوم يتخفي وراءه برنامج عسكري لتصنيع سلاح نووي, وما يزيد الوضع سوءا إصرار واشنطن علي الصمت برغم كثرة التقارير الدولية الفنية, التي تتحدث عن تقادم مفاعل ديمونة في النقب ومخاطر تعرضه لتسرب إشعاعي يلوث المنطقة بأكملها. لقد اجتمع مؤتمر الأمن النووي في واشنطن الذي ضم رؤساء47 دولة في أضخم تجمع دولي تشهده العاصمة الأمريكية علي طول تاريخها, وفي غيبة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو الذي طلب منه الاعتذار عن عدم الحضور كي يسهل إغلاق ملف اسرائيل النووي إذا صمم الأتراك والمصريون علي ضرورة أن يبحث المؤتمر إخضاع منشآت اسرائيل النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة, وظفر الرئيس الأمريكي أوباما بما كان يريد عندما اتفقت الدول المجتمعة علي عدد من الإجراءات الفردية والجماعية في إطار خطة تستغرق4 سنوات لتأمين الترسانات النووية ومخازن الوقود عالي التخصيب الذي يصلح لصنع سلاح نووي ومعامل البحث العلمي التي تستخدم البلوتونيوم بهدف إغلاق كل الفرص أمام إمكانية حصول أي من الجامعات الارهابية علي سلاح نووي أو مواد نووية تصلح لصنع سلاح نووي. وما من شك في أن المؤتمر, برغم التواطؤ الأمريكي علي تغييب خطر إسرائيل النووي عن جدول أعماله قد أنجز شيئا مهما لأن استحواذ أي من جماعات الارهاب علي السلاح النووي الذي ربما يكون في حجم التفاحة أو كرة القدم ويمكن اخفاؤه في حقيبة يد صغيرة يشكل خطرا كارثيا علي أمن العالم وسلامه, لأن هذه الجماعات لن تفكر طويلا قبل استخدام السلاح الذي استحوذت عليه, وليس لديها ما يردعها عن استخدامه لأنها لاتتحمل أية مسئوليات تلزمها حساب النتائج الكارثية التي تترتب علي هذا الاستخدام, وما يزيد من خطورة الوضع انه منذ أن تفكك الاتحاد السوفيتي توزعت ترسانته النووية ومخازن وقوده عالي التخصيب علي عدد من المواقع في عدد من الدول لا تحظي بحماية كافية إلي حد أغري عصابات الجريمة المنظمة علي تهريب المواد النووية التي يجري تداولها الآن في سوق سوداء واسعة. وثمة وقائع وأدلة مهمة تثبت أن تنظيم القاعدة حاول بالفعل الحصول علي سلاح نووي, وفي جنوب إفريقيا تمكنت السلطات عام2007 من إحباط محاولة سرقة أحد مخازن الوقود عالي التخصيب في الحلقة الأخيرة بعد أن تمكن الجناة من تدمير شبكة الأمان وتعطيل شبكات الإنذار وكسر شفرات إغلاق المخازن, ويعتقد خبراء الطاقة النووية أن في العالم أكثر من ألفي طن من الوقود عالي التخصيب تصلح لإنتاج أكثر من120 ألف سلاح نووي لا تتمتع بحماية كافية, ويؤكد الأمريكيون أن معامل الأبحاث النووية الروسية لديها أكثر من200 رطل من البلوتونيوم الذي يصلح لإنتاج عشرات من القنابل النووية يمكن أن تتعرض لخطر السرقة أو السطو, لكن الهاجس الأكبر لدي الأمريكيين يأتي من قلقهم المتزايد علي الترسانة النووية الباكستانية التي يجاورها ثلاث منظمات إرهابية هي: طالبان باكستان وطالبان أفغانستان والقاعدة, وهي ترسانة نشيطة يزداد أعداد أسلحتها علي نحو متصاعد في إطار السباق النووي مع الهند الذي لايزال محتدما, يمنع الدولتين من قبول أية قيود علي إنتاجهما النووي. وجميع ذلك يؤكد: أن هناك مشكلة حقيقية تواجه البشرية تحتاج إلي تعاون المجتمع الدولي لضبط عناصرها وتقليل خطورتها, لكن خطر استحواذ أي من جماعات الإرهاب علي السلاح النووي يشكل فقط واحدا من مخاطر نووية عديدة تهدد أمن العالم وسلامه, لايصلح معها مجرد تشديد إجراءات الأمان التي تتحكم في ترسانات الأسلحة ومخازن ومعامل الوقود النووي عالي التخصيب. لأن العالم لن يكون بالفعل أكثر أمنا إلا إذا تم إخلاؤه من جميع أسلحة الدمار الشامل, وفي مقدمتها الأسلحة النووية, وسبيل ذلك منع إنتاج أسلحة نووية جديدة, لأن المخزون الموجود في ترسانات الدول النووية يكفي لتدمير العالم عشرات المرات, وتعزيز سياسات إخلاء المناطق الحيوية والاستراتيجية من أسلحة الدمار, خاصة الأسلحة النووية بداية من الشرق الأوسط أكثر المناطق عرضة للسباق النووي إذا تحصلت إيران بعد اسرائيل علي السلاح النووي. وبرغم الوعود التي قطعها الرئيس أوباما علي نفسه من أجل عالم خال من الأسلحة النووية, لايزال الجهد الأمريكي في هذا المجال متواضعا ومحدودا, يركز علي أهداف عملية تخدم سياسات أمريكا الآنية, خاصة ما يتعلق منها بحصار إيران النووية ويتجنب الدخول إلي صلب الموضوع الذي يمكن أن تكون بدايته الصحيحة منع انتشار السلاح النووي وتنفيذ سياسات إخلاء المناطق من الأسلحة النووية. وربما تكمن أهمية معاهدة خفض الأسلحة النووية التي وقعها الرئيسان أوباما ومدفيديف وحددت حجم المخزون الاستراتيجي لكل من الدولتين في حدود1550 سلاحا نوويا في أنها فتحت فصلا جديدا في العلاقات الأمريكية الروسية زاد من فرص تعاون الدولتين بعد توتر طويل. لكن إسهامها في تحقيق أمن العالم وسلامه النووي يظل جد محدود, وكذلك الحال مع السياسات النووية الجديدة للرئيس الأمريكي أوباما التي ضيقت نطاق استخدام السلاح النووي الأمريكي في الرد علي عدوان نووي باستثناء ايران وكوريا الشمالية, لكنها لم تضف الكثير إلي أمن العالم وسلامه النووي, وربما يصلح القول نفسه مع مؤتمر الأمن النووي الذي أنهي أعماله في واشنطن قبل يومين وحددت الولاياتالمتحدة جدول أعماله في قضية واحدة هي مخاطر الابتزاز النووي من جانب جماعات الارهاب ولا شيء أبعد من ذلك, لكن أوباما استثمر الحضور الواسع والمهم في مؤتمر واشنطن من أجل حصار إيران وتجريدها من الأصدقاء والمتعاطفين, ومحاولة إقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن واحدة وراء الأخري بأهمية الموافقة علي إقرار مجموعة رابعة من العقوبات تصدر عن مجلس الأمن ضد إيران لاستمرارها في عمليات تخصيب اليورانيوم, وعزمها علي بناء معملين جديدين للتخصيب حتي يكاد يكون ذلك هدفا ثانيا من أهداف انعقاد مؤتمر واشنطن. والواضح أن الرئيس أوباما بذل في هذا المؤتمر جهدا كبيرا في محاولة إقناع الرئيس الصيني هوجينتاو بأهمية تعاون الصين مع واشنطن في قضية فرض العقوبات علي إيران. خلال اجتماعهما علي هامش المؤتمر الذي استهدف إصلاح العلاقات الأمريكية الصينية التي شهدت توترا حادا بسبب صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان, واستقبال الرئيس أوباما للزعيم الروحي للتبت دلاي لاما.. وإذا صح ما أعلنته المصادر الأمريكية بأن الصين وعدت بالعمل مع الفريق الأمريكي في مقر الأممالمتحدة في نيويورك علي إعداد مشروع قرار فرض العقوبات علي إيران بما يضمن موافقة الصين, فإن الرئيس الأمريكي يكون قد حقق خطوة بالغة الأهمية في حصار ايران التي كانت الحاضر الغائب في مؤتمر الأمن النووي في واشنطن, سواء في المباحثات الجانبية التي أجراها الرئيس الأمريكي مع جميع رؤساء الدول الأعضاء في مجلس الأمن, أم في المظاهرة الإعلامية التي بدأ بها المؤتمر أعماله, عندما أعلنت كندا وأوكرانيا وروسيا وشيلي عن عزمها علي التخلص من كميات غير قليلة من اليورانيوم عالي التخصيب لإظهار تعنت إيران تأكيدا لرغبتها في صنع سلاح نووي. وإذا كانت واشنطن قد نجحت في أن تفوت علي المصريين والأتراك فرصة المناقشة العلنية لمخاطر الإبتزاز النووي الاسرائيلي علي أمن الشرق الأوسط داخل مؤتمر واشنطن, فإن الفرصة لاتزال سانحة أمام كل الفرقاء المهتمين بأمن الشرق الأوسط خاصة الدول العربية, عندما ينعقد في نيويورك الشهر القادم مؤتمر المراجعة الأخير لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي يستهدف تكريس أبدية المعاهدة في الوقت الذي لاتزال فيه المعاهدة تفتقد إلي العالمية بسبب رفض اسرائيل توقيعها والانضمام إليها.