البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    سعر الذهب اليوم الأربعاء «بيع وشراء».. عيار 21 يفاجئ الجميع برقم قياسي جديد (تفاصيل)    أوكرانيا تبحث مع استونيا تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد    محافظ البحيرة تعقد ثاني لقاء موسع مع الصحفيين لتسليط الضوء على قضايا ومشاكل المواطنين    مجموعة ال24 تطالب بتبني نهج الدبلوماسية والتعاون لخفض التوترات واستعادة السلام في العالم    من بينها الأقصر.. انطلاق حملة التدفئة لعام 2024 لتوزيع البطاطين بمحافظات مصر    إنفوجراف| أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال لقائه مع نظيره الروسي    نائب الرئاسي الليبي يبحث مع مسؤولة أممية التطورات السياسية في ليبيا    إعلام إسرائيلي: الجيش أنهى استعداداته للهجوم على إيران ورفع حالة التأهب في أنظمة الدفاع الجوي    أحمد سالم: بعثة الزمالك في حالة نفسية سيئة.. وهناك إجراءات رادعة للمتجاوزين    كورتوا: رد فعلنا كان عظيما.. وهذا ما علينا فعله أمام برشلونة    محمد العدل يهاجم بيان نادي الزمالك: عيب    عمرو بركات: إيهاب جلال تأثر بطريقة الرحيل عن تدريب مصر وشعر بالإهانة    جيرونا يحقق أول انتصار أوروبي بثنائية بدوري الابطال    60 مليون يورو أرباح ليفربول من «الملابس»    تشريح جثة طفل عثر عليها ملقاة بالشارع في حلوان    كشف غموض العثور على جثة شاب ملقاة في ترعة ببيلا    ضبط 5 أطنان دواجن فاسدة داخل مجازر غير مرخصة في بدمياط    حار نهارا وبارد ليلا.. تعرف على حالة الطقس اليوم الأربعاء 23 أكتوبر    تجمعهما صداقة قوية.. هاني فرحات يفاجئ تامر عاشور في حفلته الأخيرة بهذه الطريقة    رغم الخلافات.. 3 أبراج تتعامل باحترام في العلاقة    حلواني بدرجة مهندس معماري| ساهر شاب بحراوى يفتتح مشروعه لبيع «الفريسكا»    أستاذ موارد مائية يكشف: توقف توربينات سد النهضة بالكامل    الكويت تنضم رسميا إلى البروتوكول المعدل لاتفاقية مراكش المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية    شتوتجارت يسقط يوفنتوس بهدف قاتل فى دوري أبطال أوروبا    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    ريمونتادا مثيرة من ريال مدريد على بوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    استشهاد 10 أشخاص وإصابة 31 في غارات إسرائيلية على شرق وجنوب لبنان    وزير الخارجية الكويتي: حريصون على حفظ السلم والأمن الدوليين وتعزيز التنمية المستدامة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدة حلحول    رسميا.. جيش الاحتلال يعلن اغتيال القيادي هشام صفي الدين    تفاصيل ضبط طالب لقيادته سيارة وأداء حركات استعراضية بالقطامية    جثتان على بوابة كمبوند شهير بالتجمع الخامس    "اشتروا بسرعة".. رئيس "اللجنة النقابية للمصوغات" يكشف أسباب ارتفاع أسعار الفضة    انفراجة وإصدار التراخيص الفترة المقبلة.. مقرر لجنة إعداد قانون البناء يكشف التفاصيل    تحرك برلماني لمعرفة أسباب هدم قبة مستولدة محمد علي باشا    عمر خيرت يعزف أجمل مقطوعاته الموسيقية بحفل جسور الإبداع بين مصر واليابان    الفنان عبد الرحيم حسن: "فارس بلا جواد" كان علامة في حياتي ودوري فيه كان تحدي    مي عمر بشوارع لندن وهنادي مهنا بدون مكياج.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    أول تعليق برلماني بشأن هدم قبة حليم باشا التاريخية    القاهرة الإخبارية: 4 غارات إسرائيلية على مناطق برج البراجنة وحارة حريك والليلكي في الضاحية جنوب لبنان    هل الإيمان بالغيب فطرة إنسانية؟.. أسامة الحديدي يجيب    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    نشرة المرأة والمنوعات: الوقوف لساعات طويلة يصيبك بمرض خطير.. أبرز أسباب مرض داليا مصطفى.. سعر غير متوقع ل فستان ريهام حجاج    جامعة دمنهور تعقد ندوة "انتصارات أكتوبر والهوية الوطنية"    قومي المرأة يهنئ المستشار سناء خليل لتكريمه في احتفالية "الأب القدوة"    وزير الشؤون النيابية: نحن في حاجة لقانون ينظم شؤون اللاجئين بمصر    هل قول "صدق الله العظيم" بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تربية الأبناء تحتاج إلى صبر واهتمام.. وعليك بهذا الأمر    ساىق توك توك ينهي حياته شنقًا في أكتوبر بسبب أزمة نفسية    نواب البرلمان يعددون مكاسب المصريين من التحول للدعم النقدي    جمال شعبان يوجه تحذيرا من المشروبات الغازية    تكريم ذوي الهمم في الإسلام.. الجامع الأزهر يعقد ملتقاه الأسبوعي    أمين الفتوى: النية الصادقة تفتح أبواب الرحمة والبركة في الأبناء    المؤتمر العالمي للسكان.. جلسة نقاشية بعنوان "التعليم ركيزة أساسية لتحقيق التنمية البشرية المستدامة"    وزير الصحة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نظيريه القبرصي واليوناني    الرئيس الإندونيسي يستقبل وزير الأوقاف ممثلا عن «السيسي»    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بغدادى الرحمة وبغدادى الإرهاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 10 - 2017

رجلان اشتهرا باسم البغدادي، أولهما عالم متبحر فى علوم الشريعة، وهو أيضا فيلسوف طبيب رحالة عبقري، عاشق للعمران، وعاشق لمصر وللأزهر، ومنبهر بعبقرية المصريين القدماء فى تشييد الأهرام والآثار الخالدة، فهو بغدادى يعد قطعة من الرحمة، وثانيهما إرهابى مجرم، خرج على الناس بالتكفير والتفجير وقطع الرقاب، وتدمير الآثار العريقة للحضارات القديمة المندثرة شمال العراق وسوريا، ولن يذكره التاريخ إلا باللعنات.
أما البغدادى الأول فهو العلامة الإمام الجليل موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، الذى وفد إلى مصر سنة 589ه (القرن السادس الهجرى)، الموافق سنة 1193م (الثانى عشر الميلادى)، وكان نموذجا للإنسان المسلم بحق، عاشقا للعلم والعمران، هام حبا بمصر، وسجل فى رحلته (الإفادة والاعتبار) وصفا تفصيليا لجغرافيتها، والنباتات التى تنبت فيها، وطباع أهلها.
وقد أجلسه الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين للتدريس فى الأزهر، قبل 900 سنة من اليوم، فأقام يدرِّس فيه بضع سنوات، إلى وفاة الملك العزيز سنة 595ه، وقد صرح هو بذلك فى سيرته الذاتية التى نقلها ابن فضل الله العمرى فى كتاب : (مسالك الأبصار، فى ممالك الأمصار) فقال: (وكان سيرتى فى هذه المدة أننى أقرئ الناس فى الجامع الأزهر إلى نحو الساعة الرابعة، ووسط النهار يأتى من يقرأ الطب وغيره، وآخر النهار أرجع إلى الجامع، فيقرأ قوم آخرون، وفى الليل أشتغل مع نفسى).
ومن عجائب هذا البغدادى العبقرى الطبيب المؤرخ أنه نظر إلى أهرام الجيزة والآثار المصرية العريقة نظرة خبير، فأدرك مقدار العبقرية الكامنة وراء هذه الأبنية الخالدة، قال فى كتابه: (الإفادة والاعتبار)/ص90/ من طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1998م عن أهرام الجيزة: (وقد سُلك فى بناية الأهرام طريقٌ عجيب من الشكل والإتقان، ولذلك صَبَرَتْ على مَرِّ الزمان، بل على مَرِّها صبر الزمان؛ فإنك إذا تَبَحَرْتَها وجدتَ الأذهان الشريفة قد اسْتُهْلِكَتْ فيها، والعقول الصافية قد أَفرغت عليها مجهودها، والأنفس النيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها، والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مُثُلا هى غاية إمكانها، حتى إنها تكاد تحدث عن قومها، وتُخْبِرُ بحالهم، وتنطق عن علومهم وأذهانهم، وتترجم عن سيرهم وأخبارهم).
بل يسجل عن الأهرام شيئا عجيبا لم يعد موجودا اليوم بسبب الزمن وعوامل التعرية، وهو النقوش النفيسة التى شاهدها هو قبل تسعمائة سنة على الهرم، والتى كانت سجلا تاريخيا ووثيقة أثرية نادرة لا تقدر بكنوز الأرض، وقد زالت عبر تسعة قرون مضت من الزمان، لكنها كانت باقية إلى زمنه، ولم يبق منها اليوم شيء، فيقول/ص92/: (والعجيب فى وضع الحجر بهندام ليس فى الإمكان أصح منه، بحيث لا تجد بينهما مدخل إبرة، ولا خلل شعرة، وبينهما طين كأنه الورقة، لا أدرى ما صفته، ولا ما هو، وعلى تلك الحجارات كتابات بالقلم القديم المجهول، الذى لم أجد بديار مصر من يزعم أنه سمع بمن يعرفه، وهذه الكتابات كثيرة جدا، حتى لو نقل ما على الهرمين فقط إلى صحف لكانت زهاء عشرة آلاف صحيفة).
بل يقول عن الجيزة/ص100/: (فهذه المدينة مع سعتها وتقادم عهدها، وتداول الملل عليها، واستئصال الأمم إياها، من تعفية آثارها، ومحو رسومها، ونقل حجارتها وآلاتها، وإفساد أبنيتها، وتشويه صورها، مضافا إليها ما فعلته فيها أربعة آلاف سنة فصاعدا، تجد فيها من العجائب ما يفوت فهم الفطن المتأمل، ويحسر دون وصفه البليغ اللسن، وكلما زدته تأملا زادك عجبا، وكلما زدته نظرا زادك طربا، ومهما استنبطت منه معنى أنبأك بما هو أغرب، ومهما استثرت منه علما دلك ذلك على أن وراءه ما هو أعظم).
وأقول هذا البغدادى العبقرى نموذج شريف ورفيع للإنسان العراقى الشقيق العظيم، الذى ضرب بسهم فى صناعة حضارة عريقة وعظيمة على ضفاف دجلة والفرات قبل ألوف السنين، وبه صارت بغداد فى عهد الخلفاء المسلمين عاصمة الدنيا، ومقر العلم والحكمة، ورمز الحضارة.
أما البغدادى الثانى فهو أبو بكر البغدادي، التكفيري، مجرم الحرب، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، الذى قدم للعالم نموذجا من أبشع نماذج التاريخ دموية وجنونا وإرهابا، ورغم أنه تلقب بلقب البغدادى إلا أنه فى حقيقته وجوهره امتداد لظاهرة التتار التى كانت أعنف هجوم وتدمير على بغداد العريقة.
وقد تضاربت الأخبار خلال الأشهر الماضية حول مقتله، فكانت المؤسسات الروسية تؤكد مقتله، وكان الأمريكان ينفون ذلك أو يتشككون فيه، وقد خرج يوم الخميس الماضى بتسجيل صوتى جديد مدته نحو خمسين دقيقة، فى غاية الخطورة، ينفى فيه مقتله، ويكرس للصراع الأبدى بين الناس، ويدمر مقاصد الشريعة التى جاءت بالهداية لا الصراع، والتى جاءت بحفظ الأنفس والعقول، وجاءت بالعلم والحضارة، فحولها هو وأتباعه إلى القتل والخراب، وينادى أتباعه فى التسجيل الصوتى المذكور بأن يوقدوا لهيب الحرب، وأن يكثفوا الضربات، وأن يستهدفوا مراكز الإعلام، والعلماء والدعاة، بما ينذر بانطلاق خلايا داعش بأحداث إرهابية قادمة فى أوروبا وأمريكا وغيرها.
إن الفرق ما بين البغدادى الأول والثانى كالفارق ما بين السماء والأرض، والجنة والنار، والمقارنة بين هذين البغداديين والضد يظهر حسنه الضد كما يقول الشاعر تكشف لنا عن الفارق الضخم بين عقل فهم الإسلام بحق، فانطلق منه إلى الأمان والعمران والعلم والإبداع والحضارة، فحقق مقاصد الشرع الشريف، وبين عقل آخر إرهابى مظلم، حمل راية التكفير والقتل بأبشع الطرق فدمَّر مقاصد الشريعة.
وسوف يزول هذا البغدادى المجرم حتما، مهما أخرج من تسجيلات وشحن أتباعه ودفعهم للقتل والخراب، وسوف يزول معه كل الدواعش والتكفيريين وخوارج العصر، ويبقى ما ينفع الناس، وقد قال الله تعالى (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ).

لمزيد من مقالات د. أسامة الأزهرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.