فى ليلة رأس السنة عام 2008 وفى أثناء تحضير «غاريت كامب» وأصدقائه للاحتفال اضطر لتوظيف سائق خاص كلفه 800 دولار، ومَثل المبلغ معضلة جعلته يبحث عن حل أوفر، وأدرك أن تقسيم التكلفة مع الكثير من الناس أفضل. وهنا وُلدت فكرة أوبر، وانضم إليه «ترافيس كالانيك», وهو رائد عمل أسس شركة لتبادل الملفات على الإنترنت وبَنيا معاً النموذج الأول لتطبيق الهواتف الذكية لطلب السيارات الذى يتيح لمستخدمى الهواتف طلب رحلة، وتوجيه السائقين الذين يستخدمون سياراتهم الخاصة لمواقعهم وكانت بداية شركة أوبر (Uber) التى سرعان ما تحولت الى شركة «متعددة الجنسيات» تعمل فى 774 مدينة بأكثر من 84 بلدا. لتغير من النسيج اللوجستى للنقل فى العالم. وتجعل الجميع مستفيدا، أوبر بالنسبة للمواطن العادى يمثل وسيلة جديدة مرنة لكسب المال فى أوقات فراغه. وبالنسبة للمدن، أوبر يساعد فى تحسين وسائل النقل، كوسيلة نقل موثوقة وأخيرا فإن وجود أوبر قد سمح بتقوية الاقتصاد المحلى فى العديد من المناطق غير المأهولة. لكن الأهم أن أوبر ليست شركة من الطراز التقليدى فهى لا تملك مصانع ولا محال ولا براءات اختراع، لكنها تمتلك تحديد نموذج عمل بُنى على تطبيق المحمول وشبكة من السائقين وقاعدة غير محددة من العملاء, ونتخيل أن عدد سائقى اوبر فقط فى الولاياتالمتحدة 160 ألف سائق ونحو مليون ونصف مليون فى العالم ويستخدم الخدمة 40 مليون شخص شهريا. هذه الشركة هى إحدى نتائج ما نطلق عليه الاقتصاد التشاركي (shared economy) وهو نظام اقتصادى مستديم مبنى بالكامل تقريبا على توظيف تطبيقات الهاتف المحمول والإنترنت، ويقوم على مشاركة الأصول البشرية والمادية، ويشمل الإبداع والإنتاج والتوزيع والإتجار والاستهلاك التشاركى للبضائع والخدمات بين مختلف الأفراد والمنشآت التجارية، فالغالبية العظمى من سائقى أوبر مواطنون عاديون يمارسون العمل فى اوقات فراغهم، قد يكونون موظفين فى أعمال أخرى او عاطلين عن العمل. لكن هذه الشركات اصبحت مسجلة فى البورصات وتجذب الاستثمارات, فالمملكة العربية السعودية تستثمر 3.5 مليار دولار فى أوبر منذ 2016. نموذج الاقتصاد التشاركى الذى أنتج لنا شركة اوبر آخذ فى التغلب على النموذج التقليدى للشركات الصناعية الكبرى، سواء فى قدرتها على إيجاد قيمة سوقية او إيجاد فرص عمل او تنمية الاقتصاد بشكل عام، فأكبر عدد من الموظفين عمل فى شركة أوبر كان 1800 شخص فى أمريكا و6 آلاف على مستوى العالم , مقابل اكثر من 200 الف شخص يعمل فى شركة جنرال موتورز، وعوائد شركة اوبر وصلت الى 5.5 مليار دولار فى نهاية 2016، وقيمة الشركة وصلت إلى 68 ميارا دولار وهى تقترب من قيمة شركة بى ام دبليو التى يعمل بها 125 الف شخص، وتصل قيمتها إلى نحو 70 مليار دولار وتزيد قيمة اوبر أيضا عن قيمة شركة فورد لصناعة السيارات التى تبلغ 55 مليار دولار، ويعمل بها نحو 200 الف شخص. وشركة اوبر ليست الوحيدة فى مجال النقل التشاركى فهناك شركات اخرى مثل لافت (lyft) وزبكار (zipcar)، وفى فرنسا هناك شركة تأجير سيارات كهربية (AUTOLIB) بالمشوار لها مواقف فى كل احياء باريس تعمل على إيجاد بيئة بدون عوادم سيارات، وفى العالم مئات من الأمثلة لمنصات وتطبيقات تقوم بتوفير الخبرة الفنية والعمالة والتمويل والتسويق وحتى الافكار الابداعية، وكلها يشارك فيها إناس عاديون وتعتمد مفاهيم المشاركة فى تقديم خدمة ما. وتتوقع دراسة حديثة أن ينمو الاقتصاد التشاركى إلى قطاع اقتصادى منفصل، ينمو بشكل مذهل، فقط فى قطاع التأجير (السيارات والقوارب والغرف والقصور) سترتفع قيمة هذه الصناعة من 15 مليار فى عام 2013، إلى 335 مليار دولار بحلول عام 2025، وشركة مثل «اربنبى»Airbnb وهى شركة تأجير الغرف والقصور الخاصة للافراد من خلال منصتها على الإنترنت، إستضافت 60 مليون ضيف منذ تأسيسها عام 2008 ولديها الآن مليونى عقار وغرفة مدرجة للتأجير، وهذا تقريبا ضعف عدد الغرف الفندقية المملوكة حاليا من قبل أكبر سلسلة الفنادق، ماريوت، التى لديها 1.1 مليون غرفة. الغريب ان شركة اربن لا تمتلك أى غرفة على الاطلاق. مثلا مثل شركة أوبر التى لا تمتلك أى سيارة من سيارتها. والشىء المذهل ان هذا الاقتصاد الذى يشارك فيه الجميع تذهب عوائدة إلى محافظ الناس مباشرة، ففى عام 2013 وحده، قدر أن العائدات التى تمر عبر الاقتصاد التشاركى للأفراد مباشرة بلغت أكثر من 3.5 مليار دولار. وهذه الميزة وحدها كفيلة بأن تقوم حكومات الدول التى تحاول رفع مستويات معيشة مواطنيها بتسهيل نمو هذا الاقتصاد على أراضيها. وأستغرب وأستنكر الاستمرار فى أضاعة الوقت الثمين فى هذه الفترة الحرجة من عمر الدولة المصرية فى إستنهاض قطاعات إقتصادية ماتت منذ سنوات ولم يعد هناك امل ولا فائدة منها, فى مقابل عدم الاهتمام بدعم ورعاية قطاعات قد تحدث تنمية حقيقية عادلة وعلى مختلف الأصعدة وخاصة قدرتها على توزيع ارباح العمل على الناس مباشرة. لمزيد من مقالات د . عاطف الشبراوى;